بــلاغ صادر عن اجتماع اللجنة المركزية         

   عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أواخر حزيران 2023، وناقشت خلاله القضايا السياسية والتنظيمية الواردة على جدول أعمالها، وتقريراً عن أوضاع منظمات المهجر ونشاطات لجنتها. كما ناقشت خطة لتطوير وتنشيط العمل الحزبي، وتقريراً عن أوضاع الفضاء الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ونشاطاتها (مؤتمر مدنية، مؤتمر القوى الوطنية السورية، المجلس العسكري / حركة التحرر الوطني)، وكذلك العمل مع القوى الوطنية. وتوقفت عند محاور التقرير السياسي، وجرى نقاش للمستجدات والتطورات الدولية وخاصة الحرب الأوكرانية وتداعياتها، وانعكاساتها على ميزان القوى الدولي والإقليمي وعلى القضية السورية. كما توقفت عند الأوضاع الداخلية في جميع مناطق البلاد والأزمات التي يعانيها المواطن نتيجة سياسات نظام الأسد التدميرية وتصرفات سلطات الأمر الواقع وانعكاسها على حياة الناس ومعيشتهم. كما ناقشت الاتفاق السعودي الإيراني، وإعادة نظام الإجرام والتوحش إلى جامعة الدول العربية والتطبيع معه. وتطرقت إلى الساحات الساخنة في بعض الدول العربية، لما لها من انعكاسات على الواقع السوري وعلى مصير المنطقة، وخلصت إلى العديد من الاستنتاجات، نعرض عناوينها في هذا البلاغ. على أن تتضمن الرسالة السياسية اللاحقة خلاصة النقاشات والاستنتاجات.  

1-منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022، يعيش العالم استقطاباً حاداً فرضته ظروف الحرب وتداعياتها، وهي حرب مستمرة بالوكالة بين روسيا والغرب. إذ تعمل الإدارة الأمريكية على كبح التطلعات الروسية لاستعادة زمن الثنائية القطبية في العالم وهزيمتها كمقدمة لاحتواء الصين، بينما تعتبر روسيا الولايات المتحدة مصدر تهديد وجودي لها، وتسعى لان تصبح قطباً منافساً في النظام الدولي، دون أن تمتلك المقومات والأهلية لذلك. وعليه، فإنَّ لهذه الحرب انعكاساتها على الواقع الدولي والإقليمي. فالصين ترى أن الاستنزاف الغربي في أوكرانيا سيكون لصالحها، وساعدت هذه الحرب تركيا في تحسين موقعها الجيوسياسي عند الطرفين، ووثقت إيران علاقاتها بروسيا، وفتحت مسارات جديدة مع دول الخليج. في المقابل أظهرت دول الخليج سياسة مرنة وقدراً من الاستقلالية في التعاطي مع الأحداث، وفضلت البقاء على الحياد. 

   لقد كشفت الحرب بما يشبه الفضيحة ركاكة البنية العسكرية الروسية، وأظهرت التطورات الأخيرة المأزق الكبير الذي وقعت به نتيجة عدوانها على أوكرانيا، عبر تمرد مليشيا “فاغنر” على سلطة بوتين، ما كشف ضعفها وهشاشتها والصراع داخلها، وهدد باحتمال حرب أهلية في روسيا، ورغم الوصول إلى حل توفيقي للأمر بوساطة بيلوروسية، لكن عواملها ومخاطرها لم تنتف، فقد تتجدد وتصبح حتمية في حال هزيمتها في الحرب الأوكرانية. 

