التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية (3) 

 

                                                ثالثاً-الاستنتاجات 

1-إذا كان التراجع الكبير الذي أصاب الملف السوري قد انطلق من تبدُّل أولويات الولايات المتحدة، وما استجرَّهُ من تغيرات في المواقف العربية والإقليمية في المنطقة منذ تفجر ثورات الربيع العربي، كان حصاده الأخير تمكين الثورات المضادة من توحيه ضربات نوعية لتطلعات الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة، فإن من أبرز مخاطر هذا التوجه تعاظم الدور الروسي، وانتشار الإرهاب والتطرف، وإفساح المجال لتمدد المشروع الإيراني التوسُّعي والطائفي، وتوظيفه من قبل الدول الكبرى لتمرير أجنداتها وخاصة دول الغرب واسرائيل وروسيا على حد سواء. كما أن الدخول العسكري التركي المباشر قد أسهم هو الآخر في تغذية الطموحات التوسعية للدول المتدخلة في الشأن السوري مما ترك أثره الكبير في تغيير موازين القوى. 

 إن أبرز أسباب استمرار الأزمة السورية وتأخّر حلّها، هو غياب الحاجة لدى المجتمع الدولي لإيجاد مثل هكذا حل. فالأزمة مؤجلة بسبب استمرار الصراع بين الغرب والشرق. كما أن مشروع إعادة تشكيل المنطقة بعد مرور مائة عام على سايكس بيكو جعل المنطقة برمتها في حالة سيولة وفوضى شملت معظم دولها وعلى كافة الصعد والمناحي. 

2-يبدو أن العشرية السوداء الدامية التي عصفت بسورية، وأدخلتها في أتون التدخلات العسكرية والاحتلالات المباشرة وحروب الوكالة المتنقلة من جبهة لأخرى، قد رفع من مستوى التحريض الطائفي والقومي بشكل غير مسبوق وصولاً لمشاريع الحرب الأهلية، وما خلَّفه كل ذلك من انهيارات وتدمير وتهجير، قد أوصل هذه اللعبة الجهنمية إلى نهاياتها وأدخلها محطتها الأخيرة ولم يبق أمامها سوى لعبة العد التنازلي القائم على التحطيم المتبادل بين القوى المتصارعة بهدف استبعاد بعض المشاريع والأدوار وحذفها من معادلة القسمة كمقدمة لإيجاد قواسم مشتركة تتيح الوصول إلى تفاهمات لابدَّ منها لطيّ الأزمة السورية مما يعني وجود تفاهم أمريكي- روسي يعمل على إضعاف الأدوار الإقليمية وإخراجهما من الصراع لصالح شريك ثالث كان وما يزال يلعب دور الغائب الحاضر على مدار الأزمة وهي إسرائيل، والتي أصبحت جزءً من المنطقة، أولاً: بسبب الدور الإيراني المزعزع لأمن دول المنطقة، وتداخل مع كل أزماتها ليس فقط عسكرياً، بل اقتصادياً واجتماعياً ومذهبياً، مما سيترك تأثيرات عميقة على المجتمعات العربية وخاصة في سورية والعراق ولبنان واليمن. وثانياً: بسبب موجة التطبيع العربي مع إسرائيل. ونلاحظ أن هناك اشتباك بين الدور الإيراني والدور الإسرائيلي في المنطقة العربية، كما أن هناك تفاهم روسي إسرائيلي لتحجيم دور إيران لعدم خروجه عن المصالح الإسرائيلية. 

3-إن الموقف الأمريكي من القضية السورية لم يتبدّل، فهي ترغب في استمرار نظام الأسد كما هو ضعيفاً وممزقاً تتناهشُه قوى الاحتلال تناغماً مع النهج الإسرائيلي، فهي لا تريد اسقاطه، أو المساهمة في إعادة تأهيله، مع رفض لإعادة الإعمار ورفع العقوبات وبقاءها مرهونة بالحل السياسي من خلال القرارات الدولية ذات الصلة. لكن واشنطن تعلن اصراها على العملية السياسية دون أن تقدم على أي فعل أو إجراء يصب في خدمة هذا الهدف. كما أنها تربط الملف السوري بالملف الإيراني، وتحقيق انفراجه في مفاوضات النووي لصالحها، وهي لا تريد اسقاط نظام الملالي، بل تريد العمل بالدبلوماسية معه، لكن إيران في ظل سياسة بايدن الباهة انتقلت من حالة الانكماش إلى حالة التمدد والانتشار، وهكذا فالموقف من سورية وإيران متشابه لدى واشنطن التي صمتت من الدور الإيراني في سوريا، وعن مشروع تمددها ونفوذها الإقليميين خدمة لأجندتها في وقف برنامج إيران النووي، وكذلك لابتزاز دول المنطقة من خطرها، وخدمة لمصالح إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة.

أما بالنسبة للموقف الروسي من القضية السورية لا بدّ من الإشارة إلى أن ما تعتقده موسكو من تحقيقها لإنجازات عسكرية ومكاسب اقتصادية، ما زال مرهوناً حتى الآن بقدرتها على تثبيت نظام الأسد، وهو بالضبط ما أوقعها في مأزق كبير إثر انتقالها من فشل إلى آخر سواءً على صعيد إعادة الإعمار أو ملف اللاجئين أو اللجنة الدستورية، وأن كلّ ما تعوّل عليه من نجاح في هذا المسعى سيبقى مجرد تمنيات في ظل غياب التوافق مع الغرب، وهي ما زالت تراهن على تقاطع أجندتها في سورية مع المصالح الأمريكية والغربية. 

