رســــــــــــالة سيــــــــاسيــــــة ــ-

                                               الوضع الدولي 

1-مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تعكس تفاعلاتها على أنها حرب شبه عالمية، إذ تشارك فيها أطراف دولية سواء بشكل مباشر مثل روسيا الاتحادية أو عن طريق الحرب بالوكالة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا. فبعد مرور عام وعشرة أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يحسم أي طرف الحرب لمصلحته، لتدخل المنطقة في حرب استنزاف لا تعرف نهايتها. فموسكو التي اعتادت على الحروب الخاطفة في كل من جورجيا وشبه جزيرة القرم، تخوض الآن حرب استنزاف في أوكرانيا، واضطرت إلى تقليص طموحاتها، بينما لم تتمكن أوكرانيا المدعومة من حلف “ناتو” من استعادة كامل أراضيها، لكنها حققت بعض الانتصارات بفضل الأسلحة النوعية التي حصلت عليها. وأن تداعيــات هذه الحــرب، التي لــم تقتصــر علــى طرفيهــا الرئيســيين، بعــد أن امتــدت لتؤثــر ًعلــى المنطقة والعالــم بأســره، فــي مجــالات مختلفــة، مــن الأمن الأوروبي والطاقــة والتجارة والاقتصاد العالمي وانتهــاء بالأمــن الغذائــي. كما أخذت تؤثر على النظام الدولي القائم، وترتفع الأصوات لتغيره من الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، حيث ظهرت الاصطفافات السياسية والاقتصادية مثل مجموعة البريكس لتشكل بداية نحو إعادة تشكيل النظام الدولي. لكن تبقى هذه الأصوات مرهونة بنهاية هذه الحرب والمنتصر فيها. 

 2-تطور تأثيرات الحرب الأوكرانية على الشرق الأوسط والقضية السورية.

  لم تقتصر تأثيرات هذه الحرب على علاقات روسيا بالغرب، بل طالت مناطق أخرى من العالم كالشرق الأوسط، وأعادت تشكيل الجغرافيا السياسية فيه. فإن الصراع شكّل فرصة لقوى فاعلة فيه كتركيا ودول الخليج من أجل تعزيز حضورها الإقليمي، وتعظيم أهميتها في السياسات الدولية، وتنويع شراكاتها الخارجية، وتأكيد هامش الاستقلالية لديها في السياسات الخارجية والنفطية، في حين جلبت المشاكل لقوى أخرى كإيران وإسرائيل، كما أفسح المجال أمام الصين لزيادة دورها في الشرق الأوسط، وخلق ديناميكية جديدة في بعض القضايا الإقليمية البارزة.

  إن الأزمتين الأوكرانية والسورية لهما أبعاد دولية وإقليمية تعكسان نمطاً من الصراع الممتد والمفتوح على كل الاحتمالات، فإن تطورات الانخراط الروسي في الحرب ضد أوكرانيا، قد ألقت بتأثيرات واضحة على الأزمة السورية. لقد تنامى الدور الروسي في الشرق الأوسط منذ تدخلها العسكري في سورية عام 2015، لكن حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية فرضتا عليها تحديات كبيرة للحفاظ على دورها في المنطقة، لا سيما سوريا. حيث تراجع وجودها العسكري فيها، وما شكله من فرصة لإيران لتعزيز حضورها السياسي العسكري والاقتصادي فيها، كما نلاحظ اضطراب العلاقات الروسية الإسرائيلية الذي يعمل بشكل متزايد على تقييد قدرة إسرائيل على مواصلة جهودها لاستهداف الوجود العسكري الإيراني في سورية. كما ظهرت محاولات للتطبيع مع نظام الأسد من قبل تركيا والدول العربية نتيجة لتنامي علاقاتها وشراكتها مع روسيا. لكن الأسد عرقل هذا التطبيع خوفاً من التأثير على بنية نظامه واستمراريته. 

