عضو الامانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري

  في الذكرى الثانية عشرة للثورة

 رسالة إلى السوريين

جورج صبرة  

أيها السوريون . . يا أهلنا في كل مكان ، داخل البلاد في جميع المحافظات ، وخارجها في جميع بلدان اللجوء والانتشار. في المدن والقرى والمخيمات ، أينما كانت مواقعكم ، وكيفما كانت مواقفكم وانتماءاتكم. لقد طفح الكيل وتعاظمت الآلام ، وطالت سنوات المحنة .

يا أبناء الثورة وأصحاب المعاناة والتضحيات من أجل الهدف النبيل بسورية الجديدة وطناً حراً ، يوفر الحرية والكرامة والعدل لجميع أبنائها . يا من اخترتم الدرب الطويل الصعب بإرادة وتصميم ، ومازلتم موضع الأمل والرجاء ، وبحر العطاء الذي لا ينضب .

جاءت كارثة الزلزال المدمر في بلدنا ، لتكشف الخذلان الإنساني والإغاثي الذي تعرض له الضحايا ، وتشكل إضافة نوعية قاسية ، تزيد من مرارة مشهد الخذلان السياسي والأمني المستمر منذ اثني عشر عاماً وتفضحه . كان ضجيج المساعدات الأممية والدولية يملأ الأسماع ووسائل الإعلام ، لكنه لم يصل كما يجب وفي الوقت المناسب لصرخات الأهل وأنين أطفالهم من تحت الأنقاض . كانت اليد السورية وحدها في الميدان . لم تتأخر ولم تبخل بجهد أو عطاء . وهذا سر من أسرار خصالكم وأخلاقكم المعروفة ، ومن فضائل ثورتكم الكاشفةِ الفاضحة . 

فأصحاب الخوذ البيضاء بأيديهم ورفوشهم ومعاولهم حقنوا الدماء وأنقذوا الأرواح ، فاستحقوا احترام الشعب وتقديره ، وانتزعوا إعجاب العالم . فتحتم بيوتكم وخيامكم الضيقة لاحتضان المنكوبين ، واقتسمتم لقمة العيش العزيزة معهم . ومن المناطق القريبة والبعيدة أتت قوافل النخوة والكرم من أبناء العشائر . وعبر البحار طار الأطباء السوريون بالعشرات لإنقاذ الأرواح وبلسمة الجراح . ولم يقصر المقيمون واللاجئون في بلدان الانتشار . فكشفتم للعالم أجمع الوجه الناصع لسورية الثورة وأهلِها . بينما كانت طغمة الحكم والتحكم الأسدية تتصرف باستنسابية وعشوائية بالمساعدات التي حملتها طائرات الدول ، فتسرقها وتخزِّنها وتعرضها للبيع في الأسواق ، ولا تصل إلى جميع الضحايا مستحقاتُهم . فالنظام القاتل الذي انتهك حقوق الشعب وحريته وكرامته، وسرق مقدراته لعقود طويلة، لا يخرج من جلده حتى أيام الكوارث . 

أيها السوريون : يتضح اليوم للجميع عدم وجود نظام حكم في البلاد ، إنما عصابات للمخابرات والمخدرات والمهربين ، وتجار للموت يقتلون الشعب بالجوع والإهمال والقمع ، بعد أن قتلتهم يد الإجرام بالكيماوي والبراميل المتفجرة والمجازر الجماعية ، وهجَّرت نصف الشعب من بيوته . وبعد أن فشل الروس في مساعيهم لتأهيله وتطويع الشعب ، هاهم السوريون ينتفضون في درعا والسويداء ومناطق أخرى في الداخل ، لأن أسباب الثورة ودوافعها مستمرة ، وتزداد الحاجة إليها ، بعد أن تحولت البلاد إلى معسكر اعتقال كبير وجمهورية للكبتاغون ومسرح للمليشيات الطائفية . فتحية للذين يقاومون التسلط ، ولا ينامون على ضيم .

اليوم وبعد استفحال جرائم النظام وانكشافها ، وازدحام ملفه القانوني أمام العدالة الدولية ، وفي وقت تشتد فيه الأوضاع الإنسانية والمعيشية على الشعب في جميع المحافظات ضيقاً ومرارة ، يتلقى السوريون طعنة خذلان جديدة من بعض الدول في الإقليم . تلك الدول التي تجهد وتجتهد للتطبيع مع النظام في محاولة يائسة ومخزية لإعادة تأهيله . تجري هذه المحاولات بعد أن وصل تهتك السلطة للحضيض ، ورفع فيه السوريون شعار ” لن نصالح ” . وأن لا حل للقضية السورية خارج العملية السياسية ، عبر تنفيذ القرارات الأممية وإنصاف الضحايا وتحقيق الانتقال السياسي . لتحرير البلاد من قوى الاحتلال ومليشياتها واستعادة وحدتِها وإرادةِ شعبها . 

أيها السوريون . . يا أهلنا . . أيها المستفردون والمخذولون في الأيام الصعبة . يا من هتفتم منذ الأيام الأولى للثورة ” يا لله مالنا غيرك يا الله ” . وكسرتم حاجز الخوف بثورتكم المجيدة ، وقدمتم من التضحيات ما يعز عن الوصف . ها أنتم في ذكراها الثانية عشرة ، تواصلون العزم على طريقها رغم فداحة الجراح والخذلان ، بل بسببها أيضاً . نحن مدعوون اليوم للرد على حالة الانقسام والتبدد القائمة ، بالقيام بواجباتنا تلبية لمهام المرحلة الراهنة ، وما يترتب علينا من موجبات  ومسؤوليات ، لتفعيل دورنا وتحقيق حضورنا اللائق وراء قضيتنا ، بالاعتماد على الذات والروح الوطنية الجامعة . دون أن نهمل العلاقات العربية والدولية اللازمة والمطلوبة .

فأمام هذه الظروف الإقليمية والدولية الصعبة والمعقدة ، ووهنِ المؤسسات السياسية والعسكرية في إطار الثورة ، وقصورِها عن القيام بمهامها ودورها والحفاظ على استقلاليتها ، ما أدى لإخراج قضيةِ شعبنا من دائرة الضوء . وهذا ما يستوجب خلق فعل سياسي وطني مشترك للخروج من الواقع الحالي وتجاوز إشكالياته ومخاطره . وهو ما ينادي به شباب الثورة وفعالياتُها ونشطاؤها منذ زمن . وتقتضيه الظروف الحساسة والخطيرة التي تحيط بقضية شعبنا ووطننا . بعد أن ازدحمت بلادنا بالجيوش الأجنبية والمليشيات ، وصارت ساحة للصراع الإقليمي والدولي المفتوح . وتفرضه أيضاً حالة العجز المدوي للأمم المتحدة سياسياً وإغاثياً وإنسانياً ، وانعدام الإرادة الدولية في دعم العملية السياسية لتصبح جادة ومثمرة . إنها مسؤوليتنا جميعاً ، مسؤوليةُ النخب الثقافية والسياسية ونشطاء الثورة في المقام الأول . ومسؤولية جميع السوريين في كل الأحوال .

ننحني احتراماً لأرواح الشهداء وآلام الضحايا وعذابات ذويهم .

ندعو للجرحى والمصابين بالشفاء العاجل .

الحرية للمعتقلين والمغيبين .

النصر للثورة السورية المستمرة ، وتحية لشبابها في ذكراها الثانية عشرة .

17 / 3 / 2023