4-إن محط الاهتمام الدولي هو المشروع النووي الإيراني، ومفاوضات فيينا هي الأساس، وما تزال استراتيجية أوباما هي السائدة، أما الاستثناء فهو الدفع الإسرائيلي لأنهاء المشروع النووي الإيراني بالقوة العسكرية، وهناك تناقض بالرؤية والمقاربة بين واشنطن وتل أبيب حول وقف وانهاء هذا المشروع. 

إن السمة الأساسية التي تلف المنطقة؛ هو عدم الثبات والوثوقية، وتحول الشرق الأوسط إلى ميدان للتحولات المستمرة ولتجريب السياسات، فالجيوش المتحاربة تتصالح الآن وتتعانق على خلفية تبادل المصالح بالمليارات، والتقدمات التي أحرزها الربيع في المنطقة، تحرك الجميع لإجهاضها وتكاد تذهب أدراج الرياح. واليوم نرى كل عناصر الحرب متوفرة في لبنان والعراق وعدة ساحات أخرى وهي مستمرة في سورية واليمن. وإيران إذا شعرت بالخسارة في أي منهما ستشعل المنطقة، و”حزب الله “إذا خسر الانتخابات في لبنان لن يسكت هو وإيران، وربما لن يسمح أو يعرقل اجراء انتخابات تخرجه من الهيمنة على الدولة اللبنانية. وبعد هزيمة الحشد الشيعي في العراق، تحاول الفصائل الولائية تفجير الوضع هناك لكن طبيعة المرحلة لا تسمح لها بدلك.  

 5-من المؤسف بعد كل ما تعرض له السوريون من كوارث على مدار عقد كامل، ما زلنا نرى العديد من القوى والأحزاب والتيارات السياسية تتصارع حول عناوين هامشية، لتزيد من عمق المأساة السورية، حول علمنة المجتمع السوري أو أسلمته، دون أن يدرك هؤلاء أن جهودهم تعمل على تبديد طاقة الشباب السوري، وإشغاله عن قضيته المركزية وتعميق حدة الانقسام في صفوف السوريين، وأن العمل السياسي الوطني اليوم ينطلق من فكرة أننا جميعاً نعيش مرحلة التحرر الوطني في ظل وجود دول احتلال تستثمر في بقاء النظام وتحتل الأرض وتنهب الثروات، لتحمي عصابة مجرمة تقتل السوريين وتهجيرهم وتصادر حرياتهم وتمنعهم من الانخراط في العمل الوطني. إن المهمة المركزية الآن تجميع طاقاتهم في تكتل وطني عريض نحو هدف مشترك، وهو الخلاص نظام الإبادة والتوحش الأسدي، وتحرير الأرض السورية منه ومن أعوانه، للخروج بسوريا من النفق المظلم بعد أن باتت معاناة السوريين من غوائل الفقر والجوع والتشرد لها الأولوية وليس الانشغال بشكل الدولة السورية الجديدة، أو التنافس على الأيديولوجيات التي ستحكم سورية ومستقبلها. وأن مشروع الحل السياسي لن يكون موضع اهتمام دولي إذا لم يكن له ظل وازن على الأرض.  

 6- إن نظام الأسد لم يعد ابن حياة حتى لدى حلفائه، رغم تكالب المصالح وصراع الأجندات، والسعي المستميت لإبقائه خدمة لمخططات دولية وإقليمية. فهذه مرحلة التحولات الكبرى، وأن محاولات بعض العرب التطبيع معه لإعادة تأهيله، أصبحت اليوم بعيدة المنال حتى الموقف الأميركي لا يعطيها الضوء الأخضر، لكن ترك الأزمة دون حل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، يعني ببساطة إبقاؤها على فوهة بركان متفجر لن يتوقف عن إطلاق حممه وإشعال حرائقه في كل مكان. كما أن الضرب عرض الحائط بكل تضحيات السوريين وتجاهل إصرارهم على تحقيق أهدافهم وانتزاع حقوقهم في الحرية والكرامة والديمقراطية في ظل سيادتهم على أرضهم، هي مسألة عبثية مهما خطط لها الطغاة والغزاة، ولن يطول بها المقام وستنتصر لقضيتها مهما طال الزمن. وأن من نتائج حرب الأسد الوحشية على الشعب تفكك الدولة، حيث لا وجود اليوم لدولة في سوريا، بل أجهزة مخابرات وجيوش احتلال وميلشيات أجنبية متصارعة ومناطق معزولة عن بعضها تفتقر لأي شكل من أشكال الإدارة المدنية، ومافيات وعصابات تسرق بشكل ممنهج موارد البلاد، وتسطو أيضاً على لقمة عيش السوريين جميعاً، حتى أن النظام نفسه لم يعد نظاماً، بل تحول إلى شلل، وشبكات مصالح ينهش بعضها البعض الآخر، بدليل قرارات الحجز والسطو على أموال الصناعيين والتجار ورجال الأعمال، والدفع بهم نحو تهجير جماعي ممنهج لصالح المشروع الإيراني. 

 أواخر كانون الأول 2021                                                      اللجنة المركزية 

    لحزب الشعب الديمقراطي السوري