بينما يرتكز اهتمام الإدارة الأميركية بالشرق الأوسط، على حماية أمن إسرائيل، والعمل على استكمال مسلسل التطبيع العربي معها لضمان تشكل شرق أوسط جديد يحقق مصالحها ومصالح إسرائيل، وكذلك على محاولة إنجاح صفقة مع إيران تعيق تقدم برنامجها النووي، وتركت معالجة القضايا الأخرى ووضعها على رف الملفات المؤجلة، ومن أهمها قضيتنا السورية. حيث لا تزال سياسة الإدارات الأميركية تدلل إلى ترك الأوضاع في سورية لمزيد من الإهمال والاستنقاع واستنزاف القوى المتصارعة فيها، وهذا ألحق ضرراً كبيراً بالسوريين وقضيتهم وبالمنطقة وحتى بأميركا ومصداقيتها. وهي تترك العنان للتفاعلات الإقليمية والسورية، وهذا ما نشاهده الآن بالحراك العسكري الأميركي الكبير وغير المسبوق في المنطقة مع بداية الحرب في غزة، مع تعزيز وجودها العسكري في سورية. 

                                                  المشهد في الساحة العربية الإقليمية

   ربما في المرحلة الراهنة لا توجد منطقة من العالم مزدحمة بقضاياها وأزماتها الشائكة المعقدة وحروبها التدميرية المزمنة مثلما هي حال منطقتننا العربية وعموم الشرق الأوسط. وهي الآن بعد حرب غزة على وشك أن تتحول إلى ساحة حرب إقليمية كبرى تأكل الأخضر والياس، وقودها شعوب المنطقة.

1-سورية التي يعاني شعبها من احتلال نظام الاستبداد والاستعباد والإفقار، يرزح الآن تحت خمسة احتلالات أخرى أطرافها إسرائيل وإيران ونظام بوتين في روسيا وأميركا وتركيا. وهنا قتامة اللوحة يجب ألا تنسينا انتفاضة الشعب في السويداء التي أحيت روح الثورة السورية السلمية بانطلاقتها قبل أن تقع بالتسليح والأسلمة والمؤثرات الخارجية. 

2-أما لبنان الذي قيل عنه سويسرا الشرق ومصرف المنطقة وجامعتها ومستشفاها فدولته الآن محتلة أيضاً من دويلة حزب الله التي يصنع قرارها بما فيه قرار السلم والحرب في طهران. وهو يعيش الآن بلا رئيس جمهورية وحكومة تصريف أعمال ومجلس نيابي مشلول لا يستطيع التشريع في ظل الفراغ السياسي. وينزح اللبنانيون في هذه الأيام من الجنوب إلى الشمال خوفاً من اتساع نطاق التراشق المسلح بين حزب الله وإسرائيل، المنضبط جيداً وفق قواعد اشتباكات واضحة وصارمة.

3-بالنسبة للأردن يعاني الملك ومنظومته السياسية من خيبة أمل شديدة من فشل التطبيع مع النظام السوري، وخاصة أنه لعب دورا بارزا فيه، وكانت النتيجة أن تهريب الكبتاكون وباقي المخدرات وإرسال المتفجرات والمسيرات قد ازداد بعد مؤتمر القمة. ويبدو أن الملك صار متيقناً من أن قرار أطراف جبهة الممانعة يصدر من طهران. ويعيش الأردن هاجس تطويق حدوده الشمالية من الإيرانيين. 

4-والعراق يعاني من انتقاص وتعد على سيادته من قبل الإيرانيين والميليشيات الموالية لهم ومن القصف التركي والإيراني على المنطقة الكردية في الشمال. ويلعب الانقسام الكردي بين السليمانية وأربيل دوراً بارزاً في هذا السياق. 

5-وكذلك دول الخليج بما فيها الإمارات العرابة الأولى للتطبيع مع نظام الأسد، انصدمت من موقف نظام الأسد الذي لم يتجاوب كما يجب مع مبادرتهم المجانبة. ويبدو أن حتى الاتفاق السعودي الإيراني لم يأت أكله كثيراً وهذا ينعكس في مواقف الحوثيين في اليمن أيضاً. 

