رسالة سياسية!

أولاً: تطورات الأوضاع السورية

١- الوضع الميداني:

   آ- منطقة إدلب ومحيطها: يندرج استمرار روسيا في تصعيدها العسكري في الشمال السوري، في إطار محاولاتها خلط الأوراق للخروج من المأزق السياسي الذي تواجهه في سوريا، بسبب فشلها المتكرر في تمرير أجندتها ومصالحها، كما يهدف إلى الضغط على تركيا لإجبارها على فتح المعابر بين مناطق النظام والمعارضة في ادلب وحلب من أجل إنعاش نظام الاسد اقتصادياً؛ وكذلك يأتي بسبب خوفها من تنسيق تركي-أميركي لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري. أدَّت هذه التطورات الى تحشيد عسكري تركي لمواجهه الإصرار الروسي على فتح الطريق الدولي. صحيح ان هذه المناطق ما تزال تحت رحمة الاتفاق التركي الروسي مع درجة من الرعاية الامريكية، إلا أن المرجح هو استمرار واقع السيطرة الميدانية على حاله، بسبب صعوبة تغيير قواعد الاشتباك.

ب- المنطقة الشرقية والبادية السورية: رغم الوجود العسكري المكثف لميليشيا الأسد وإيران إلا أن المنطقة الممتدة من بادية حمص حتى دير الزور، تشهد نشاطا مكثفاً لتنظيم “داعش” حيث شن أكثر من أربعين هجوماً ضمن بادية حمص، أسفرت عن مقتل المئات من هذه الميليشيات. كما عززت موسكو حضورها العسكري في المنطقة لحماية قوافل النفط، وتأمين سلامة دورياتها من هجمات “داعش”؛ التي يبدو أن نشاطها المكثف له علاقة بالصراع الروسي الإيراني على هذه المنطقة. والذي يشهد تنافساً هو الأشد من نوعه بينهم على توسيع النفوذ والسيطرة في هذه المنطقة، وامتد هذا التنافس ليصل إلى مدينة القامشلي. فالإيرانيون يعملون لخلق أذرع محلية تنوب عنهم في المناطق التي يتواجدون فيها، وتحظى مدينتا البوكمال والميادين باهتمام خاص منهم معولين على نجاحهم في اجتذاب شباب تلك المناطق سياسياً وعقائدياً مستغلين فقرهم وعوزهم. بينما تعمل موسكو على توسيع نفوذها بدفع تعزيزات عسكرية واسعة الى شرق الفرات وتنظيم حملات تجنيد للشباب من مدنيين ومن فصائل المصالحة من مختلف المحافظات، وخصوصاً من اللاذقية والسويداء، بهدف زيادة حجم تواجدها مقابل الوجودين الأمريكي والإيراني، ولحماية حقول النفط التي تسيطر عليها في شرق دير الزور (حقلي “التيم” و”الورد”). ومن جانب اخر تسعى موسكو لاستمالة العشائر واستغلال سخطهم على انتهاكات قسد وسياساتها اتجاه أبناء المنطقة. حيث عقدت عدة اجتماعات معهم بهدف تشكيل ميليشيات خاصة بحجة مواجهه قسد وتحجيم نفوذها، للتغطية على مخططها للوصول الى مناطق إنتاج النفط لإنقاذ الأسد من انهياراته الاقتصادية والمالية.

ج- المنطقة الجنوبية: بعد أن أفشل النظام اتفاق التسوية والمصالحة في محافظه درعا، بإصراره على تصعيد حملات الاعتقال والاغتيال والتصفية الجسدية بحق عناصر التسويات والرافضين لها وقادة الفصائل السابقين، ومواصلة القمع والتنكيل واجراءات الانتقام بحق الاهالي؛ ومع الانتشار الواسع لميليشيات إيران وحزب الله والفرقة الرابعة والفصائل الموالية لروسيا، تحولت مدن الجنوب عموماً ودرعا خصوصاً الى بيئة تتسم بالفوضى والفلتان الأمني. فتجري عمليات اغتيال متكررة لعدد من الضباط والعناصر الامنية وبعض الشخصيات المدنية المرتبطة بأجهزة النظام. كما تشهد المحافظة صراعاً بين روسيا وإيران جنباً الى جنب مع تصاعد وتيرة الحراك الشعبي المؤيد للثورة احتجاجاً على القمع وتشديد القبضة الامنية، وتردي الاحوال المعيشية. وتسعى روسيا الى تهدئه الاوضاع في الجنوب السوري وإطلاق الوعود لتمرير مسرحية انتخابات الأسد التي قاطعتها كل مناطق درعا.

أما في محافظه السويداء: تزداد الاوضاع الأمنية فيها توتراً، على خلفية عمليات الخطف والاغتيالات ومحاصرة النظام، لشبابها الرافضين الالتحاق بالخدمة العسكرية، والملاحقين أمنياَ بسبب نشاطهم المدني والسياسي المعارض. حيث تمنع السلطات هؤلاء من أية إجراءات رسمية من بيع وشراء واستئجار وتراخيص عمل أو سفر إلا بموافقات أمنية. كما أن تدهور الأوضاع المعيشية، والغلاء الفاحش وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، أدت إلى حالةٍ من الاحتقان والنقمة والغضب الشعبي، التي اخذت تظهر تعبيراتها بوضوح في أحاديث الناس والكتابة على الجدران، وشتم الأسد علناً وتمزيق صوره، رافضين مهزلة الانتخابات الرئاسية. ولقد امتدت شرارة الغضب الشعبي إلى محافظة القنيطرة عبر استخدام العبوات الناسفة ضد ميليشيات الأسد، وقطع الطريق الرئيسي، وأدت هذه الحوادث إلى انقلاب النظام والروس على التسوية، وتهجير عشرات العوائل إلى الشمال السوري. 

