كأن السوريين لم يكفهم ما فعله بهم وبوطنهم – منذ تسع سنوات وحتى اليوم – القاتل بشار الأسد ونظامه، حتى يأتيهم القاتل الجديد فيروس كوفيد 19 الذي يجتاح العالم. ومن الطبيعي ألا تكون سورية، البلاد المستباحة اليوم، مستثناة من ويلات هذا الوباء الذي يرهب البشرية، ويحجز أكثر من نصف سكان الأرض في البيوت. فبعد طول صمت ونكران وتستر على وجود الفيروس من قبل العصابات الحاكمة في دمشق وسلطات الأمر الواقع والإدارات المحلية في المناطق الأخرى، بدأت تظهر للعلن وبالتدريج ومن مختلف المناطق الأنباء المكتومة والمدعومة بالصور والأرقام عن انتشار الفيروس وتزايد أعداد الضحايا يوماً بعد يوم، في ظل عجز النظام الصحي وانعدام استعدادات السلطات لمواجهته. فقد اكتفت (كالعادة) بتبرئة الذمة عبر التحذير المتأخر، واتخاذ الإجراءات الإعلامية والإعلانية، التي يتوجب على الناس القيام بها، دون أن تشير إلى واجباتها واستعداداتها اللازمة وإجراءاتها المتوجبة. تاركة ملايين السوريين تحت رحمة القاتل الجديد، ولسان حالها يقول: ما الذي يمكن أن يفعله هذا القاتل الصغير، أكثر مما فعله بالسوريين وبحياتهم وطناً وشعباً القاتل الكبير، نظام التسلط والفئوية والإجرام؟ !

قاتلان يستهدفان الضحية نفسها، حياة الناس الطبيعية وأرواح البشر. وكما كان النظام القاتل متفلتاً من القوانين والشرائع والمنظومات الأخلاقية والحقوقية والقرارات الأممية في تسلطه وأفعاله الجرمية ضد الشعب، يبدو كورونا – حتى اليوم – خارج حدود الضبط والربط والمعالجة الصحية عبر اللقاحات الطبية أو الاستطبابات الثابتة والموثوقة. وبالتالي متفلتاً على الأرض السورية وفي مختلف المواقع من أي موانع أو عوائق، تحد من انتشاره، وتحمي الناس من نتائجه المدمرة. حيث لا وجود للدولة ومؤسساتها الشرعية والفاعلة، وليس هناك أي حرص على حياة الناس المهدورة منذ زمن، يمكن أن يستولد جهوداً حقيقية مخلصة وفاعلة، تنقذ البلاد والعباد من مخاطر موت قادم. ليصح على السوريين اليوم ذلك المثل   ” موت وعصة قبر “، إذ لم يبق شكل من أشكال الموت لم يختبره السوريون على يد النظام. وهاهم اليوم يواجهون منفردين – وبرحمة الله وحده – عصة القبر.

يتساوى الفيروسان القاتلان (النظام وكورونا) في احتراف القتل الجماعي والبراعة فيه. فمن البراميل المتفجرة إلى القنابل العنقودية والنابالم إلى السلاح الكيماوي وغاز الخردل، التي اختبرها السوريون على يد النظام، يضاف اليوم الموت الجماعي بتهتك الرئتين والاختناق، التي يتقنها كورونا. ويتساوى القاتلان في العدد الكبير من الضحايا الذي يخلفانه، وفي عدم التفريق بين طفل وشيخ وامرأة. وكما حملت أسلحة العصابات والمليشيات الطائفية الموت الجماعي لأسر بكاملها، كذلك يفعل القاتل الجديد إذا استحكم بالأسر والأفراد والجماعات المتقاربة والمتساكنة.

يأتي هذا الوباء على السوريين (ضغثاً على إبالة) ليزيد من عزلتهم عن العالم وظروف استفراد النظام بهم وبمصيرهم. وفي ظل بقائهم منفردين في مواجهة ويلات النظام المتكاثرة، ووجودهم الفعلي دون حليف أو معين، المترافق مع انهيار اقتصادي وفوضى عارمة وهبوط في سعر صرف الليرة وفقدان لمقومات الحياة الطبيعية وضروراتها، التي نعم بها أجدادنا قبل قرن. كالبنى التحتية الكفوءة ووسائل العيش الضرورية من مسكن وأمن وغذاء ودواء، وقبل ذلك وبعده الدولة والحكومة الشرعية والمؤسسات المسؤولة. وكأن القاتل الصغير، جاء ليكمل مهام القاتل الكبير في الفتك بمن تبقى من الشعب السوري المتروك لمصيره.

فهل كان خال من الدلالة وغير ذي معنى هتاف السوريين منذ بداية الثورة ” يا الله ما لنا غيرك يا الله ” ؟!