6-في ليبيا لا يبدو أن عشرات اللقاءات والاتفاقات بين أطراف الصراع قد أتت أكلها حتى الآن. ويبدو أيضا أن الأجندات الخارجية الروسية والأميركية والغربية تلعب دوراً رئيسا في الاستنقاع الليبي. 

7-أما السودان فيدور فيه صراع ماراثوني على السلطة لا تعرف نهايته. ودخلت فيه أجندات خارجية مختلفة متصارعة على ثرواته، ويبدو أن بقاءه موحداً صار أقرب إلى الحلم. 

                                                          تطورات الملف السوري

1- انتفاضة السوريين في جبل العرب

  جاءَت انتفاضة السويداء في سياق دوليِّ وإقليمي مخيِّبٍ لآمال السوريين في الخروج من أزمتهم الطاحنة، بعد أن طوى المجتمع الدولي صفحتها، وأيضاً في أعقاب فشل المبادرة العربية وتنكُّر الأسد لأيٍّ من بنودها، وكذلك بسبب تزايد المخاوف من موجة تطبيعٍ عربيٍّ مجَّاني ينهي عزلته السياسية بعيداً عن جوهر الأزمة ومسبِّباتها. كلُّ ذلك في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية والكوارث المعيشية، وانعدام أي أُفقٍ لحلِّها.

  لقد كان لانتفاضة السوريين في جبل العرب صدى إيجابياً كبيراً، تردَّدَ صداه بقوة في الفضاءات الدولية والعربية والمحلية، بما حملَته من رسائل ودلالات، وبما تلقَّته من مؤازرات وحملات دعمٍ وتأييدٍ من محيطها، من أحرار سهل حوران وعشائر الجنوب، إلى السوريين في بلدان الانتشار ومظاهرات الشمال السوري مروراً بأصوات الساحل التي ارتفعت نصرةً لها، وبما أفرزته من حراك سياسيٍّ واعدٍ ومبشرٍ. فلقد عكست إلى حد بعيد واقع الشارع السوري المتأهب للانتفاض، والمتعطِّش لخلاص البلاد من حكم الطاغية وتسلُّط مافياته. لقد أنعشت آمال السوريين جميعاً بقرب خلاصهم، ووضعت قضيتهم الوطنية في صدارة المشهد السياسي، وأعادت إحياء ثورتهم بشعاراتها وأهدافها، مبرزةً للعالم وجهها السِّلمي والحضاري الناصع، ومستوى المشاركة الواسعة لنسائها وشبابها، وللدور الوطني الرائد للمؤسسة الدينية فيها. وكان من فضائلها أنها فضحت أكاذيبه ولسردية انتصاره المزعومة، ولتلطِّيه وراء ستار حماية الأقليات، وسلَّطت الضوء مجدداً على أهمية الحل السياسي للخروج من الأزمة، عبر المطالبة بإسقاط النظام، وتطبيق القرار الدولي \2254\، وضرورة تحقيق الانتقال السياسي في سوريا. 

 أما على المستوى الوطني، فكان لها الفضل أيضاً في تبديد أجواء اليأس والاستسلام، والحد من مظاهر الفرقة والتشرذم في حواضن الثورة، ولعبت دوراً مشرفاً في ردم الهوة التي صنعها النظام بين أبناء الشعب الواحد، وترميم ما تصدَّع من علاقات الأخوة بين السويداء ومحيطها، وإعادة الاعتبار لوحدة الشعب السوري بكل مكوِّناته وتحطيم الحواجز التي كرِّسها الاستبداد وتوجيه ضربةٍ قاضية لفكرة تحالف الأقليات ولأطرافها. وهي إذ تواصل اليوم فعَّالياتها بمزيد من التّنوِّع والزخم الشعبي، بعد أكثر من مائة يوم على انطلاقتها تشهد ساحة الكرامة حيث التجمع المركزي، بالإضافة للفعاليات المسائية في مختلف القرى والبلدات، مستويات متزايدة من المشاركة المجتمعية من أوساط المحامين والمهندسين والمعلِّمين والأدباء ورجال الدين وأبناء العشائر والصحفيين إلى جانب الفعاليات الاقتصادية، وسط إجماع شعبي كبير بأن لا تراجع عن هذه الانتفاضة حتى تحقيق أهدافها في إسقاط النظام وانتقال البلاد من الاستبداد إلى رحاب الحريّة والديمقراطية.