٢- الأوضاع الاقتصادية والمعيشية: 

 لقد أصبحت سورية تتصدر قائمة الدول الاكثر فقراً في العالم، بعد عشر سنوات من حرب الابادة والتدمير التي أطلقتها عصابات الاسد وحلفاؤه ضد الشعب السوري، وما تولد عنها من كوارث ومآسٍ، وبعد أن انهارت قيمة العملة السورية في العام الماضي بنسبة 78%. وهي تواصل هبوطها مع بداية هذا العام، وبات متوسط دخل السوريين لا يتجاوز 15 دولاراً شهرياً. وأصبحت الأزمة الاجتماعية أشد فتكاً بحياة السوريين بعد أن تفجرت الأزمات مجتمعة، وصارت تغذي بعضها بعضاً، من أزمة الرغيف والوقود والكهرباء والغاز، الى ارتفاع جديد في أسعار السلع والخدمات بنسبه أكثر من 50%. ولقد أدى انقطاع المشتقات النفطية الى شلل شبه كامل في النقل والمواصلات. لقد باتت الحالة الاقتصادية والمعيشية المنهارة في سورية معلومة بكل تفاصيلها للجميع، لكننا نود التأكيد على النقاط التالية:

أ- رغم اقتراب الاوضاع المعيشية من حافة المجاعة الحقيقية ومن شفير الانفجار الاجتماعي بسبب الفقر والجوع والغلاء وانعدام الأمن وفقدان مقومات الحياة البسيطة، وافلاس النظام واقتصاده المهدور على الحرب والفساد، ورغم تحذيرات التقارير الدولية من اقترابنا من حافه الانهيار الشامل، فإن النظام ومافياته لا يكترثون بما يعانيه السوريون من كوارث معيشية وإنسانية، ولا يعترف بمسؤوليته عن إيصال البلاد إلى مثلِ هذه الاوضاع المأساوية، فهو مشغول بتجميل وجهه القبيح، والاحتفال بمسرحيته الهزلية المسماة “انتخابات رئاسية” والتي تبقيه على رأس السلطة والانفراد بالحكم والتحكم بسورية ورقاب مواطنيها، وينحصر اهتمامه أيضاً بالإعلان عن وهم انتصاره على الشعب السوري وعلى السوريين الخضوع لسلطته مهما ساء حال البلاد والعباد. كما يسعى لتأمين احتياجات ميليشياته وأجهزته القمعية، عبر السطو على ممتلكات التجار والصناعيين وأموالهم، ومواصلة امتصاص دماء الشعب بأية وسيلة. 

ب- تواصل مافيات الاسد وضع يدها على ما تبقى من مقدرات البلاد من الخضار والفواكه والبيض ومشتقات الألبان، وتصديرها الى روسيا وغيرها، بعد أن تم استبعاد التجار عنها لإبقائها مفرخه للفساد، وهو ما يفسر بقاء الأسعار مرتفعة حتى في حال تحسن سعر صرف الليرة السورية.  وفي الواقع تتعرض البلاد من قبل النظام ومافياته وحلفائه لعملية نهب ممنهج ومنظم.

ج- منذ أوائل نيسان طغت ازمة المحروقات من جديد، مما تسبب بشلل في عموم البلاد، بالتزامن مع رفع أسعار المازوت والبنزين والغاز بزيادة جديدة تتجاوز الـ 50%، مما دفع النظام إلى تعطيل المدارس والجامعات، والتوقف الجزئي لعمل عدد من الإدارات والوزارات. دفعت مؤشرات هذا الانهيار الوشيك حلفاء النظام، للبحث في إيجاد مخرج ينتشله من الوقوع في المحظور، فتشكلت غرفة مشتركة بين النظام والروس والإيرانيين لمنع انهياره، وتأمين احتياجاته من النفط الإيراني والقمح الروسي. ويدخل في هذا السياق الدعم الإماراتي للأسد. 

د-رغم الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، والافلاس النقدي لخزينة الدولة. ماتزال هناك كوابح سياسية دولية تتحكم بمستوى انهيار العملة السورية، وبالتالي بدرجة بعده أو قربه من الانهيار الشامل. وطالما أن اسقاط النظام هو قرار مؤجل دولياً، فتتعمد القوى الخارجية المتحكمة في مصيره لإنعاشه موضعياً للحيلولة دون سقوطه المفاجئ، فالتحكم في سعر صرف الليرة السورية يتم بقرارات سياسية يصدر معظمها من خارج البلاد، وهو ما يفسر التحسن المفاجئ لسعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، طالما أن هذا التحسن لم ينطلق من قوة اقتصادية تتعلق بزيادة الإنتاج والموارد، بل هو ناتج عن ضخ كتلة من الدولارات في السوق السورية يمكن من خلالها إعادة التوازن بين العرض والطلب. أما الجديد اليوم، فهو تلقي النظام دعماً نقدياً من بعض دول الخليج والتي لعبت روسيا دوراً في إقناع هذه الدول بالإفراج عن مليار دولار المجمدة في مصارف الخليج منذ عام ٢٠١١. والدافع الحقيقي لهذا التدخل السياسي المباشر كبح سعر الدولار وإطالة عمر النظام ومساعديه على تحقيق “إنجاز ما” يسبق انتخاباته، حيث يسعى النظام لتخفيض سعر الدولار ليصل إلى حدود سعر المصرف المركزي بعد رفعه إلى ٢٥٥١ ل.س، أن التحسن جاء بفعل سياسي، وأن هناك دوافع سياسية داخلية وخارجية لوضع الاقتصاد في خدمة السياسة، وتقديم “انجازات” امام الشعب من أجل بقائه في السلطة. ولهذه الأسباب، يبقى هذا التحسن هشاً ومؤقتاً لن يغير من حقيقة الواقع الاقتصادي المنهار. ويبدو أن واقع الأمور أقوى من محاولات القوى الخارجية الحليفة للنظام وها قد عادت الليرة السورية لتنهار من جديد.