   يمر النظام الدولي بمرحلة مخاض مفصلي، نتيجة الحرب الأوكرانية، كما تواجه كثير من الملفات الدولية الكبرى حالة من الصراع والاشتباك والانسداد السياسي، بعد العجز عن التوصل لتسوية هذه الملفات، يصاحب ذلك تصعيد سياسي وتحشيد عسكري من أطراف النزاع واستقطاب دولي حاد، ومن أهم هذه الملفات: (ملف تايوان)، وكذلك تراجع النظام الاقتصادي العالمي، وصعود الصين ومجموعة “البريكس”  ومنظمة “شنغهاي” كما تعالت صيحات المطالبين بإصلاح مؤسسات النظام الدولي الذي صار عاجزاً عن أداء دوره وتوفير الأمن والاستقرار، ولم يعد يعكس موازين القوى العالمية، ويقف عائقاً بمواجهة تطلعات القوى الصاعدة، كما تظهر حالة من التشتت والضعف في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية القوة العالمية الأولى في العالم. (النتائج الكارثية لغزو العراق وعقابيلها المستمرة – شكل الانسحاب المخزي من أفغانستان – عدم الاستجابة بالسرعة والكيفية اللازمتين لمساندة دول الخليج بوجه خطر الحوثيين وصواريخهم) وهو ما يحمل احتمالات التغير في ملامح النظام الدولي. فمن رحم هذا المخاض والوقائع وانعكاساتها يمكن أن يولد نظام عالمي جديد، يحمل تحولات في الشكل الحالي من الأحادية القطبية.

2–لقد حكمت مسار التطبيع العربي مع نظام الأسد، وعودته إلى الجامعة العربية، المصالح الخاصة لبعض الدول العربية، وخاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، حيث أخذت السعودية في اليمن وأعطت في سورية. واعتقدت الأردن أنها وجدت ضالتها المنشودة لمواجهة تهريب المخدرات والأسلحة. ووجدته الدول الأخرى غطاء لتبرير تواصلها مع النظام وشرعنته لمعالجة قضاياها معه. فتح هذا التطبيع الباب أمام بروز اتجاهات التفريط والخذلان للثورة السورية، وشرعنة نظام الاجرام والإبادة والتوحش الأسدي، وضرب العملية السياسية وفق صيغة جنيف والقرارات الأممية ذات العلاقة، والعمل من أجل تسوية كيفية ومصالحة سطحية انتهازية، تبقي القضايا عالقة والنار تحت الرماد. وتم تفعيل قضية اللاجئين في الدول المحيطة وتوظيفها، لتصبح قضية ضاغطة في نفس الاتجاه.

لكن هل ستؤدي هذه الخطوة أكلها وتحقق أهدافها؟ لا يبدو أن هذا أمر ممكن: فكل شيء في نظام الأسد يحتضر، وعوامل الانهيار الداخلي للنظام كبيرة ومستمرة على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والإعاقة الدولية سياسياً واقتصادياً وقانونياً عبر العقوبات لا يستهان بها (إعلان قمة السبعة في اليابان – قرار الكونغرس الأمريكي بمواجهة التطبيع – موقف الاتحاد الأوروبي) – ليس لدى النظام ما يقدمه لمعالجة القضية، ولا لتلبية حاجات الدول ومطالبها. غير أن هذا الأمر يطيل المحنة السورية، ويلقي ظلالاً من اليأس والإحباط في ظل حالة التبدد الوطني القائمة. وهو ما قد يحمل مخاطر جديدة على القضية، ويرتب مهاماً أخرى على المعنيين.

   في ظل استمرار الظروف العصيبة والمعقدة، التي تمرّ بها القضية السورية وثورتها، تكمن الأولوية في إبعاد حالة اليأس وفقدان الأمل لدى السوريين وتعزيز الثقة بثورتهم ثورة الحرية والكرامة، رغم ما اعتراها من عيوب وأخطاء وتدخلات إقليمية ودولية. ويبقى العمل متوجباً لبناء البديل الوطني، وفق رؤية وطنية جامعة، تلتزم بالعملية السياسية عبر مسار جنيف، ومرجعية القرارات الأممية ذات الصلة ومندرجاتها، بما فيها بيان جنيف (1)، وقراري مجلس الأمن الدولي 2118 و2254، والتمسك بأهداف الثورة والقرار الوطني المستقل، لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية دولة الحق والقانون والمواطنة والتنوع الثقافي. 

أواخر حزيران 2023 

                                                                                     اللجنة المركزية 

                                                                  لحزب الشعب الديمقراطي السوري