 لئن نجحت هذه الانتفاضة في قرع جرس الإنذار أمام النخب السياسية وأحزابها وتيَّاراتها لضرورة تحمُّل مسؤولياتهم الوطنية في توحيد كلمة السوريين وحشد طاقاتهم لملاقاتها في منتصف الطريق، وحمل الراية الوطنية تلبية لتطلعات الشعب السوري ومطالبه المحقة. كما أنها فتحت الباب واسعاً لحوار وطني جاد ومسؤول عن سبل استمراريتها وصمودها، في ظل التحديات والمخاطر التي تَتَهدَّدُها، وآخرها ما كشفت عنه أوكار حزب البعث التي اقتحمها الأهالي وعثروا بداخلها على أرشيف التقارير الكيدية بحقِّ أبناءها، وتلك التي تكشف تحالفات النظام وخططه الإجرامية، ومخازن السلاح والقذائف المعدّة لتوجيهها نحو صدور المدنيين العزَّل. إلا أن ذلك لا يعفي رجالاتها من ضرورة الاستعداد لمواجهة التحدّي الأكبر في إدارة وتنظيم شؤون المحافظة، والمخاطر المحتملة التي يحملها النظام. 

2-في أوضاع النظام ومآلاتها:

 أ-لا شك أن الانهيار الاقتصادي والمالي في ظل استمرار العقوبات التي تمنع إعادة تأهيل الأسد، قد أصبحتا من الثوابت الملازمة لحياة نظامه. فعائدات تجارة الكبتاغون وجبايات المكتب السرِّي على ضخامتهما قد تتكفلان بتمويل مافياته وتوفير الموارد لمخابراته وبعض ميليشياته، إلا أنهما لا تستطيعان تمويل استقرار دولة وتلبية احتياجاتها وتثبيت سلطته عليها، بعد أن تعطَّل اقتصادها ونضبت مواردها. ليصبح السؤال الكبير: إلى متى يمكن لسلطة أن تبسط سيطرتها على شبه دولة تعاني مثل هذه الأوضاع؟!.

ب- لا يمكن عزل التطورات التي آلَ إليها الأسد اليوم عن عاملين رئيسيين: الأول في حقيقة التهالك البنيوي المتصاعد الذي أصاب النظام على جميع المستويات، بعد أن أوصل البلد إلى الدمار، وتسبب في تبديد وتدمير اقتصاده وهدر موارده. والثاني: فهو في تحوِّل موقف حلفائه الروس والإيرانيين، من مرحلة الداعم والمموِّل لسدِّ احتياجاته خشيةَ انهياره، إلى مرحلة استنزاف كل موارد البلاد والتنافس على الفوز بها. 

ج- على مدى أكثر من عقد من السنين، قدَّمت إيران وروسيا ما يلزم لضمان عدم انهياره وإعادة تعويمه، لكنَّ الفشلَ كان لهما بالمرصاد، وبقي ما يقارب من نصف الأراضي السورية مع الجنوب السوري خارج سيطرته، واصطدمت محاولاتهما لاستعادتها بحقائق الصراع الدولي والإقليمي، الأمر الذي جعلها بعيدةَ المنال عن هيمنته مما حوَّل نظام الأسد إلى ورقة يتلاعبان بها، دون أن يتركا له هامشاً للقرار. كحصيلة لهذا المآل، فإن نظام الأسد الذي تمكَّن من البقاء في السلطة بفضل قوة العسكرية الروسية والإيرانية، قد أصبح اليوم رهين المحْبَسَيْن في ظل التطورات المتسارعة واحتدام الصراع الدولي والإقليمي. وسيكشف المستقبل نتائج هذا البازار الكبير فيما إذا كان بقاء الأسد يشكِّل حاجة إسرائيلية وأمريكية، أم أنه مازال صنيعة لتقاطع المصالح الروسية والإيرانية فحسب.