3- في التطورات السياسية:

أ-منذ مطلع العام الحالي، يعمل المجتمع الدولي والعديد من منظمات المجتمع المدني حول العالم ومنظمات حقوق الانسان على إظهار الوجه الحقيقي للنظام وفضح جرائمه بحق السوريين، والتأكيد على ضرورة عدم السماح للإفلات من العقاب. ويحرز الملف الحقوقي والقضائي الدولي حول سوريا تقدماً لافتاً، إثر تواتر دعوات عدد من الدول الأوروبية، لمحاسبه نظام الأسد على خلفيه انتهاكاته الواسعة لاتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب وعلى استخدامه للسلاح الكيماوي. ومؤخرا أصدرت منظمات حقوقيه روسية تقريرا شاملا عن تورط موسكو في جرائم حرب في سوريا. كذلك أعلن رئيس الهيئة المستقلة للعدالة والمساءلة الدولية “ستيفن راب”، أن بحوزة لجنته من الأدلة على انتهاكات النظام وجرائمه ما يفوق ما حصلت عليه في مذابح يوغسلافيا والنازيين. كما أصدرت منظمه حظر السلاح الكيميائي تقريرها الاول والثاني في نيسان، تتهم فيهما نظام الاسد بشكل صريح باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين عشرات المرات. وتوثق الشبكة السورية لحقوق الانسان بشكل دوري هذه الجرائم، وأكدت في تقريرها الأخير، إلقاء النظام أكثر من 82 ألف برميل متفجر أودت بحياة 11 ألف مدني و92 هجوماً بالغازات السامه والمواد الحارقة.

كما أن الموقف الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي والحراك الأممي، رغم أهميته الكبيرة وانعكاساته الايجابية على الملف السوري، إلا أنه لا يكفي لوحده، مالم يُتبع بآليات ضغط جدي، لوضع الأزمة السورية على جدول أعمال الأطراف الدولية الفاعلة. وإذا كان مفتاح انفراجة الازمة السورية مرهوناً بالتوافق الأمريكي الروسي، فإن ما نشهده اليوم من تزايد حدة الصراع والتنافس بينهما حول ملفات كثيرة في العالم، يجعل من الحديث عن قرب نهاية الأزمة أمراً بعيد المنال، ولم يحن أوانه بعد، طالما بقي الملف السوري مرتبطاً بحل أزمات المنطقة ومنها الملف النووي الإيراني.

ب-على مدار سنوات الأزمة السورية العشر، شكَّلت البيئة الدولية والإقليمية على الدوام، حافزاً مغرياً لنظام الأسد وحلفائه للإمعان في حربهم على الشعب السوري. وشكل غياب الإرادة الدولية لحل هذه الأزمة، والإهمال إن لم نقل التواطؤ الدولي والخذلان الأممي لقضية هذا الشعب، القاع العميق لإطالة أمد الصراع واستمرار بقاء نظام الأسد. 

ج- في الذكرى العاشرة للثورة: عكست الاحتفالات بالذكرى العاشرة للثورة إصرار السوريين على الوفاء لقيم الثورة وأهدافها، في اسقاط نظام الاستبداد والتوحش والفساد وإقامة البديل الديمقراطي، وهذا ما أعطى زخماً نوعياً لمطالبات الثورة بالحرية والديمقراطية ومحاسبة عصاباته المجرمة، وبعث برسالةٍ للعالم أجمع على استمرارهم بالثورة وأحقية وعدالة أهدافها.  ودار في المناسبة، حراك سياسي ودبلوماسي دولي متعدد الوجوه والأطراف حول الوضع في سوريا، وكان لافتاً صدور مجموعة من البيانات الرسمية والتصريحات الغربية التي حملت موقفاً سياساً واضحاً وحازماً ضد نظام الأسد، وتؤكد جميعها على تمسكها بالقرار الدولي 2254 أساساً للحل السياسي في سوريا، كما تؤكد على محاسبة النظام وتحميل المسؤولية لداعميه من الروس والإيرانيين، وتتعهد بعدم التخلي عن الشعب السوري وقضيته. إلا أن هذه المواقف على أهميتها ما زالت في إطار الدعم المعنوي، ولم تتحول إلى فعل لردع ممارسات النظام وحلفائه، ولا إلى قوة دفع للعملية السياسية وفق القرارات الأممية.

