بـــــلاغ!

  عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أواسط أيار 2022. ناقشت جدول أعمالها المتضمن قضايا سياسية وتنظيمية وتقارير خاصة عن عدد من القضايا، وبحثت أوضاع منظمات المهجر بعد عقد مؤتمرها. وأوضاع اللجنة المركزية، واتخذت بعض القرارات والإجراءات لتعزيز دورها في عمل الحزب والمهام المطروحة. كما ناقشت موضوع عقد المجلس الوطني والتحضير له بالتشاور مع منظمات الحزب في الداخل والمهجر. وتوقفت بعدها عند تطورات الوضع الداخلي والأزمات التي يعانيها المواطن نتيجة سياسات النظام التدميرية، وانعكاس ذلك على حياة الناس ومعيشتهم. كما ناقشت الأوضاع الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، وعرجت على مخططات الولايات المتحدة وتركيا اتجاه شمال شرقي البلاد، كما ناقشت تقررين الأول: عن أوضاع الجنوب السوري ومحافظة السويداء، والثاني عن أوضاع مناطق الساحل السوري. وتوقفت عند مجزرة التضامن التي ارتكبتها عصابات الأسد بحق عشرات المدنيين العزل، والتي تركت أصداء وردود فعل واسعة من قبل الرأي العام، وكشفت للعالم طبيعة نظام الأسد الإرهابية والفاشية. تقدم هذه المجزرة زخماً جديداً في تحريك ملف جرائم نظام الأسد أمام العدالة الدولية. أما “مرسوم العفو” الذي أصدره الأسد، فقد كان بمثابة قنبلة دخانية لحرف الانتباه عن مجزرة التضامن وامتصاص ردود الفعل الواسعة عليها. كما ناقشت أيضاً الحرب الروسية على أوكرانيا، والنشاطات الدولية والإقليمية في ظل عدم اهتمام إدارة بايدن بالملف السوري. وتطرقت إلى الوضع العربي والإقليمي لما لهما من انعكاسات على الواقع السوري وخلصت إلى العديد من النتائج نعرض بعضها فيما يلي:

1-جاء غزو روسيا لأوكرانيا، في ظل أوضاع دولية وإقليمية بالغة التعقيد، ليزيد احتدام صراعها مع الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي. حيث تتهم موسكو الغرب عموماً بعدم اكتراثه بمخاوفها الأمنية في حال مد (الناتو) إلى أوكرانيا لتطويق حدودها مباشرة. لا شكَّ أن لهذا الغزو انعكاسات كبيرة على العالم ومنطقة الشرق الأوسط وكذلك على القضية السورية. 

لم تستطع سردية بوتين حول “تخوفات روسيا على أمنها القومي”، تبرير هجوم جيشها على أوكرانيا، وهي دولة حرة ذات سيادة ولديها أيضاً تخوفاتها على أمنها القومي؛ الذي لا يختلف كثيرا عن موقف كل دول أوربا الشرقية. إن خلفية الغزو الروسي تحمل في طياتها أكثر من ذريعة دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو. ومنها أحلام وأوهام بوتين القومية وطموحاته التوسعية الامبراطورية؛ وخوفه من كل ما يحيل إلى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ورعبه من كل ما يشكل خطراً على نظامه السياسي الراهن القائم على تأبيد الاستبداد والفساد. ويطمح كذلك لعودة الحرب الباردة وتكريس روسيا مجدداً كدولةٍ عظمى وقطب مواجِه للولايات المتحدة، في وقت لا تمتلك روسيا من مقومات الدولة العظمى سوى قوّتها العسكريّة وترسانتها النووية. فاقتصادها ريعيّ وضعيف قائم على ما تصدره من نفطٍ وغاز وسلاح، وإسهامها محدود في الاقتصاد العالمي. أما نظامها السياسي فهو طارد ولا يجذب إليه سوى الأنظمة الشمولية المستبدة والفاسدة. ويمكن القول إن كل ما حصده نظام بوتين من الحرب على أوكرانيا، هو أيقاظ وتأجج الشعور القومي والعداء لروسيا لدى الأوكرانيين، وحفرِ خندق عميق بين شعبين تجمعهما أخوة تاريخية.