ه-بعد ظهور النتائج السلبية لمحاولات التطبيع العربي مع الأسد، اكتشف الجميع بمن فيهم الحريصون على إنقاذه وإعادة تأهيله، بأنه عاجز عن تقديم ما يلزم، فهو ضد إعادة اللاجئين سعياً وراء المجتمع المتجانس، ومخطط التغيير الديمغرافي الناجز، ولم يوقف تدفق الكبتاكون والمخدرات إلى الدول العربية، وضد تقديم أي تنازل سياسي لحلِّ الأزمة، وكل ما يريده هو الحصول على الأموال التي تستطيع إدارة عجلة اقتصاده وبسط سيطرته على ما تبقى من البلاد. فتبخّرت أحلامه في التدفقات المالية العربية، وفشل رهانه على إنهاء عزلته السياسية، وكسر حلقة العقوبات التي تلاحقه. وهاهي إيران تضغط اليوم من أجل تسديد ديونه لها عبرَ الإجهاز على ما تبقى بين يديه من أصول وموارد. 

و-مثَّل الهجوم القاتل المشترك الذي شنَّه النظام وروسيا وإيران على نحو ثلاثين بلدة وقرية في الشمال السوري، في إدلب وحلب وأريافها، بالتزامن مع حملة قصف وتدمير تركي لمناطق قسد على الأراضي السورية. مثَّل ذلك الهجوم تقاطعاً لأهداف ودوافع مشتركة من قبل أطراف استانة ضد المناطق السورية. فإذا كان هدف إيران إشعال الحرائق في كل مكان رداً على استهدافها، فأن روسيا أرادت أن توجِّه رسالة لتأكيد حضورها العسكري في سوريا، ورداً مواقف تركيا التي رفضت الخضوع لإملاءات بوتين للتطبيع مع الأسد، أما النظام فقد أراد إيهام الجميع للتغطية على جريمته، خاصة أمام حاضنته بعد ضحايا مجزرة الكلية الحربية بأنه مازال مستهدفاً ولديه فعاليته. 

                               واقع اللجوء السوري، وحملة الكراهية على اللاجئين السويين

ــ أسباب اللجوء: لم تكن الثورة السورية سبباً في دفع الناس الى ترك أراضيهم وبيوتهم وأعمالهم وارزاقهم، والهرب خارج البلاد او النزوح في الداخل، بل كانت نتيجة للعنف العاري الذي مارسه النظام وحلفاؤه على الشعب الثائر، من حصار وتجويع وقصف مدمر بكل صنوف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، ما دفع الناس إلى الهرب واللجوء إلى الخارج، للحفاظ على حياتهم وتأمين سبل العيش الآمن لهم ولأولادهم. 

  أما النظام وحليفه الإيراني فقد وجدا أن ما يجري في البلاد فرصة لخلق واقع جديد على الصعيد السكاني، أي القيام بسياسية ممنهجة لتغيير ديمغرافي، يستهدف فئة من المجتمع السوري والفئات المعارضة، حيث التركيز العنيف في القصف والتدمير للأبنية والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات، إضافة للحصار القاتل على المدن والمناطق التي يشكل أبناء المذهب السني غالبية سكانها، ودفعهم لترك اراضيهم وبيوتهم والهجرة بدون امل بالعودة. وبتنا نسمع مصطلح سوريا المفيدة، والمجتمع المتجانس على لسان رأس النظام.