د-قوى الثورة والمعارضة: لقد تردت أوضاع المؤسسات الرسمية للمعارضة ممثلة بالائتلاف، بسبب الخلافات وتناقضات بين المجموعات المشاركة فيه، المستندة إلى مواقف الدول وسياساتها. واحتدمت التصريحات المتناقضة والتراشق بالبيانات فيما بينهم، فبرزت الاستقالات والانسحابات في صفوفه أفقدته العديد من الشخصيات الوطنية والسياسية والثقافية الفاعلة. وجاءت موافقة الائتلاف بتهاون ظاهر على مخرجات سوتشي، وكذلك الدعوة لتشكيل “هيئة عليا للانتخابات” لتحوَّله وحكومته إلى منصة مثل باقي المنصات، يمثل أجندة ومصالح دول وليس مصالح الشعب السوري وثورته. انعكس ذلك بسرعة في الأوساط الشعبية وخاصة في المناطق المحررة. فوقع السوريون بحال من التبدد وانعدام الثقة. وبدأت تبرز أصوات وتحركات تندد بالائتلاف وتحمله مسؤولية هذا التهاون ونتائجه. فظهرت مجموعات عديدة على الأرض وعبر وسائل التواصل، تدعو لرفضه وإسقاطه، ودفعت للعمل على تجاوزه. فنشأ ” مؤتمر القوى الوطنية السورية ” الذي نجح عبر بيانات واجتماعات ونشاطات في إجبار الائتلاف على التراجع عن قرار بتشكيل هيئة الانتخابات وإلغائه. وهذا ما عزز القدرة وظهور مشاريع أخرى من أبرزها (الجبهة الوطنية – مجموعة سورية – اتحاد قوى الثورة – تجمع سورية المستقبل – وغيرها) غير أن هذه المشاريع لم تتبلور نهائياً، رغم أنها قطعت شوطاً كبيراً في تنظيم نفسها وإعداد الوثائق اللازمة. وتجري فيما بينها صلات وحوارات من أجل العمل المشترك والتوحد. وهناك مشاركون في أكثر من مشروع، لأن الأهداف مشتركة والوثائق متشابهة لدرجة التماثل بالرؤية الوطنية في مقاربة جميع الأمور، واعتماد الحل السياسي وفق القرارات الأممية، ومنع أي تهاون أو تنازل بشأن المرحلة الانتقالية وضرورتها ومهامها، ورفض مشاركة بشار وعصابته فيها، ورفض أي إجراءات ومشاريع قبل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، والمحافظة على استقلالية القرار الوطني. 

وجاءت الاحتفالات بالذكرى العاشرة للثورة لتعطي دفعاً كبيراً لهذه المشاريع وأهميتها وضرورتها. وانعكس ذلك حالة من الرفض للائتلاف وحكومته، وبرزت إلى العلن الجهود التي تدفع بهذه المشاريع إلى الأمام، مستندة إلى مجريات الواقع وضرورة الرد عليه. خاصة وأن السوريين يعلنون استمرار ثورتهم، ويثبتون قدرتهم على التضحية من أجلها حتى تحقيق أهدافها. لكن ليس لأحد أن يتجاهل الصعوبات القائمة على الطريق مثل (تحركات الدول بأجنداتها الخاصة واستهدافاتها – الحاجة إلى التمويل الوطني ومصادره – العصبوية الأيديولوجية والسياسية عند بعض للمكونات وغيرها) مما يهدد بتحول الظاهرة إلى دكاكين سياسية عابرة ومؤقتة، تماثل ظاهرة الفصائلية في الميدان العسكري. وهذا الخوف يفسر التردد في بلورة العمل ويؤخر الإعلان المنفرد. لكنه يعزز التوجه نحو التشبيك بين المشاريع الفاعلة والمتماثلة من أجل التعاون والتنسيق، تطلعاً نحو التوحد لإطلاق مشروع مشترك، تنغرس جذوره في الداخل، وتمتد في مخيمات اللجوء، وتطاول بلدان المهاجر والانتشار. يستند إلى البنية السياسية والثقافية والفكرية المتمسكة بالثورة وأهدافها. ويكون رداً على الواقع المرير والتحديات القائمة. ومحور الجهد الرئيسي والوحيد موجهاً للصراع مع عصابات الأسد وداعميه. 

هـ-كان قرار إجراء “انتخابات” رئاسية وما نتج عنها من تمديد لحكم الطاغية سبع سنوات أخرى، إمعاناً بقهر السوريين، وتحدياً لإرادة المجتمع الدولي، واستهتاراً معلناً بالقرارات مجلس الامن الدولي. إن خطوة الأسد هذه ومن ورائه روسيا وإيران هي بمثابة إقرار وتكريس لتقسيم سورية أرضاً وشعباً بين دول الاحتلال، كما أنه يوجه ضربة في الصميم لملايين المهجرين في الشتات، والنازحين في المخيمات باعتباره تأبيداً واستمراراً لتشردهم. أما بالنسبة لبقية السوريين الرازحين تحت سلطة مخابراته ومافياته، فهي تعني لهم استمرار الاستبداد والفساد والتوحش، بالإضافة إلى استمرار الفقر الجوع والمرض والإذلال اليومي بحثاً عن الحد الأدنى لبقائهم على قيد الحياة. 

لقد أراد الأسد وحلفائه توجيه رسالة توهم العالم بأنّه انتصر، فتصرّف كزعيم عصابة منتصر على الشعب السوري لصالح ” إخوته في الولاء والانتماء”. ومراهنة على استجرار الاعتراف بشرعيته من بوابة المصالح الدولية، متجاهلاً أنه تحول إلى واجهة سياسية لدول الاحتلال وورقة في صراعها مع الولايات المتحدة والغرب.

