بــــيـــــــان 

رياض الترك 

حائك الحلمِ الكبير بسورية بهية، تجوب الحرية طليقةً في سمواتها. 

ابن العم: هو العمر المسفوح_ بلا ندم_ في زنازين الطغاة قرباناً للوطن والشعب. 

من قال لا في وجه الطاغية وابنه والنظام التسلطي القمعي بثباتِ لا يعرفه إلا الرجال الرجال. 

من صاح ملء صوته بلا هوادة: إن سوريةَ لأبنائها، ولن تظلَّ مملكةً للصمت، ولن يظلَّ الخوف مطبقاً على صدور أبنائها، والوطن لن يظلَّ سجناً كبيراً. توقعات ورؤى قرأت القادم من الأيام ببصيرة العارفين، فكانت الثورة، واعتبرها أبو هشام شرفاً يكفيه، حينما تحققت. 

  لم يحد يوماً عن إيمانه بأنَّ سورية ولّادة، وأنَّ النضال ضدَّ الطغاة ميراثٌ تتناقله الأجيال، مثبتاً أنَّ معارضة في السبعين، يمكنها أنَّ تدفع إلى ثورةٍ في العشرين؛ مشيراً بذلك إلى الفرق بين أعمار المعارضين السوريين، وأعمار المتظاهرين الشباب في شوارع المدن السورية، الذين هزّت حناجرهم أركان النظام؛ وكادت _لولا وحشيته وعمالته والتدخل الدولي لحمايته، أن تطيح به أرضاً. فانحاز ابن العم من فوره إلى هذه التظاهرات، التي وجد فيها عوضاً عادلاً لثمانِ عشرةَ سنةً قضاها في المنفردة بصبرٍ وعناد منتظراً هذا الحدث العظيم. 

  بدأت رحلته مع الاعتقال مبكرةً حين كان ما يزال في الثانية والعشرين من العمر عام 1952، أثناء دراسته الجامعية، زمن الشيشكلي، واستؤنفت على يد مخابرات عبد الحميد السراج زمن الوحدة المصرية – السورية. 

  عام 1972 كان عاماً فارقاً، إذ قاد أبو هشام افتراقاً نهائياً عن الحزب الشيوعي السوري، الذي كان يقوده خالد بكداش بتبعيّةٍ مطلقة للاتحاد السوفيتي، وأدلجة مستنسخة لفكر لا يتواءم مع المجتمع السوري. ورفض في تلك الفترة، الانضمام إلى الجبهة الوطنية التقدميّة، التي دجّنت أحزاب سورية، وقواها السياسيّة، وقوضت أركان المجتمع السوري، وعزلته عن المشاركة في أي حياة سياسية حقيقية، وجعلت من أحزابه وقواه السياسيّة، مجرد واجهات ورقية لحزب شمولي، يحكم الأسد الأب المجتمع عبره، بالحديد والنار. في الثمانينيات، تعرّض المجتمع السوري برمّته للقمع الدموي العاري، فاتخذ مانديلا سوريا ورفاقه موقفاً معارضاَ صريحاً ضد الممارسات القمعيّة التي يحارب بها نظام الاستبداد المجتمع السوري، والمطالبة بإقامة نظام وطني ديمقراطي، ما أدى لاعتقاله في تشرين الثاني عام 1980، ولم يفرج عنه إلا عام 1998.                 

عام 2001، وبعد إطلاق عبارته الشهيرة ” لقد مات الديكتاتور”. عبارةٌ وصّف بها المرحلة، وفتح ثقباً في جدرانها العفنة، جرى اعتقاله والحكم عليه بسنتين ونصف، ولم يكن في هذا الحكم ما يخيفه، فقد اعتاد السجن، واعتاد التعامل معه بصلابة، ووجد أنّ من الخير له أنّ يموت شهيداً بين جدرانه، على أن يحيد عن حلمه.  

وبعد خروجه واصل مع رفاقه العمل على إعادة هيكلة الحزب، فانعقد المؤتمر السادس، في نيسان من عام2005، وتمَّ خلاله تغيير اسم الحزب من المكتب السياسي إلى حزب الشعب الديمقراطي السوري، في تبنّ واضح لفكرة الديمقراطية، والانتقال لفضاء الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية.  

وقد لعب الرفيق رياض مع الأصدقاء والرفاق من مختلف المشارب السياسيّة دوراَ فاعلاّ في “ربيع دمشق” وكان له دور بارز في تأسيس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2005، الذي جمع كافة القوى السياسيّة المعارضة في سورية، من يساريين وليبراليين وإسلاميين وقوميين، إضافة للعديد من الشخصيات المستقلة. 

في 2018 اضطر ذلك الكبير، بسبب من تدهور حالته الصحيّة نتيجة الحياة السرية الطويلة، وإلحاح الرفاق من حوله، إلى مغادرة وطنٍ؛ كان الطغاة يستكثرون على الأحرار قبراً فيه، ويحاربون فيه الجنازة، ويصطادون الدمع والمشيعين. 

سافر إلى حيث تقيم ابنته للعلاج في فرنسا، ممضياً أيامه الأخيرة، محققاً نبوءةً أخرى طالماً رددها باسماً:( الختايرة بس يمضي عليهن كانون، ومابيموتوا…بيكفوا لآخر السنة) 

وكان هذا آخر الكوانين ياشيخ المناضلين، أيها الأيقونة التي تزين صدرنا وصدر أحرار البلاد بفخر وامتنان. 

رياض الترك: 

ليس لأحد أن يأخذ فيك العزاء منفرداً، لأننا نُعزّى بك جميعاً… كحزب وشعب ومناضلين.

سنربت على قلوبنا، وندعو لابنتيك نسرين وخزامى بالصبر والسلوان…لهما…لنا.. كسوريين وسوريات…للبلاد كلّها أن تفخر بقامة مثلك…لن تموت ذكراها. 

دمشق 2 / 1 / 2024 

                                                                                   اللجنة المركزية 

                                                                           لحزب الشعب الديمقراطي السوري