رسالة من الداخل إلى ندوة الدوحة

نحن سوريون …  ونكتب لكم من سورية.

نحن سوريون …  ومن السوريين الذين حالفهم الحظ في البقاء على أرض الوطن، دون أن يضطرهم جور القتلة المباشر ووحشية النظام، التي واجه بها الشعب إلى فقدان هذه النعمة. وبقينا في عين العاصفة لمعركة شعب من أجل حريته وكرامته مع نظام وحشي تسلطي فاسد، يبدو أنها صعبة وطويلةً الأجل. ونجونا دون أن نسمى بأحد النعوت التي يرجع أساسها إلى الهجرة أو النزوح أو اللجوء أو الشتات …الخ

نحن سوريون … وذاكرتنا موشومة بخارطة الجغرافية السورية، وعلى امتداد الوطن 185 ألف كيلو متر مربع. ذلك الوشم الذي إن دل على شيء، فإنما يدل على أن بعض الجذور في الجولان وسهل حوران وجبلها ومحافظات الداخل، لكن بقيتها في ساحل سورية والجزيرة أيضاً. 

نحن من سورية التي يخطئ من يعتبر تسميتها بالداخل رديفاً لمسماها …  ومدعاة للأسف والحزن أن تسمى “مناطق النظام ” ففي ذلك إقرار بالتنازل عنا لعصابة بشار. ويبقى خائب الرجاء ومن دون أمل يرتجى، مَن يعُدّ وجودنا حيث نحن خارج سياق الثورة، رصيداً للشبيحة ونصرة لعصابة القتل.

نكتب لكم، ولا نعرف إن كنا سننهي هذه الرسالة أم لا. ولا نعرف إن كانت ستصلكم، فالدروب إليكم صعبة وعسيرة. نستغل الدقائق القليلة التي نحظى بها بوصول الكهرباء لنكتب، ولكن ماذا لو قطع موظف التقنين التيار قبل إكمال الرسالة؟ سوف لا تصلكم رسالتنا هذه، وقد نختفي بكبسة زر. خاصةً إن لم نحظَ بدور عند من اعتبر التبرع بشحن موبايل أو بطارية صغيرة صدقة جارية، تدون في صحيفة حسناته عند رب العباد. 

ربما لن تتذكرونا في ندوتكم، وقد تفعلون. فنحن أهل الداخل الذين نعيش تحت سلطة بشار، وهو ينتقم منا كل يوم ألف مرة. يحرمنا من الاحتياجات الأولية للبشر، والتي إن بدأت بالأمن والأمان، فلن تنتهي حتى بالدفء اتقاءً لشر برد شتاء قاس. نظام يتعامل مع الناس كموضوع للضرائب والنهب، لتشليحهم آخر ما يملكون، دون أن يقدم لهم أية خدمات، فلا صحة ولا تعليم ولا كهرباء . . . نظام يتفنن في إعدام أية صيغة إيجابية في المجتمع، ابتداء من إجهاض أية حالة إنتاجية من زراعة وصناعة وحرف وخدمات، وصولاً لامتهان كرامة البشر وقيمهم الأدبية والأخلاقية والإنسانية. ولا زلنا نعاني الخوف من الاعتقال والاختفاء القسري، الذي لم يتوقف يوما.

رغم ذلك بقينا في بيوتنا ننتظر معتقلينا، ونعيش على أمل وصولهم في أي وقت، لنكمل معهم حياتنا، لنخسرها أو لنخلقها من جديد. بقاؤنا على أرضنا كان ثقة بربح رهاننا بانتصار الثورة، وواجب العمل على تحرير المحتجزين والرهائن وفضح الانتهاكات. ومن أجل أن يبقى السوريون حيث يجب أن يكون الانسان، ويتحمل مسؤولية الانتماء إلى الوطن والمجتمع. ولم يكن بسبب العجز عن الهجرة ومغادرة البلاد. بل كان موقفاً وقراراً وإرادة، فهل تتركوننا طي الإهمال، نواجه وحشنا وبردنا وجوعنا، طالما تتحدثون باسم السوريين. . باسمنا؟ فنحن أيضاً لنا رأي ورؤية فيما يجري، ولدينا ما نقوله ونفعله لتحقيق أهداف الثورة. 

نحن مع أهل الداخل الذين احتلت عصابة بشار إرادتهم، وشوهت وعيهم، وساقتهم إلى معارك سلطته، فذهبوا وقتلوا وتيتم أطفالهم. أولئك الأطفال – وبنسبة كبيرة منهم – يسرحون الآن حول حاويات القمامة ليأكلوا، وبشار الأسد ينتظرهم ليكبروا، ويسوقهم إلى موتهم وقوداً لحربه على أهلهم في دورة حياة مكررة للموت والبؤس… فهل تتركونهم؟ هل تتركوننا لوحدنا، وتسقطوننا من ذاكرتكم؟ آه يا وحدنا …  

اسمحوا لنا ببعض الصراحة. لقد أهملتم هذا الداخل …  وانصب الاهتمام على مناطق حررتها الثورة، وهذا حق وواجب. لكنها تدار كيفياً من تابعي الدول لمصلحتها ومصالحهم. لم تفعلوا شيئا إزاء ٢٠٠ مليون دولار تسلمتها ” الأمانة السورية للتنمية ” التي تديرها أسماء الأسد من الهيئات الدولية كمساعدة باسمنا، لتصنع بها براميلاً تلقى على رؤوس من في الداخل، وتثبت سلطة زوجها، وتمهد بهذه الأموال أيضاً لتوريث ابنها الذي يبدو أنه قادم، إن بقيت أوضاع قوى الثورة والمعارضة بهذا التبدد والانقسام والعجز والتبعية.  

نحن أهل الداخل الذين لا يُنجَز تغيير من دونهم، ولا تتحقق إعادة بناء بعيداً عنهم. وليس من يحمل هم ووجع سورية أكثر منهم. أولئك الذين يعيشون في مخيمات اللجوء، والذين يعيشون في بيوتهم كلاجئين أيضاً. نحن أهل الداخل الذين لا يعرفهم أحد. لم نلتقِ مع وزراء خارجية ولا سفراء، ولم نشارك في ندوات ومؤتمرات ومؤسسات. نتحسس مصالح الناس والوطن بقلوبنا ومعاناتنا، ونحمل همومهم. وندرك أن لا أحد غير السوريين، وأهل الداخل في الطليعة منهم، بقادر على حمل أعباء المحنة الوطنية الشاملة والرد عليها. لذلك ندعوكم للتجمع وراء برنامج وطني شامل للحل لتحقيق الانتقال السياسي. ونأمل أن تكون جهودكم في الندوة مثمرة بهذا الاتجاه، وتفتح مساراً جديداً للوطنية السورية، يتوج بإقامة نظام وطني ديموقراطي تعددي حر، يليق بتضحيات الشعب السوري وإرادته في بناء دولة حديثة، تقوم على الحياة الدستورية وسيادة القانون، تتحقق من خلالها مصالح جميع مكوناته على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. وندعوكم لعدم التهاون والتفريط بحقوق الشعب التي ضمنتها القرارات الأممية.

تحية لجهودكم، التي نرجو لها التوفيق والنجاح. ونتطلع إلى نتائجها الإيجابية بتفاؤل وأمل كبيرين.

دمشق في 1 / 2 / 2022                                                    سوريون من الداخل