   إن قرار التجديد للأسد عبر انتخابات صورية، يضع المجتمع الدولي بكافة هيئاته على المحك، ولاسيما بعد صدور بيانات الإدانة وعدم الاعتراف بها من قبل القوى الدولية الفاعلة، التي تعتبر كل انتخابات بعد صدور قرار مجلس الأمن 2254 عام 2015 بلا شرعية، ما دامت تجري مخالفة لهذا القرار، وخارج عملية الانتقال السياسي، ومن دون إشراف ومراقبة من قبل المجتمع الدولي. وهذا يستدعي أن تسحب هيئة الأمم المتحدة الاعتراف الدولي بهذا النظام لأنه لم يعد شرعياً، أولاً بسبب المخالفة الصريحة للقرار /٢٢٥٤/، وثانياً لأن هذه الانتخابات لا تستوفي الشروط المطلوبة في ظل وجود مناطق نفوذ متصارعة للجيوش والمليشيات الأجنبية، وثالثاً لغياب نصف الشعب السوري عنها بين رافض ومهجر ونازح. فهل ستكون هذه الخطوة مناسبة لتطوير الموقف الدولي باتجاه نزع الشرعية عن هذا النظام المجرم؟! أم الاستمرار بمكافأته على إجرامه كما فعلت منظمة الصحة العالمية ولجنة تصفية الاستعمار.

                                                    ثانياً-مستجدات الوضع الإقليمي

  أول ما يثير الانتباه في جديد المشهد الإقليمي، ذلك الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي إزاء الوضع الراهن في الشرق الأوسط، الغارق بأزماته وصراعاته المأساوية المستعصية. والملفت هو تزامن هذا الاستنفار مع التقارب والانسجام الذي بدأ يظهر بين السياستين الأميركية والأوربية بعد تسلم بايدن رئاسة الإدارة الأميركية. فقد بدأنا نلمس ضغوطاً أوضح وأقوى من قبلهم لحل أزمات الإقليم المشتعلة. فيبدو أن هذه الدول بدأت ترى في هذه الأزمات والصراعات خطراً مباشراً عليها وعلى مصالحها وأمنها القومي. فتلمس هذا الخطر هو الذي أدى إلى أن نلمح في أفق الوضع الإقليمي بعض بقع الضوء وإرهاصات الحلول لعُقَدِ الصراعات الدائرة في العالم العربي.

   وما يثير الانتباه أيضاً في مستجدات الوضع الإقليمي، تلك المراجعات والتوجهات السياسية الجديدة لبعض دول الإقليم. فنرى أردوغان يحاول تسوية العلاقات شبه المقطوعة بين تركيا وكل من مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً. وتصريح ولي العهد السعودي: “نحن نرغب بالتفاوض مع الدولة الجارة إيران وإقامة العلاقات الطبيعية معها”، ثم اعتراف المملكة بمفاوضات تجري بين وفدين من البلدين في بغداد. وربما من أهم أسباب هذه التموضعات السياسية الجديدة لبعض دول الإقليم، تلاشي التناقضات التي نشأت في عهد ترامب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. ولقد اتفق كلا الطرفين على أولوية تسوية الملف النووي الإيراني كقضية رئيسية، وعلى الدبلوماسية كطريق أساس لحل مسائل الشرق الأوسط المشتعلة. فهنالك اعتقاد في الغرب بشقيه الأميركي والأوربي، أن التفاوض على حل قضايا المنطقة بالدبلوماسية النشطة يضعف أذرع إيران الميليشياوية فيها، وأوراقها التفاوضية في ملفها النووي والبالستي ومشروعها التوسعي. وبطبيعة الحال لا يمكن في سياق عرض الأسباب نسيان الظروف والضغوط الداخلية والاقتصادية والأمنية التي دفعت هذه الدول إلى إحداث مراجعات وتعديلات على سياساتها.

1- الوضع الليبي: لقد لعبت الجهود والضغوط الغربية المكثفة المستجدة، دوراً بارزاً في وضع القضية الليبية على طريق الحل. ولقد ساعد على ذلك دعوة أردوغان إلى تحسين علاقته مع مصر الجارة الأكبر والأهم لليبيا. كما ساعد أيضاً غياب اللاعب الإيراني عنها؛ وهذا ما دفع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة لأن تربطَ حل أزمات بلدان المشرق العربي بالتسوية مع إيران وملفها النووي. ويستمر الوضع الليبي في التحسن، وبات المطلب الرئيس والملح الآن بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية، انسحاب القوى الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وحل الميليشيات وتهيئة الأجواء للانتخابات الديموقراطية والنزيهة.    

2- الوضع اليمني: نرى في هذه الفترة جهداً دبلوماسياً غربياً مكثفاً لإنضاج تسوية للمسألة اليمنية، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول الإقليمية طرحت السعودية مبادرتها بوقف إطلاق النار والدخول في المفاوضات لحل الصراع اليمني. ولكن الحوثيين ومن خلفهم إيران كان ردهم على هذه المبادرة مزيداً من التصعيد العسكري. حيث تعتبر إيران الأوضاع المستعرة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق أوراقاً رابحة لا تريد أن تخسرها في مفاوضاتها مع الغرب حول الملف النووي والقضايا الأخرى. فضمن هذه الظروف يمكن تفسير بعض التغيير الذي طرأ على استراتيجية الولايات المتحدة تجاه قضايا المنطقة، فهي تكثف جهودها وضغوطها الدبلوماسية لتسوية القضايا الساخنة في المنطقة لتضعف أذرع إيران الإقليمية وأوراقها التفاوضية. 