    فشل بوتين مبكراً في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية من غزوه لأوكرانيا، ووضع نفسه في مأزق ومستنقع كبيرين، نتيجة سوء تقديره لمسارها. ولقد تبين ان إسقاط النظام الأوكراني لن تنجزه عملية عسكرية خاطفة، وأن رد الفعل الأميركي والأوروبي كان أكبر وأقوى كثيراً من توقعاته التي بناها على استنتاجات ليست دقيقة حول ضعف إدارة بايدن، وانقسام مواقف الدول الأوربية وخلافاتها مع الولايات المتحدة.  ولكن ما حدث في الواقع أن الغزو الروسي وَحَّدَ أميركا وأوربا والناتو. فبدأت روسيا تخسر هيبتها وتضعف لما ترتّب عليها من عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية، وفي المجال الجوي والبحري والفضاء الإعلامي والمعلوماتية والأنترنت. حتى أن حلفاء وأصدقاء روسيا بدؤوا التموضع بعيداً عنها، بعدما أدركوا صعوبة انتصارها. ومن المبكّر الحديث عن تغيرات عميقة في التحالفات الدولية والإقليمية، وكذلك من المبكر تأكيد انتصار الغرب على روسيا في الصراع على أوكرانيا، لأن الصراع مفتوح في الزمان والمكان سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. فالمرحلة الراهنة في غاية الخطورة على القارة الأوروبية والولايات المتحدة، فتعاملهما الحازم والصارم مع بوتين لن تخضعه بسهولة. وازدياد الضغوط عليه وعزله وحصاره، يمكن أن تدفعه إلى إبراز قوته وجعله أكثر خطورة وانتقاماً، وقد يغامر أكثر ويلجأ الى إجراءات استثنائية واستخدام أسلحة غير تقليدية، لإرضاء غروره وأحلامه التوسعية. وهذا ما لوح به منذ بداية غزوه لأوكرانيا، ويذكرنا هذا بالنازية والفاشية.

2-انعكست الأزمة الأوكرانية على جميع الملفات العالقة بين الجانبين الروسي والأمريكي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الملف السوري، الذي يعاني من غياب مصداقية وجدية المجتمع الدولي في تنفيذ قراراته المتعلقة بالحل السياسي، بسبب عدم توصل الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع السوري إلى التوافقات المطلوبة لمباشرة العملية السياسية وفق مندرجاتها في القرارات الأممية. وهذا ما أدى إلى قبول كافة الأطراف بخيار “إدارة توازن المصالح”، وهو ما أبقى العملية السياسية في حالة جمود وعلى رف القضايا المؤجلة.

   أمريكياً، ما يزال الملف السوري معلقاً منذ مجيء إدارة بايدن، التي لم تعتبره حتى الآن من أولوياتها، وما تزال سياستها حياله غير واضحة. وتولي اهتمامها ببعض مساراته الفرعية مثل ملف المساعدات الإنسانية، ومحاربة الإرهاب، وضمان أمن إسرائيل. ومع الغزو الروسي لأوكرانيا أخذت واشنطن تستخدم هذا الملف مع الأوربيين كورقة في وجه بوتين تكشف جرائمه في سورية على وقع جرائمه في أوكرانيا. وفي الذكرى الحادية عشر للثورة أطلقت أميركا “شهر محاسبة الأسد” دون أي إجراءات عملية واضحة وملموسة. 

  أما روسياً، فتقع سورية ضمن أولوياتها، الشرق أوسطية، التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بجهودها لاستعادة مكانتها في النظام الدولي. يبدو من التنسيق الوثيق بين موسكو ونظام الأسد، أن سورية لا تزال تمثل هذه الأولوية لديها، وأن نظام الأسد أصبح امتداداً للأمن القومي الروسي، وأن قاعدة حميميم خطاً دفاعياً روسياً متقدماً في البحر المتوسط. ومع ذلك، لا يمكن مقارنة أهميتها بأوكرانيا والجوار المباشر لروسيا. في سياق ذلك، أعلن نظام الأسد تأييده مسبقاً للحليف الروسي في حربه العسكرية ضد أوكرانيا، كما تعمل روسيا على تجنيد مرتزقة سوريين ليلتحقوا في حربها على أوكرانيا، وهو أمر يحمل الكثير من الإشكاليات والمخاطر.