-لقد تباينت طرق التعاطي مع قضية اللجوء من دولة الى أخرى حسب إمكانيات كل دولة، المادية ونظامها السياسي وتركيبتها الاجتماعية، وحجم اللجوء فيها ومدى تأثيره في الوضع العام ونجاحه من عدمه بتنظيمه، وطرق استيعابه والاستفادة منه. فالدول الاوربية، رغم صعود موجات اليمين المتطرف وتصاعد الخطاب القومي المعادي للاجئين، استطاعت ان ترسم سياسة استيعاب ودمج لأعداد كبيرة من اللاجئين الذين استقبلتهم، وخاصة المانيا التي احتضنت أكثر من مليون لاجئ، كذلك أيضاً قي الدول الاسكندنافية وكندا.

 ــأما في تركيا التي يتواجد فيها ما يقارب أربعة مليون لاجئ، سوري فقد مرت القضية بثلاث مراحل مختلفة. مرحلة الترحيب وفتح المعابر وحرية الحركة في ارجاء تركيا والسماح لهم بالعمل، كما استضافة أيضاً نشاط المعارضة السورية، الى مرحلة اغلاق المعابر والتضيق على الحركة، واعادت فرض الفيزا عليهم، وحتى القادمين إليها من أوربا، وفي المرحلة الأخيرة وخاصة في الشهور التي سبقت الانتخابات، وإلى الان نرى زيادة واضحة في الخطاب المعادي للاجئين السوريين وظهور اعمال عنف وقتل وابعاد قسري إلى خارج الحدود، وتحولت ورقة اللجوء السوري إلى ورقة في اللعبة السياسية والانتخابية، مع العلم ان تركيا قد حصلت في السنوات الماضية على الكثير من الأموال من الاتحاد الأوربي مقابل منع تدفق اللاجئين إليها، بطرق الضغط والابتزاز واستثمرت كثيرا في قضيتهم.

ــ أما في الأردن التي يتواجد فيها ما يقارب ثلاثة مليون لاجئ سوري. وهي دولة متعثرة اقتصادياً ومعتمدة لدرجة كبيرة على المساعدات الخارجية، ويعاني من أزمات سياسية واجتماعية معقدة، الا أنه تعامل مع قضية اللجوء السوري وبمساعدة المنظمات الدولية، بطريقة مقبولة نسبيا. من خلال إقامة المخيمات وتنظيمها. ويسعى الأردن عبر الدبلوماسية، وتقديم التنازلات لنظام الأسد، الا أن محاولاته بات بالفشل لتحسين العلاقة معه.

-أما في لبنان حيث يتواجد ما يقارب المليونين لاجئ سوري. حيث أن الانقسام العامودي في المجتمع اللبناني الطائفي والسياسي الحاد، وانهيار الاقتصاد وغياب الدولة وضعف مؤسساتها. جعلت مسألة التعامل مع اللجوء السوري منذ البداية غارقا في فوضى التناقضات والمواقف السياسية من القضية السورية. حيث أن “حزب الله” كان طرفا مساهماً وفاعلا مباشرا في عملية اللجوء السوري من خلال تدخله العسكري المباشر، الذي هجر، بمنتهى الوحشية، أهالي الكثير من المناطق والمدن السورية مثل القصير وقرى حمص والقلمون والزبداني وغيرها، ودفعهم دفعاً باتجاه الهجرة من بيوتهم وأراضيهم. وكانت هناك أطرافٌ متعاطفةٌ مع الثورة السورية، رحب في البداية باللاجئين، الا انه غير قادر على التعامل مع هذه المسألة عبر سياسة منظمة لتأمين وضع اللاجئين بشكل مناسب ضمن أجواء الانقسام القائم. هناك من اقترح إقامة مخيمات، وفي المقابل هناك من رفض الفكرة وحاربها بشدة، فترك الأمر بهذا الوضع الفوضوي، وتخلت الدولة عن مسؤوليتها. وتركت القضية للأشراف وتقديم المساعدات لمنظمات تابعة للأمم المتحدة. واليوم وبعد وصول الازمة السياسية والاقتصادية والمجتمعية الى الانهيار التام، نشهد وفي العديد من المناطق اللبنانية موجة من العداء السافر. وفي باقي الدول العربية كمصر والعراق حيث يوجد ما يقارب المليون لاجئ سوري تعتبر أوضاعهم مقبولة نسبياً.      