3- الوضع اللبناني: في الوقت الذي يعاني لبنان من أزماته المالية والاقتصادية والمعاشية والكورونا المتفاقمة، نرى الانسداد السياسي فيه سيد الموقف، والمعركة حامية الوطيس بين عون، وسعد الحريري حول تشكيل الحكومة. فالأول يصر على حكومة محاصصة “تكنو سياسية” يكون له فيها الثلث المعطل لتأمين ترشيح صهره باسيل للرئاسة من بعده. ويدعمه في تعنته حليفه حزب الله الذي يلوح بعنجهية وعبر التهديد والوعيد بالحرب الأهلية. أما الحريري فيريدها حكومة إنقاذية غير سياسية، تحظى بتأييد ورضى الحراك الشعبي، وثقة الدول الغربية والخليجية التي يمكنها أن تقدم المعونات والأموال لانتشال لبنان من مستنقعه الراهن. ويحظى الحريري بدعم الأوروبيين ودول الخليج وبابا الفاتيكان والبطريرك الماروني، وتيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب وقوى سياسية أخرى. لقد أدى هذا الانسداد السياسي إلى استنفار دبلوماسي أوربي وأميركي وسعودي ومصري لتصعيد الضغوط بقوة على المسؤولين اللبنانيين من أجل الإسراع في تشكيل حكومة جديدة “قادرة على الإصلاح”. ويكمن خلف هذا الاستنفار تصاعد القلق الجدي لدى هذه الدول، من قرب انزلاق لبنان وبقوة نحو اهتزازات أمنية خطيرة. ويبدو أن ما يبذله وليد جنبلاط ونبيه بري من جهود من أجل البحث عن تسوية بين الطرفين لم تحصد أية نتائج. وفي الواقع لم يعد لبنان على حافة الانهيار وإنما في الانهيار ذاته وبدأت تتجلى فيه بقوة مظاهر الدولة الفاشلة، فبدأت تنهار وتضمحل مؤسساتها. وهنالك خوف من أن ينتهي الدومينو إلى مؤسسة الجيش اللبناني لتعم الفوضى ويصبح لبنان في مهب الريح. وكان الرد الفرنسي، عبر زيارة وزير الخارجية بعد أن وصل لبنان إلى ما هو عليه الآن، غاضباً ومهدداً، ومنذراً “السياسيين اللبنانيين المعطلين والفاسدين”، بمنعهم من دخول الأراضي الفرنسية كخطوة أولى. وأعقبتها المهمة الرسمية لممثل الاتحاد الأوروبي مؤخراً رافضاً كل أشكال التبرير والتهرب من المسؤولية ومحذراً من محاولات التعطيل “عون” ومن ورائه حزب الله تنفيذاً لتوجيهات طهران التي تستخدم لبنان اليوم كما تستخدم غيره أوراق ضغط رابحة في مفاوضاتها في جنيف، ومن المرجح أن تبقى هذه الساحة مادة للتجاذبات الدولية والإقليمية ومحطةً للتسويات المرهونة نتائجها بمصير هذه المفاوضات ومخرجاتها. 

4-الوضع الفلسطيني: لقد أعادت انتفاضة القدس الوحدة والتلاحم والمصير المشترك إلى صفوف الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. ولم تكن هذا الانتفاضة بمواجهة الطغيان الإسرائيلي وإجرامه فحسب، إنما أيضاً بمواجهة عوامل الانقسام والقهر والتواطؤ التي تلفُّ مناخاتها الأجواء الإقليمية والدولية والمحلية، وهي موجهةٌ أيضاً ضد الأنظمة العربية المهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل، وضد سياسات التنسيق الأمني ومخلفات “أوسلو”، ورفضاً للخضوع للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية. وضد فساد السلطة الفلسطينية وضد حماس التي حولت حياة أهل غزة إلى جحيم، وهي تحمِّل السلطة وحماس المسؤولية الكاملة عن حالة الانقسام والتنابذ وإبقاء الشعب الفلسطيني رهينة لمشروعيهما في الحفاظ على سلطتيهما، واستمرار تدفق المال عليهما. فهي بحمولتها وزخمها الثوري امتدادٌ لثورات الربيع العربي التي حملت طموحات التغيير بيد الشعب نحو رحاب الحرية والكرامة والعدالة.

  لقد وضعت انتفاضة القدس القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي، إلا أن قادة إمارة غزة وعلى رأسهم حماس وأخواتها، لم يجدوا في انتفاضة الشعب الفلسطيني سوى فرصة للاستثمار السياسي والأيديولوجي، ووضعها في خدمة الأجندة الإيرانية كأحد أوراق القوة في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة. فاسحين في المجال لإحلال غزة والقضية الفلسطينية برمتها كمنصة لإيران تضاف إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن.  

5-الوضع العراقي: رغم كل التحديات والصعوبات التي تواجهها الحكومة العراقية الحالية، لا تزال جهودها مستمرة لاستعادة سيادة العراق وإخراجه من براثن التدخل الإيراني. ولقد كان عنوان جهودها في هذه الفترة “توطيدَ علاقات العراق مع محيطه العربي، وتحقيق التوازن في سياساته الخارجية”. ولقد جاءت زيارة الكاظمي إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات لتشكل خطوة متقدمة ومؤثرة للدفاع عن استقلالية العراق وسيادته. ولقد أكد الكاظمي على ذلك عشية زيارته إلى الرياض قائلاً: “نقوم بزيارتنا للأشقاء في المملكة العربية السعودية، لنوطد علاقاتنا معهم على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وجرى التوقيع على خمس اتفاقيات بين الطرفين شملت القضايا الأمنية والمعابر الحدودية والنقل والمواصلات والطاقة والاستثمار والشؤون الثقافية والإعلامية وغيرها من المجالات. أما زيارته للإمارات فقد كانت ناجحة انتهت بتوقيع عقود استثمارات إماراتية كبيرة في العراق. ولاقت هاتان الزيارتان ترحيباً حاراً لدى العراقيين والسعوديين والإماراتيين والعرب عموماً. وساد شعور بأنهما جاءتا في الوقت المناسب، وفي مرحلة صعبة، تتطلب الكثير من التساند والتعاضد والتعاون وتمتين العلاقات بين العراق ومحيطه العربي على كل المستويات للدفاع عن أمن وعروبة المنطقة ودرء خطر التوسع الإيراني المستفحل فيها. ويبدو في الأفق إصرار أكبر من قبل الحكومة العراقية على إكمال السير على طريق إعادة السيادة وهيبة الدولة للعراق، ولو اقتضى الأمر التصدي للميليشيات والأذرع الإيرانية المسلحة في الداخل العراقي. والعراق مقبل على انتخابات نيابية بقانون جديد في الخريف القادم، وتبدو في الأفق تحالفات سياسية جديدة وإذا أتيح لهذه الانتخابات أن تجري بسلام فيمكن أن تنتج خارطة سياسية مختلفة عن الخارطة القائمة منذ 2003، وخاصة في الساحتين الشيعية والسنية.

