على مدى يومي الخامس والسادس من هذا الشهر شباط، عقدت في الدوحة ندوة ” سورية إلى أين؟ ” التي دعا إليها الدكتور رياض حجاب. تميزت الندوة بالطيف الواسع للمشاركين من مختلف الاتجاهات والمؤسسات المعنية بالشأن السوري. شارك فيها عشرات السوريين العاملين في الحقل الثقافي والسياسي مع عدد من العاملين في المؤسسات الرسمية التمثيلية لجهات معارضة، منها الائتلاف وحكومته المؤقتة وهيئة التفاوض السورية واللجنة الدستورية ومنصة موسكو وهيئة التنسيق الوطنية. وكانت مشاركة عدد من مراكز الأبحاث والباحثين في التحضير للندوة والمشاركة الفاعلة في أعمالها والأوراق المقدمة فيها إضافة نوعية، أثرت الندوة بتقديم وجوه جديدة للعمل العام، ومساهمات طيبة معنية بأهداف الندوة ومواضيعها.

  أثارت الندوة قبل انعقادها موجة من الحوارات في مختلف الأوساط. مضى بعضها بعيداً في توقعاته أو أحلامه، وربما أوهامه بأن هدف الندوة غير المعلن هو التأسيس لبناء حامل سياسي مفقود، ينال ثقة السوريين وتأييدهم، ويلبي احتياجات المرحلة في حسن تمثيل قوى الثورة والمعارضة، وإخراج السوريين من حالة التبدد والانقسام وإعادة القضية السورية إلى دائرة الضوء والاهتمام ومواقع البحث والقرار. بينما اكتفى آخرون بتوقع أن تعمل على تحديد المشتركات الوطنية في هذه المرحلة عبر توصيات للفعل تحفز العمل على متابعة مسار يحمي القضية من التهاون والقرار الوطني من الارتهان للدول وفقدان الاستقلالية بعد فشل المؤسسات الرسمية في المحافظة على تأييد السوريين ودعمهم، ووقوعها في العطالة والمناكفة وصراع الكراسي واللاجدوى. الأمر الذي أدى إلى تراجع الاهتمام الدولي بها وبالقضية أيضاً. وكان لآخرين رأي مختلف مسبق وسلبي عن الندوة بسبب العمومية الواسعة للمشاركين، والتي ستنتج عمومية فارغة ومكرورة للمخرجات.

وعلى الرغم من بعض الأوراق والأبحاث الهامة التي قدمت في الندوة، والتي تؤسس لرؤية علمية لمجريات العقد الماضي من عمر الثورة، وتستشرف بعض المهام المطلوبة والراهنة للتصويب والمتابعة، فقد كانت مخرجات الندوة متواضعة وروتينية، تعكس حصيلة التوافقات الممكنة بين الأطراف المتباينة في الرأي والرؤية للمشاركين، مع مراعاة واضحة للمناخات السائدة في دول المنطقة. وبدا البيان الختامي والسبعة عشر توصية كسطور انتزعت من محاضر وبيانات من لقاءات سابقة ومؤتمرات وندوات مماثلة تقول الكثير لكنها لا تقول المطلوب وتتجنبه، وهو قليل. فالتوصيات التي أنتجتها الندوة لا خلاف عليها، وتنال موافقة الجميع بسهولة. لكنها لم تحقق المطلوب والمنتظر من طرف السوريين، كما أنها لم تمس نقاط التباين والاختلاف، ولا الخطوات والإجراءات والمؤسسات التي أخرجت قضية شعبنا والعملية السياسية برمتها عن السكة الصحيحة والمسار الأساسي لها. وسمحت للخيار الروسي أن يعبث بهما. فقد تم التجاهل التام للجنة الدستورية والاعتداء الصارخ الذي تمثله على إرادة الشعب السوري وحقه، وعلى مراحل العملية السياسية التي صاغتها القرارات الأممية. فضلًا عن أنها لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مسار أستانا – سوتشي الذي وضع السوريين وقضيتهم في خدمة الدول وأجنداتها ومصالحها. ولم تنبس ببنت شفة عن مشروع خطوة مقابل خطوة، الذي يبشر به الوسيط الأممي بيدرسون السوريين بانحدار جديد وعبثية خطيرة تتجاوز كل ما مضى.

باختصار: كانت الندوة ومخرجاتها ثوباً فضفاضاً يتسع للجميع. حقق أوسع تجمع للمعارضة ليكون في الرصيد السياسي أمام الدول للقول بأن جمع السوريين مازال ممكناً رغم الهامش الضيق وغير المجدي الذي تركته القوى الإقليمية والدول الفاعلة. ورغم عشرات بل مئات الصفحات التي كتبت للندوة وعنها قبل وبعد انعقادها، ورغم أنها أجابت على بعض الأسئلة في الوقائع والمجريات، إلا أنها تجاهلت سؤالها الأساس “سورية إلى أين؟ ” أو عجزت عن الإجابة عنه، فالسؤال مازال معلقاً.