يعيش العراق في هذه الفترة على صفيحٍ حامٍ، ويخوض معركة خلاصه من التدخل الإيراني في شؤون سياساته الداخلية والخارجية. 

ومن أهم معالم المرحلة العراقية الراهنة، تمرد الشعب العراقي على نظام المحاصصة الطائفية والسياسية وعلى الفساد ونهب المال العام واستباحة هيبة وسيادة الدولة العراقية. 

فلم يعد هذا الشعب يحتمل زيف الطبقة السياسية، لأنه رأى بأم عينه مآلات ونتائج نظام المحاصصة وصراع الهويات قبل الوطنية، واهتدى بعد تجربة سبعة عشر عاماً، إلى معالم الطريق التي تخرج العراق من مستنقعه السياسي والاقتصادي والمعاشي الغارق فيه. وكانت المفارقة أن يكون ميدان الانتفاضة في المناطق الشيعية في جنوب العراق ووسطه حتى بغداد.

وهذا ما لم يكن يتوقعه حكام طهران الذين يتملكهم يقين خاطئ بأن مناطق الشيعة في العراق ستبقى فضاء موالاتهم ونفوذهم الدائم إلى الأبد. وما أرعبهم أكثر شعاراتها السياسية التي أخذت تتناولهم مباشرة(العراق حرة حرة وإيران برة برة). 

لقد رأى ملالي طهران في الانتفاضة الشعبية الخطر الأكبر عليهم، وأنها تشكل رافعة السياسات التي يركز عليها في خطابه السياسي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من أجل إعادة الهيبة والسيادة للدولة العراقية، والقضاء على السلاح الخارج عن إطار الدولة، ومحاربة الفساد ونهب المال العام، وعودة العراق إلى محيطه العربي. 

يعتبر الملالي نجاحها في تحقيق أهدافها مكافئًا لتلاشي وسقوط مشروعهم القومي الشوفيني التوسعي. ولذلك فليس غريباً أن يركزوا  منذ بداياتها على ضرورة قمعها بالقوة وبشتى الوسائل. وهذا ما يفسر تسليطهم الميليشيات الأكثر ولاءً لهم على ناشطيها ومؤيديها من صحفيين وكتاب وفنانين لاغتيالهم وتصفيتهم. 

إن نظام الملالي متغلغل سياسياً واجتماعياً وعسكرياً في العراق، ولذلك فإن تحرره من النفوذ الإيراني، ليس بالمهمة السهلة وإنما يتطلب خوض معركة شاقة وطويلة نسبياً، ولكن لم يبق غير هذا الخيار أمام شعب العراق لكي يستعيد سيادته وكرامته ويعود إلى محيطه. 

وعلى هذا الطريق لا يوجد سند لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في هذه المواجهة غير تكاتف وتعاضد الشعب العراقي بكل أطيافه، والعمل السياسي والدبلوماسي لعودة العراق إلى محيطه العربي، واعتماد سياسة خارجية عراقية سيادية واضحة ومتوازنة إقليمياً ودولياً يمكن أن تدعمه في القيام بمهمته. 

وبالفعل هو لم يتأخر في مباشرة هذه السياسة الذي أخذها على عاتقه، فأخذ يكثف زياراته للعواصم العربية والدولية للسير في هذا المسار. 

وما يلفت النظر في هذا السياق التقارب السعودي – العراقي غير المسبوق، والاتفاق على إقامة الاستثمارات والمشاريع في العراق لدعمه وتقديم العون له في هذه المرحلة الخطيرة والحرجة التي يمر بها الآن.