6-الوضع الخليجي: تعيش دول الخليج بشكل عام هواجس الخطر القادم عليها من إيران، فلديها خوف من اقتراب طهران من امتلاكها للسلاح النووي، وتعاني المملكة العربية السعودية بشكل خاص من الأكلاف الباهظة للحرب الطويلة التي تخوضها في اليمن، المستمرة بفضل سلاح وأموال إيران ومستشاربها العسكريين، ومن هجمات الحوثيين المتواصلة على المدن السعودية. ولم تعد الدول الخليجية ضامنة تماما مواقف حليفها الأميركي، فذكرياتهم عن موقف باراك أوباما لا تزال عالقة في أذهانهم. لقد انعكست “حالة الخوف من الحصار” على سياسات دول الخليج، فقد بدأت تظهر أحيانا متفقة فيما بينها وأحياناً متناقضة، من الحرب اليمنية، والقضية الليبية، والعلاقات مع تركيا، والموقف من اتفاقيات السلام مع إسرائيل. وبدأت المملكة العربية السعودية تحت ضغط الحرب اليمنية تنسجم مع إعادة التموضع السياسي الجاري في المنطقة، فبدأت التفاوض مع إيران تحت عنوان” البحث عن طرق لتخفيف التوتر في المنطقة” وتدخل في هذا السياق أخبار عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية التركي إلى الرياض. 

                                        ثالثاً-المواقف الدولية من القضية السورية 

1-سياسة إدارة بايدن اتجاه الملف السوري 

  على ما يبدو أن الملف السوري لا يزال معلقا،ً ولم يدخل ضمن أولويات إدارة بايدن، حيث تحتل ملفاتها الداخلية الأولوية في الاقتصاد ومواجهة تداعيات كورونا. أما خارجيًّا، فينصب تركيزها على ترميم علاقات الولايات المتحدة مع أوربا وبقية حلفائها، والتصدي لصعود الصين ولجم روسيا التي تشاغب عليها في عدة ملفات. أما ملفات الشرق الأوسط، فيشكل البرنامج النووي الإيراني أولوية عند الإدارة الجديدة. وأن سياستها اتجاه الملف السوري هو الإبقاء على الوضع القائم، والتركيز على تقديم المساعدات الإنسانية ووصولها، وتخفيض مستوى العنف ووقف العمليات العسكرية، مع الاستمرار في محاربة داعش، واستنزاف أطراف الصراع وخاصة الروس ومنعهم من تحقيق أهدافهم. وكذلك الحفاظ على وجودها العسكري وتعزيزه في شمال شرق سوريا، ومنطقة التنف. هذا الوجود يمكنها من فرض تأثيرها كلاعب في مستقبل ترتيبات الوضع السوري، واستخدامه أيضاً كورقة ضغط على الروس والنظام للقبول بالحل السياسي وفقًا لقرار 2254. وأيضاً لعرقلة محاولات إيران بسط سيطرتها على طريق الهلال الشيعي الذي يسهل عبور السلاح والمقاتلين بين سوريا والعراق ولبنان. كما يهدف كذلك إلى منع روسيا ونظام الأسد من السيطرة على الحقول النفطية في محافظتيْ الحسكة ودير الزور.

  كما تؤكد الإبقاء على سياسية فرض العقوبات على أركان نظام الأسد وداعميه تطبيقًا لـ قانون قيصر، وتهدف هذه الإجراءات إلى قطع الطريق أمام التطبيع مع النظام قبل الوصول إلى الحل السياسي. كما كررت إدارة بايدن وصف نظام الأسد بغير الشرعي، وعدم اعترافها بالانتخابات والتجديد لرأس النظام، لأتها مخالفة للقرار مجلس الأمن 2254، ومنع أي جهة من التسويق لشرعيتها. وهذا ما قاله بايدن لبوتين في قمة جنيف: ” الأسد خسر ثقة العالم، وفي طليعته الولايات المتحدة، وأن لا واشنطن ولا أي من عواصم العالم مستعدة أن تتعامل مع رئيس قصف مواطنيه بأسلحة كيماوية” وأن التعامل معه “لم يعد جائزاً أخلاقيا”.  كما أعطت الضوء الأخضر لفتح ملفات النظام الإجرامية واستخدامه للسلاح الكيماوي، وتفعيل مبدأ محاسبة مجرمي الحرب. وخير دليل على ذلك هو الوثائق التي تم تسريبها مؤخراً عبر وسائل الإعلام الأمريكية، وتتهم رأس النظام باتخاذ القرار في ملف الإعدامات الجماعية والقتل تحت التعذيب.

