بيان من إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي

     في الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية

 

تأتي في الثامن عشر من آذار الجاري، الذكرى الثالثة عشرة لثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، الثورة التي قدم فيها شعبنا ومازال أعز التضحيات في الأرواح والممتلكات، وأصبح فيها نصف شعبنا مشتتًا ما بين مهجرين في بقاع الأرض أو نازحين لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم المدمرة، ولا تعزى هذه الفاتورة لقصور العامل الذاتي فقط، فهناك نظام استعمل في خياره الأمني كل ترسانته المدنية والطائفية وجيشه وأمنه وميليشياته، كما استدعى حلفاءه الإيرانيين وحرسهم الثوري وأذرعهم الميليشياوية، من لبنان والعراق واليمن والباكستان وأفغانستان، وحين لم يفلح توجه منذ 30 أيلول/ سبتمبر 2015، إلى طلب التدخل الروسي الذي غير بقصف طيرانه مجرى الصراع، وجاءت اتفاقات خفض التصعيد بعدها كي تعيد للنظام مساحات واسعة من الجغرافيا السورية التي كانت خارج سيطرته.

تدويل الصراع السوري الذي سعى إليه النظام منذ الأشهر الأولى للثورة، أخرج القضية السورية من حيث النتيجة من يد السوريين نظاماً ومعارضة، وأصبحت سورية واقعة تحت سيطرة أربع احتلالات جديدة، وكل احتلال يحاول أن يُثبتَ واقعاً، يخدم مصالحه ونفوذه على المدى البعيد.

تعقيدات الوضع السوري، وتضارب مصالح الدول المتدخلة، وتعليق الحلول وتقطيع الوقت، مازالت تحكم الصراع وثبات خطوط التماس، ثم جاءت تطورات دولية، انعكست بشكل غير مباشر سلباً على الوضع السوري، منها الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب على غزة، نظراً لأن بعضاً من الدول المتدخلة في سورية، هي أطراف منخرطة في هاتين الحربين، بحيث بات الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، يركز كل جهوده وإمكاناته الهائلة، للحيلولة دون انتصار روسيا في حربها على أوكرانيا، وكسر شهيتها التوسعية المتزايدة، وينطبق ذات الأمر على الاستنفار الغربي غير المسبوق، لتأكيد حمايته لإسرائيل وأمنها، عقب عملية طوفان الأقصى، وهذان التطوران أدخلا القضية السورية في متاهة الاستنقاع، مضافاٌ إلى ذلك أن الفاعل الأهم هنا وهو الولايات المتحدة الأمريكية، ليست في عجلة من أمرها، ولا يبدو أنها تريد ذلك، للسماح بتفعيل الحلّ السياسي، الذي تضمّنته قرارات المجتمع الدولي ذات الصلة بدءاً بجنيف 1/2012 وانتهاءً بالقراررقم 2254/2015.

ولعل المعادلات التي باتت تحكم الصراع في سورية وعليها، وترابط الملفات المفتوحة في أكثر من دولة شرق المتوسط بفعل التدخل الإيراني، تلعب الدور الرئيس في ركود الملف السوري، وربما أن حله بات جزءاً من حلها المؤجل، ومن الواضح أن تحريك العملية السياسية، التي دعت إليها القرارات الدولية ذات الصلة، بات يستدعي كسر هذه المعادلات، وهذه عملية مرهونة بإرادة الدول المتدخلة وصراعاتها، التي لا يمكن للسوريين في ظل أوضاعهم وانقساماتهم، أن يكونوا الطرف المبادر إليها، أو المقرر فيها في الأمد القريب، دون أن يعفيهم هذا الوضع من المثابرة على المحاولة، والعمل من أجل عودتهم طرفاً في هذه المعادلات، وفي تقرير مستقبل سورية.

لا يجافي الحقيقة الاعتراف بأن المعارضة السورية، بتمثيلها السياسي أو الفصائل المسلحة، باتت عبئاً على الثورة السورية وعلى قضية السوريين، ثم أنها باتت موضوعياً رهينة السياسات التركية تجاه الملف السوري، وكأنها عاجزة عن الفكاك من هذا الوضع الذي آلت إليه، لكنْ، وكما هي طبيعة السوريين، وسط هذه اللوحة، جاءت انتفاضة السويداء المستمرة للشهر السادس، لتقدم نموذجًا رائداً في النضال السلمي، وسعة المشاركة لقطاعات واسعة من أهلها برجالهم ونسائهم، ومن كافة الفئات العمرية، وهم بإصرارهم على المتابعة، وهزيمة رهان النظام على تعبهم وعودهم إلى بيوتهم، ينعشون نسغ الحياة في عود الثورة، ويرسلون رسالة إصرار من السوريين على تحقيق الأهداف، التي خرجوا من أجلها.

النظام السوري لا يبدي أي اكتراث لما آلت إليه أمور الناس، من تدهور في الحالة المعيشية وفقدان الخدمات الضرورية وتفاقم الفساد، ليس فقط المتواجدون منهم في المناطق الخارجة عن سيطرته، بل أولئك الذين تحت سيطرته، كما يستمر في سياسة تطفيش الفاعليات الصناعية والتجارية إلى خارج سورية، من خلال فرض الإتاوات والضرائب الباهظة عليها، في وقت تقف فيه البلاد على حافة الانهيار الاقتصادي، بذات القدر الذي تَدفع فيه إجراءاته التضييقية، وعرقلته للحلول السياسية وانسداد الآفاق، المزيد من السوريين وبخاصة فئة الشباب إلى الهجرة خارج البلد، بحثًا عن الأمان وعن فرص العيش، وهذه الإجراءات التي ترمي إلى إفراغ البلد من سكانه وكوادره وفعالياته، لا تدلل على نظام واثق من انتصاره ومن استمراريته، كما يحاول الإيحاء به لمواليه أولاً، ولبقية السوريين الذين خرجوا على استبداده ثانياً.

في هذه الذكرى وبعد ثلاثة عشر عاماً من التضحيات تقول المعطيات: أن الثورة لم تنتصر بعد، وذلك بفعل إرادة دولية وإقليمية ظالمة، دون إغفال قصور العوامل الذاتية، لكنها لم تنهزم بعد، ولم يرفع أحد راية الاستسلام، ومازال الصراع مفتوحاً على الرغم من تقدم قوى الثورة المضادة، ليس في سورية فقط، بل على مستوى الأقاليم، وبالمقابل، على عكس ما يتوهم، فإن النظام لم ينتصر، واستمراره مرهون بدوام الدعم العسكري والسياسي والمادي، الذي يقدمه له حلفاءه الإيرانيون والروس، على حساب قراره السيادي الذي يدعيه.

تحية لأرواح الشهداء

عاشت سورية حرة وديموقراطية

دمشق في 17 / 3 / 2024

الأمانة العامة لإعلان دمشق

للتغيير الوطني الديموقراطي