أمام هذا الواقع المؤلم والصعب الذي يعيشه اللاجئ السوري وانغلاق أي أمل له في العودة الكريمة الى وطنه، والعيش بقلق دائم على مصيره ومصير أبنائه من أي تطورات سياسية او امنية أو قرارات جائرة تصدر بحق اللاجئين في هذه الدولة او تلك تجعل منه موضوع تهجير جديد أو وقودا لصراعات ليس له فيها ناقة او جمل.

وتبقى قضية اللاجئين والمهجرين والنازحين السوريين، قضية وطنية وأممية لا يمكن حللها وعودتهم إلى وطنهم، إلا برحيل نظام الإبادة والتوحش الأسدي عن سورية، وفتح مستقبل جديد للسوريين عبر نظام وطني ديمقراطي قائم على المواطنة ودولة القانون وتعدد الثقافات.  

                                                    في تطورات العمل الوطني وآفاقه

  كشفت الحالة المزرية التي تلفُّ مؤسسات المعارضة الرسمية من (ائتلاف، وهيئة تفاوض، وحكومة مؤقته) ما تعانيه من هزالة وتهافت، إن كان من حيث بنيتها أو علاقاتها أو أدوارها، عن عطب بنيوي غير قابل للإصلاح، فحالة الرفض الشعبي الصارخ والعزلة الشعبية، وانعدام الثقة وفقدان الوزن لم تكن سوى نتيجة طبيعية لحالة التهاون والتفريط والفساد وسوء الإدارة، الأمر الذي حوَّلها إلى مجرد منصات إعلامية وسياسية للدول المضيفة. كما تنشط في ساحة العمل الوطني منذ أعوام، العشرات من محاولات ومشاريع لبناء الجسم السياسي، بعضها فشل يوم مولده، وبعضها مات سريرياً دون ضجيج، وبعضها يستمر إعلامياً وإعلانياً لا غير. وبعضها يكافح من أجل الاستمرار، ما تزال في حالة حراك دون نتائج ملموسة (المبادرة الوطنية، مؤتمر القوى الوطنية …)، ويكاد التماثل في المشاريع والأهداف والبرامج يصل حد التطابق، مثل توافق الجميع على الحل السياسي المعتمد في القرارات الأممية، وخاصة القرار 2254 ومندرجاته. لكن الخلافات تدور حول مهام المستقبل، دون ملامسة المهام الراهنة بجدية وكذلك الأدوار الفردية والفئوية بارزة سلباً وايجاباً في جميع المحاولات والمشاريع. هذا الواقع المؤلم ما زال يؤشر نحو الثقب الأسود، وهو استمرار غياب مظلة سياسية جامعة تعكس إرادة السوريين، وحامل سياسي يعبر عن تطلعاتهم، ويتمسك بأهداف الثورة وينال ثقتهم، ويشكل رأياً عاماً وطنياً يلتفون حوله. ويستطيع الاستثمار في المتغيرات الدولية والإقليمية، لدرجة أن البعض اعتبرَ غيابه هو الوجه الآخر للتخلي والتواطؤ الدوليين.  

 

الحرب في غزة

  ما جاء في بيان الحزب والبلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية فيما يتعلق بالموضوع، حمل رؤيته وموقفه مما يجري في غزة ومن حولها ارتباطاً بالقضية الفلسطينية. ولأن تطورات القضية وتفاعلاتها تحمل أهميتها وخطورتها الخاصة، وتجري على الأرض وفي الميدان السياسي الدولي والإقليمي بتحولات ملحوظة وتسارع كبير، ما يبقيها رهن المتابعة الحثيثة لرصد تطورات الواقع واستشراف المتغيرات الممكنة وأبعادها بوضوح كامل. وستكون النتائج موضوع رسالة خاصة، وربما أكثر، لتغطية القضية وتطوراتها كما يجب. 

دمشق أواسط كانون الأول 2023 

                                                                                               اللجنة المركزية 

                                                                     لحزب الشعب الديمقراطي السوري