كما ستعمل إدارة بايدن في تنشيط الدبلوماسية التي هي في “صلب سياستنا”. ولكن حتى الآن ليس واضحًا كيف سيترجم تحركها الدبلوماسي على أرض الواقع في الملف السوري، وهل هي جادة في ذلك؟ “فاللجنة الدستورية”، لم تنجح في إطلاق مفاوضات جدية حول “الدستور” بسبب عرقلة النظام ودعميه لعملها. كما أن الأسد أجرى انتخابات صورية وأعاد انتخاب نفسه. وهذا يعكس استمرار الجمود السياسي وتأجيل تقديم حلول ملموسة لمأساة الشعب السوري. 

كما يشكل الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة محركاً للسياسة الأميركية تجاه الملف السوري. كون هذا الوجود يشكل تهديداً لأمن إسرائيل وحلفائها في المنطقة، حيث تسعى إيران إلى تقوية أوراقها، في الملف السوري عسكرياً واقتصادياً ومجتمعياً. ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن تتأثر سياسة بايدن في سوريا، بدرجة أو بأخرى، بالمفاوضات مع إيران حول ملفها النووي. 

2-الموقف الروسي في الملف السوري:

  رغم كثرة الحديث مؤخراً عن تغيرات في الموقف الروسي، إلا أنه لا يحمل جديداً سوى المزيد من المناورات للخروج من حالة الاستعصاء السياسي الذي تواجهه موسكو في الملف السوري، بعد أن فشلت بمقايضة الأسد بأي من ملفاتها العالقة مع الغرب، حيث ينحصر اهتمامها اليوم بالتمسك بالأسد وتوفير الغطاء الشرعي لانتخاباته وإعادة تسويقه دولياً رئيساً على سورية. كما حصل مؤخراً في قمة بوتين-بايدن، حيث عرض الأول على بادين مزايا وفوائد انفتاح الولايات المتحدة على الأسد ونظامه في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية. كما تضغط موسكو لتأمين غطاء عربي لعودة النظام إلى جامعة الدول العربية وتقديم الدعم الاقتصادي له مقابل وعود خُلبية بالحل السياسي وتخفيف الهيمنة الإيرانية على سوريا.  فموسكو تعاني أزمة مالية واقتصادية وهي بالتالي لا تستطيع منع انهيار الاقتصاد السوري، كما أنها تعلم أن الرهان على حلٍّ سياسي في سوريا وإعمارها مستحيل من دون توافق مع الأمريكان والأوروبيين. لذا توحي أنها تحاول إعادة الملف السوري إلى المسار الدبلوماسي والتفاوض للخروج من المستنقع الذي بدأت تغرق فيه، لكن التحركات الروسية تحمل مسارات متعددة، وتخاطب كل الأطراف، وقد يكون لأهداف متعددة، لا تقتصر على سوريا وحدها. كما أن فكرتها المعلنة عن إمكانية إجراء   انتخابات رئاسية مبكرة قد تكون رسالة إلى الولايات المتحدة تقول: نحن جاهزون للمقايضة على الأسد. وهي رسالة روسية إلى إيران وحزب الله لتخفيف نفوذهما وممارستهما في سوريا والتي أصبحت مستفزة ليس للشعب السوري فحسب؛ بل لإسرائيل والروس والغرب عموماً. 

  ولكن يظل الأسد والإيرانيون العائق الأكبر أمام إقامة تسوية سياسية حقيقية تؤدي إلى حل سياسي تنهي مأساة شعبنا. فالمهم بالنسبة للأسد البقاء على رأس السلطة والانفراد بالحكم. إضافة إلى أنه لا يمكن تخيُّل أن إدارة بوتين، المستبدة والفاسدة تسمح بقيام نظام ديمقراطي في سورية. فهي ما زالت تسعى لنسف القرار 2254، ليكون البديل عنه الحل الروسي. 

3-مواقف أوروبا من القضية السورية 

 منذ بداية هذا العام، كان هناك حراك سياسي ودبلوماسي أوروبي حول الأوضاع السورية، وكان لافتاً صدور مجموعة من البيانات الرسمية والتصريحات الغربية، في الذكرى العاشرة لثورة شعبنا، التي حملت مضموناً قوياً وحازماً ضد نظام الاسد، وكان بيان الاتحاد الأوروبي، إضافةً الى بيان أوروبي أمريكي مشترك، وتؤكد على تمسكهم بالقرار الدولي 2254، كأساس للحل السياسي في سوريا، وبالتالي لا عودة للاجئين ولا إعادة الأعمار في سورية دون تنفيذ هذا القرار. كما أكدت رفضها المطلق لمهزلة انتخابات الأسد ونتائجها، والتوعد بمحاسبته، وتحميل المسؤولية لداعميه من الروس وإيران، والتعهد بعدم التخلي عن الشعب السوري وقضيته، ولعل الموقف الأبرز والأهم في هذا الإطار، البيان الذي صدر عن وزراء خارجية 18 دولة اوروبية، والذي حمل موقفاً سياسياً واضحاً وحازماً تجاه جرائم الاسد، وضرورة محاسبة الدول والكيانات التي تدعمه. تشكل هذا المواقف دعماً معنوياً للشعب السوري، ونأمل أن تترجم إلى أفعال حقيقية تساعد السوريين على الخلاص من نظام الإبادة والتوحش الأسدي وفتح آفاق المستقبل أمامهم. 

دمشق أواخر حزيران 2021 

                                                                                        اللجنة المركزية                                                                                  

                                                                   لحزب الشعب الديمقراطي السوري