  نلاحظ تراجعا نسبياً في اهتمام موسكو بالملف السوري لاسيما على المستوى العسكري، وأن انشغالها في الحرب الأوكرانية يفسح المجال أمام إيران وميليشياتها كي تعزز انتشارها وسيطرتها في سوريا، بعد أن سحبت روسيا جزءاً من قواتها العسكرية، لكن هذا التراجع لا يعبر عن تغيير فعلي بشأن أهدافها وإدارتها لأبعاد الأزمة، ويخدمها في ذلك طبيعة الاهتمامات الأمريكية في ظل إدارة بايدن. 

لكن من أكثر الانعكاسات فداحة التي ستتأثر بها سوريا جراء هذا الغزو الآثار الاقتصادية السلبية؛ حيث ارتفعت الأسعار أكثر من 100% في الأيام الأولى للغزو. كما أن نظام الأسد يعتمد على استيراد مواد غذائية ونفطية وغاز من روسيا وأوكرانيا، وهو ما سيزيد من وطأة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، هذا بخلاف أن العقوبات المفروضة على روسيا، والتي من شأنها التأثير بقوة على الداخل الروسي، ما يعنى أنها ستنشغل لفترة من الزمن بمعالجة أزماتها الداخلية بما يترتب عليه من ترك النظام السوري في مهب مواجهة العقوبات الاقتصادية المرشحة للتزايد. عدا عن ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي سيفرض على نظام الأسد تحديات جديدة على بقايا اقتصاده المتهالك، كذلك ستؤثر على قيمة الليرة السورية المنهارة أصلاً، وتراجع قدرتها الشرائية بما يزيد من الأعباء المعيشية على حياة السوريين التي وصلت إلى الفقر المدقع والجوع الحقيقي. 

3- في سوريا اليوم وغداً تتجمع المخاطر والتحديات في ضوء التطورات وتداعياتها، فمخاطر التقسيم بدأت تحفر مخالبها على الارض، ومعيشة الناس في مناطق النظام أصبحت جحيما لا يطاق وسط انعدام الأفق لأية حلول، والمناطق “المحررة” تتعامل بالليرة التركية، والأمريكان أعفوا مناطق قسد من عقوبات “قيصر”، وسمحوا باستثمار النفط في المناطق الشرقية وتوظيف عائداته في تنمية المناطق “المحررة”، ويطلبون من قيادة قسد الحوار مع المعارضة، وانشاء حدود فاصلة في مناطق نفوذهم. والأتراك عازمون على ترحيل أكثر من مليون لاجئ وتوطينهم في الشمال السوري. هذه كلها معطيات تؤكد استمرار المحنة السورية وبعد الحل السياسي، وتكاثر المخاطر على وحدة البلاد مع احتمال عودة الإرهاب ليضرب من جديد، فالمخاطر في سورية وعليها أكبر بكثير من مخاطر الحدث الأوكراني، اذ ربما يستطيع الغرب تقليم الأظافر الروسية في أوكرانيا إلا أن إيران يزداد خطرها وتحقق المزيد من مصالحها بعدما أصبحت هذه المصالح موضع تفهم وتسامح من الغرب في لعبة المقايضات وتوازن المصالح في ظل مفاوضات فيينا المفتوحة.   

  صارت الأزمة السورية أحد العوامل في الصراعات الدولية، وفى مقدمتها الأزمة الأوكرانية التي يمكن أن تمهد للحل السياسي في سورية أو أن تبعده وتعزز النفوذ الإيراني، وهذا يتوقف على نتائج هذا الصراع، حيث قدّم بوتين بهذا الغزو خدمة كبيرة لإيران، تعزّز انفتاحها على الغرب، وحاجة إدارة بايدن والأوروبيين الى النفط والغاز الإيرانيين قد يجعل منهما شريكين. وبذلك تكون إيران في طليعة الرابحين من هذا الغزو، وهذا يعني أن الغرب معني بمخاطر روسيا أكثر من مخاطر إيران على المنطقة والعالم. 

دمشق أواسط أيار 2022 

                                                                                                    اللجنة المركزية 

                                                                      لحزب الشعب الديمقراطي السوري