رأي الرأي

مجزرة التضامن 

أكثر من هدف بفيديو واحد..

نقلا عن موقع الرأي

    تنفيذاً لمنهجية استبدادها واستمرار بقائها اعتمدت العصابة الأسدية التوحّش أساساً إستراتيجياً لسياستها في استيلائها على سورية، فأشرعت أبواب السجون والمعتقلات، ولحقتها المجازر إرهاباً للسوريين، وشلّاً لقدراتهم، وتقييداً لطموحاتهم في الديمقراطية والحرية والتغيير.

لقد عمد النظام إبان الثورة إلى تسريب بعض الصور واللقطات والفيديوات جزءاً من حربه لإثارة الخوف وزرع الرعب في قلوب معارضيه وشدّ أزر مواليه عبر إشهار توحّشه، فلا يُنسى مشهد العسكري يحطم رأس أسيره المدني المكبّل بصخرة كبيرة، ولا تلك السكين تلعب على جسد آخر تنتزع حياته بدم بارد، ولا صور الاغتصاب وفنون التعذيب، وقتل الأحياء سلخاً. لكن أن يحتفظ القاتل بفيديو لجرائم اقترفها صوتاً وصورة، ويزهو بتبرير فعلته، ويستعيد رؤيتها متباهياً، لهو ما تفوّق به على وحشية الوحوش، ليثبت أنه ابن نظام يقتلع بمنهجية معارضيه ورافضيه، لا من بيوتهم وأراضيهم، بل من الحياة.  

نشر مأساة مجزرة حيّ التضامن في “الغارديان”، بعد كل جرائم القتل والدمار والتغيير الديمغرافي، ليس نكأً للجراح السورية التي لمّا يكفّ نزفها، ولا إحياء لمكامن بغيضة دون وطنية منذ استحكمت عصابة الإبادة بالعباد، وتحكّمت بمصير البلاد، لتسلم قيادها لاحتلالات تؤمّن رعايتها وحمايتها واستمرار بقائها، بل استثماراً للقوى المتصارعة في ظرف إقليمي ودولي لم يكن بحسبان أحد، دفع الجميع لترتيب أوراقهم ومراجعة اصطفافاتهم وحساب جدوى استثمارات تموضعهم في القضية التي لا يريدون إنهاءها، فتركوها تستنقع وتتعفّن ليتحكّموا بنشر روائحها الكريهة أنّى أرادوا. لقد بشّر الأمريكيون أن آذار شهر محاسبة النظام، وبدأت التوافقات الأمريكية التركية بشأن سورية مع التوتّر بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا، وتسارعت مفاوضات النووي الإيراني، لتتدافع خطا التطبيع بين بعض العرب والنظام، وتعميق التطبيع مع “إسرائيل” وصولاً إلى قمة “النقب”، بل إن ضخّاً إعلامياً كبيراً عن سورية رافق الإعلان عن مؤتمر بروكسل للمانحين قبل شهر من انعقاده، ليأتي اجتماع باريس للمبعوثين الغربيين والعرب الخاص بسورية على وقع الحرب الأوكرانية، وبمشاركة بيدرسون، لتعلن أمريكا عودتها للعب دور في قيادة الحراك القادم بالتأكيد على أهمية «المحاسبة عن الجرائم»، والتمسك بـ«قانون قيصر”، ويتحدّث مندوبها عن فيديو “مجزرة التضامن” في وقتٍ يسعى البعض لتعويم نظام الأسد وتلميعه لإعادته إلى الساحة العربية والدولية، بينما أشاد الغربيون بالدور الذي تلعبه محاكم أوروبا لملاحقة “مجرمي الحرب”.

يحدث هذا الآن مداراة للفضيحة الإنسانية والأخلاقية للمجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين، بعد غزو أوكرانيا، ويعرف الفيديو منذ سنوات، بل يضع يده على أدلّة إجرام الأسدية (آلاف الفيديوات والتسجيلات وملايين الصور وأطنان من الوثائق) يحرّكها عند الحاجة لاستثمارها في مصالحه السياسية، وسيتحفنا مستقبلاً بعرض الأكثر فضاعة، لا حبّاً بالسوريين، بل خدمة لإستراتيجيته، فالتصعيد ضد النظام لا كمجرم ارتكب الانتهاكات، وإنما لكونه حليفاً لبوتين، وسعياً لمضايقة روسيا وتهميش دورها في الملف السوري، وتهديداً لإيران، وابتزازَ اللاهثين للتطبيع معه. 

لم يبق أمامنا- السوريين- إلا حثّ الهمم واستجماع القوى للقبض على لحظة مهمّة لبدء مسيرة نضالية جديدة في تطوّر هامّ لقضيتهم. ففي وقت انسداد الأفق السياسي للحل وفق القرار 2254، فإن دماء الضحايا السوريين والمعتقلين والمغيّبين قسراً، تتكلّم في المجال الحقوقي والقانوني، ولابدّ من ذلك؛ لإيجاد ثغرة تؤدي إلى إجبار العالم للوقوف بحزم في وجه عربدة الجرائم التي أفلت مرتكبوها من المحاسبة حتى الآن، لفقدان الإرادة الحقيقية والآلية الفاعلة، وبذلك يُعاد بناء القضية السورية وإشهارها، لتكون تحت الشمس لا في دواليب التعفين، ويقرّ العالم بحقّ السوريين وجدارتهم بعد كل التضحيات والمعاناة بوطن ينعمون فيه بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية.

  • رئيس التحرير