يعرف الجميع أن الاتحاد الروسي قام بدعم النظام السوري ومساندته في مواجهة شعبه منذ آذار 2011. قدم له الخبرات العسكرية والدعم اللوجستي ، وزوده بسخاء كبير بما يلزم من أدوات القتل والتدمير . كما كان ظهيراً له وحامياً في المحافل الدولية ، حيث كان المجتمع الدولي يفتح الملفات الجرمية للنظام ، والتي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا يرقى إليها الشك ، تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بوحشية مشهودة وغير مسبوقة ضد المظاهرات السلمية والشعب الأعزل . حتى أن روسيا الاتحادية أغلقت مجلس الأمن الدولي 16 مرة خدمة لنظام الأسد ، وحالت دون إصدار أي قرار إدانة للنظام أو إجراء يوقف المجازر المستمرة في جميع أنحاء البلاد لسنين طويلة دون توقف .

  وبدءاً من 30 أيلول 2015 صار للوجود الروسي في سورية شكل آخر ولأشكال الحماية والرعاية للنظام القاتل طعم مختلف. فهذا موعد الاحتلال الروسي المباشر عسكرياً ، حيث أرسل الروسي طائراته وبوارجه وجنرالاته لإنقاذ النظام ومنعه من السقوط . ووفق تصريحات لافروف نفسه ، لم يكن النظام ليستطيع الصمود  ” أسبوعين ” لولا قوات الاحتلال الروسي التي أنقذته .

  وخلال خمس سنوات على الأرض السورية وفي سمائها ومياهها الإقليمية قدم المحتل الروسي وجهاً معادياً للشعب السوري غير مسبوق، وسلوكاً منافياً لمنظومة القيم والقوانين الإنسانية. مستفيداً من اللامبالاة الدولية والعجز الأممي في حرية الفعل ، بل من الضوء الأخضر الذي تلقاه للدخول إلى الميدان كمحتل حر التصرف ومصادر لإرادة السوريين بمن فيهم بقايا النظام وعصاباته لحساب أجندته الخاصة . وقد شاهد العالم بأسره بالصوت والصورة ومرات عديدة الطريقة المذلة والمهينة التي عامل بها رأس النظام في عقر داره وكضيف على الأراضي الروسية.

  ملف الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية كبير،  فوفق التقرير السنوي الخامس لـ ” الشبكة السورية لحقوق الإنسان ” ارتكب الروس خلال السنوات الخمس الماضية 236 مجزرة بالذخائر العنقودية و125 مجزرة بالأسلحة الحارقة. وكانت نتيجة المقتلة الروسية المفتوحة ضد الشعب السوري وبكل أنواع الأسلحة ومنها المحرمة دولياً، وتم تشريد 4,5 مليون سوري. وكانت حصيلة الضحايا من السوريين الذين فقدوا حياتهم    ( وفق وزارة الدفاع الروسية ) 133 ألفاً 90% منهم من النساء والأطفال والشيوخ ، بينهم 2005 طفلاً و 969 سيدة . ولأن الهدف الأساسي للأعمال الحربية للنظام وحليفيه في طهران وموسكو هو ترحيل السكان وإجراء التغيير الديمغرافي ، فقد كانت التجمعات السكانية والمراكز الحيوية المدنية من مدارس ومشاف في مركز الاستهداف . فقد دمروا 207 من المنشآت الطبية ، وقتلوا 163 شخصاً من الكوادر الطبية . وقصفوا 222 مدرسة و120 سيارة إسعاف و110 مركزاً للدفاع المدني و173 مركزاً دينياً من الجوامع والكنائس . ولم يتركوا أي نوع من جرائم حرب موصوفة إلا واستخدموها.

  لم يفعل الاحتلال الروسي على الأرض السورية إلا ما يتقنه ولا يتقن غيره. وقد تفاخر الرئيس الروسي بصفاقة  قل نظيرها ، بأنهم جربوا بأعناق السوريين مئات الأنواع من الأسلحة واختبروا فعاليتها. ولم يفعلوا على الصعيدين السياسي والإنساني ما يستحق الذكر . رغم محاولاتهم التطاول على العملية السياسية وتشويهها عبر مسار أستانا – سوتشي سيء الذكر ومخرجاته . أما ثمن السخاء الروسي في وسائل القتل والتدمير والتهجير للسوريين ، فلم يكن كرمى لعيون بشار الأسد ونظامه . فقد استولى الروسي عبر عقود إذعان على جزء هام من مقدرات البلاد ومؤسساتها وخيراتها دون قيد أو شرط لعقود قادمة .

ولذلك حديث آخر . .