سميرة المسالمة

تؤكد مآلات الصراع السوري الحالية، سواء أكانت داخلية أم خارجية، عدم وجود أفق لأي حل حقيقي، من أي نوع، أو مستوى، فلا النظام قادر على حسم الأمور لمصلحته على كامل مساحة الأراضي والمناطق، ولا “المعارضات”، حتى تلك التي تحولت سلطات حاكمة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، قادرة على فرض نفسها كخيار شعبي بديل، بالنظر إلى تشتتها وضعفها وارتهاناتها للأطراف الخارجيين، الراعين أو الداعمين لها.

أما على الصعيد الإقليمي، فمن الواضح أن كل طرف من الأطراف الإقليميين المنخرطين في ذلك الصراع، أي إيران وتركيا وإسرائيل، يحاول فرض ذاته على حساب الطرفين الآخرين، أو تعزيز أوراقه في سوريا المستقبل، من دون ارتباط ذلك بأي مصلحة للشعب السوري.

الأهم مما تقدم، أن هؤلاء الأطراف (بخاصة إيران وتركيا) باتوا يدركون أن ثمة حدوداً لا يمكنهم  تجاوزها إلا برضا الدولتين الكبريين، أي الولايات المتحدة وروسيا، مع ملاحظة أن العقدة في هذا المجال، تتمثل في إيران، إذ إن كل الأطراف يشتغلون على تحجيمها، ومنهم روسيا وتركيا، رغم الشراكة القائمة بينهم في أكثر من ملف ومسار ومنها مسار آستانا. كما أن تهذيب سلوك إيران ودحرها إلى داخل حدودها يقعان على رأس أولويات الولايات المتحدة وإسرائيل. ووفقاً لذلك فمن غير الممكن تصور التوصل إلى حل في سوريا في حال بقاء إيران على ما هي عليه من نفوذ، ومن قوى عسكرية على الأرض السورية، بل يمكن القول إن العد العكسي لفرض حل في سوريا يمكن أن يبدأ مع إخراج القوات العسكرية لإيران والميليشيات التابعة لها وفي مقدمها “حزب الله” اللبناني.

 

واشنطن غير مستعجلة

على الصعيد الدولي، لا تستعجل الولايات المتحدة أي حل في سوريا، فهي ترى أن ترتيب المنطقة برمتها يسير بسلاسة مع تحييد أي دور عربي أو إقليمي لسوريا، وحيث أنتجت الفوضى التي أحدثها سلوك النظام السوري في كل من سوريا ولبنان في آن معاً، الظروف المناسبة لتفكيك الموقف العربي من القضية الفلسطينية، من جهة، ومن انتاج ما سمي صفقة القرن، من جهة أخرى، بما يعني أن استثمار الولايات المتحدة في استمرار الصراع في سوريا وعليها لا يزال مستمراً، وأن وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الثورة السورية مقيد بمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، ومن ضمنها إغراق موسكو في الحرب السورية وتشجيعها على تحويل تدخلها من موقت إلى دائم، وهو ما عبّر عنه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري من “أن جميع القوى ستخرج من سوريا بعد التسوية ولن يبقى فيها سوى القوات الروسية”، أي الموافقة على توظيف روسيا شرطي مراقبة في المنطقة، ما ينفي وجود أي سبب أميركي يستعجل الحل، سواء كان سياسياً أم أمنياً أم اقتصادياً.

وفي الوقت الذي اعتقدت روسيا أن انخراطها في الحرب السورية يعطيها بعداً دولياً جديداً في مفاوضاتها على ملفاتها العالقة، الأميركية والأوروبية (الدرع الصاروخية، التلاعب بأسعار النفط، العقوبات التكنولوجية)، وأن هذه الحرب ستكون سريعة الإنجاز وتدخل حيز الاستثمار خلال فترة قصيرة، كما كانت تصريحاتها إبان تدخلها العسكري 2015، إلا أن مسارات الحرب في سوريا والتداخلات الإقليمية، والمواقف الأميركية التي تتغير بما يمنع أي حسم للصراع لمصلحة أي طرف، وعدم خضوع القوى الدولية لابتزازات روسيا مقابل الحل في سوريا، اعتبرتها موسكو هزيمة جديدة تلحق بها، وتزيدها تورطاً واستنزافاً، الأمر الذي جعلها تعلن انتهاء حربها العسكرية، وتعود للاستثمار في تقاطع مصالح الدول الإقليمية: إسرائيل وتركيا وإيران وتجدد إحياء مسار آستانا لتعطيل الحل الأممي في جنيف، الذي من شأنه أن يزيد من خسائرها وفقاً للقرار 2254.

 

إخراج إيران

يعد التصريح الأميركي بمثابة اتفاق ضمني يجمع بين الشروط الأميركية والإسرائيلية التي تعني إخراج إيران من المنطقة، في مقابل الاعتراف الكامل والدائم بالوجود الروسي في سوريا، وضمناً إطلاق يدها في اختيار الحل المناسب لتغيير سلوك النظام تجاه جيرانه، من دون إلزامها بالانتقال السياسي الذي يعني ضمناً استبعاد الأسد وزمرته من الحكم، وهو ما باشرته موسكو بزيارة لافتة لوزير خارجيتها سيرغي لافروف بعد ثمانية أعوام من زيارته سوريا وتغيير قواعد الاشتباك مع قوى المعارضة.

وتساهم روسيا اليوم، بموافقة أميركية، في صناعة بطانة من المعارضة الجديدة القريبة من دول محسوبة على النظام منها روسيا والقاهرة وإيران، وضمانة للمصالح الأميركية وتعهداتها تجاه حلفائها جمعت إلى جانبهم فصائل كردية محسوبة عليها، ما يمكنها من اجتياز حاجز الاعتراض على نسخة دستور جديد بتوقيع روسي يضمن استمرار النظام بتكوينه الحالي مع تعديلات لا ترقى حتى إلى مشروع “الإصلاح” الذي قدمه رأس النظام بشار الأسد عام 2013.
ستجري موسكو انتخابات الرئاسة السورية عام 2021 مع بث مباشر تدعي فيه التنافسية بين أكثر من مرشح، يأخذ من خلالها الأسد دورة رئاسية جديدة يجري خلالها التعديلات التي تلائم حكم روسيا للبلاد، وتخرجه من محور “المقاومة” المزعوم، وتعيد تأسيس الجمهورية الثالثة، وفق عناوين طرحتها الولايات المتحدة الأميركية سابقاً في مشروع “اللاورقة” الذي قدمته عام 2018، وتعتمد فيه سوريا حكماً لا مركزياً برلمانياً بغرفتين، ولكن بتفاصيل روسية ستحيل طموحات الكرد والعرب السوريين “من المعارضين” على حد سواء الذين توافقوا معها سراباً.