انفضّ آخر اجتماعات اللجنة الدستورية دون تحديد موعد قادم لانعقادها، ودون اتّفاق على جدول أعمال، إن عُقد، وليتوّجه المبعوث الأممي غير بيدرسون باعترافه، الذي لا جديدَ فيه بوجود اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين الطرفين، وعدم قدرته توقّع مستقبل المحادثات! لينطبق عليه قولهم: ” صمت دهراً ونطق كفراً ” ففي ملاقاة “التطوّرات المثيرة ” التي ستشهدها القضية السورية –كما بشّر جيمس جيفري-انصبّ الاهتمام بانعقاد الاجتماع الثالث للّجنة الدستورية في جنيف، وكأن اختراقاً ما قد تحقّق في جانب أو آخر بين القوى “المتكالبة” على الساحة السورية، فانبرى كلّ منهم يروّج لسلعه في زمن كَساد سوق السياسة في القضية السورية. إذ حضرت القوى الفاعلة المتصارعة وغابت إرادة الفعل، ما خلا إشارات جَهد كل طرف في إيصالها لغريمه أو شريكه، فمندوب بوتين “لافرنتييف” يعلن استعداد روسيا للحوار مع أمريكا بغية التوصّل إلى توافق بشأن سورية، ويحثّ المعارضة على عدم منح وفد النظام فرصة تخريب الجولة الجديدة، وإنجاز جدول الأعمال المتّفق عليه، بما في ذلك “هويّة الدولة”، التي لم تعد لها هوية-حسب تعبيره-. أمّا المبعوث الأمريكي فيعلن التزام بلاده بعملية الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية، ويدعو المعارضة للتفكير بما بعد الأسد، وإنجاز دستور متطوّر يصلح لدولة ديمقراطية حديثة!  وربما كان هذا الهرْج والمرْج وراء قناعة رأس العصابة الأسدية أن هدف المبادرات السياسية إيقاع نظامه بأفخاخ تحقّق ما لم يتحقق عبر “الإرهاب”، ويتباهى بأن ” هذا لن يكون سوى في أحلامهم “، وكانت الترجمة العملية من خلال وفده المفاوض الذي عمل على المماطلة بغيةَ العرقلة، وتلغيم وفده بالكورونا رجاءَ التأخير، وتسمية نفسه “الوفد الوطني” استفزازاً وتخويناً لغيره، وأنه لا يمثّل الحكومة السورية –أخيراً-تملّصاً ممّا قد يكون. إن ما جرى ويجري يشير إلى أن المتصارعين، وبمشاركة الأمم المتحدة، يقومون بحملة علاقات عامة في ملفّات تقادم زمنها، أو ينفثون الروح فيما مات سريرياً، عبر الكلام المنمّق الحامل لذات المواقف، ولكن بصياغات إعلامية أوقع، ممّا يؤكّد أن هذه اللجنة مولود خَدْج، أريد له أن يقوم بدور غيره استرضاء أو تهرّباً، ووقع عليه أن يجرّ ما تبقّى من “سِلال ديمستورا ” الأوزن، بينما هو الأضعف، لأنهم أوجدوه ولمّا يكتمل بعد، فجاء في الترتيب الخطأ، وأوكلت إليه المهمّات الأصعب، لذا فهي لجنة شوهاء عُدّت جزءاً أساسياً من عملية الانتقال السياسي، يَعضدها مؤخّراً ” قانون قيصر” الذي أريد منه إجبار النظام على التفاوض، وتأمين استحقاقات ما بعد زواله ثانياً. ومادامت ” الولايات المتحدة لن تسمح بإعادة إنتاج دولة الأسد أو التواصل معه، وروسيا صارت مستعدّة لنقاش مصير نظام مكّنها من احتلال سورية، فهل اتّفق بوتين وترامب أو توافقا على فتح صفحة جديدة في القضية السورية؟ وهل يعملان للتهدئة في الملفّات الساخنة، وتحقيق إنجاز ما يحتاجه كل منهما؟ والمعلوم أن الأول، وهو عرّاب اللجنة الدستورية، نفد صبره تجاه حليفه، وهو يجيد لعبة ابتزاز أمريكا كي يضغط عليها للانخراط أكثر في أعمال اللجنة الدستورية، لأن الثاني مشغول بتوظيف أي حدث في حملته الانتخابية .ليس جديداً أن النظام السوري يجهد في التهرّب من استحقاقات اللجنة الدستورية -على الرغم من كلّ المآخذ- ويعدّها “خزعبلات”، ويناور للوصول إلى انتخابات 2021، ويرفض التنازل عن الحلّ العسكري أو الإذعان لقرارات المجتمع الدولي، ولأجل كل ذلك فإنه من غير الممكن لهذه اللجنة أن تتقدّم أو أن يحصل الاختراق المنشود دولياً؛ فالفجوة بين المصالح الجيوسياسية الأمريكية والروسية لا يمكن جَسرها إعلامياً، وتضاد مصالح القوى الإقليمية ( إيران وتركيا وإسرائيل وبعض دول الخليج )، وسيالة التحالفات والتوافقات والاتفاقات بين أطرافها واستنقاع بعضها، تعمل للاستثمار والكسب من معاناة السوريين، ليبقى الجرح السوري مفتوحاً على كل الاحتمالات، إننا نرى أن الدستور المنتظر، سيكون رهناً بتوافقات دولية، وبغياب الصوت الوطني السوري الموحّد بعيداً عن التجاذبات الدولية والارتهانات الإقليمية، المستند إلى قضية عادلة خرج حَمَلتُها للمطالبة بالحرية والكرامة والمواطنة، ودفعوا الأثمان باهضة، دماً ودماراً وتشرّداً واعتقالاً وتغيباً وقتلاً، ولم يعنِهم تغيير الدستور أو تعديله، فأكمل الدساتير وأعظمها هو الأسوأ بين يدي ديكتاتور مستبدّ.