صبحي حديدي حوليات التاريخ الغربي، العسكري والسياسي والإمبراطوري على وجوه أخص، وحوليات التاريخ الروماني القديم بصفة خاصة، تحفل بحفنة غير قليلة من أباطرة جمعوا الطموح الشخصي المفرط، إلى هذا المستوى أو ذاك من مظاهر الهستيريا وجنون العظمة وبُغْض الديمقراطية. في طليعة هؤلاء، كما يًجمع المِؤرخ البريطاني الراحل شون لانغ، يعثر المرء على أمثال تايبيريوس (14ـ37 م)، غايوس كاليغولا (37ـ41)، نيرون (45ـ68)، كومودوس (180ـ192)… وقد تعترض غالبية من أنصار الرئيس الأمريكي المنتهبة ولايته، دونالد ترامب، على تمثيلات يمكن أن تضعه في لائحة عنوان هذا العمود، بالنظر إلى أن أمريكا الراهنة ليست روما القديمة (وهذه مسألة فيها نظر، غنيّ عن القول)؛ أو إلى أنّ الديمقراطية الأمريكية، اليوم، ليست النظام السياسي الذي تسيّده وقاده الأباطرة أولئك؛ أو، ثالثاً، لأنّ ترامب لم يعطّل المنظومة، ...
أكمل القراءة »التطبيع كما الممانعة أداةٌ لتكريس استبداد مديد
زياد ماجد تتسارع منذ أشهر وتيرة التطبيع السياسي بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. فبعد الإمارات والبحرين، تبدو اليوم السعودية والسودان على مقربة من خطوات اعتراف ديبلوماسي بتل أبيب أو تبادل زيارات وبحث في تعاون ثنائي أمني واقتصادي معها. وإذا كان في توقيت القرارين الإماراتي والبحريني (غير المفاجئين) ما وشى بمحاولتين بائستين من أبو ظبي والمنامة لدعم حملة دونالد ترامب الانتخابية في شوطها الأخير، فإن في السعي السعودي والسوداني راهناً ما يرتبط بمحاولات تبييض صفحة وليّ عهد الرياض أمريكياً (في جريمة قتل الصحافي جمال الخاشقجي) من جهة، وجذب استثمارات بعد رفع عقوبات واشنطن عن الخرطوم مؤخّراً من جهة ثانية. على أن مسألة التطبيع هذه تتطلّب، بمعزّل عمّا يعكسه توقيتها من مضامين سياسية وقانونية وأخلاقية، نقاشاً حول ما يُثار من مقولات ...
أكمل القراءة »حيث الأولويّة للقرابة… وللإيديولوجيا المكان العاشر
حازم صاغية في النزاع الإثيوبي الراهن كثيرة هي الأمور التي تستوقف المتابع. من تلك الأمور قصة الماركسية – اللينينية في ذاك البلد: في 1974، حصل انقلاب منغستو هيلا مريام ورفاقه ضباط «الدرغ» الذي أطاح الإمبراطور هيلا سيلاسي. النظام الجديد، وعبر تصفيات دموية متتالية، ما لبث أن تبنى الماركسية – اللينينية. بعد عام واحد، تأسست «جبهة التحرير الشعبي في تيغراي». الجبهة منذ ولادتها أعلنت تبنيها الماركسية – اللينينية إياها. هذا التبني المشترك للإيديولوجيا إياها لم يخفف ذرةً واحدة من حدة الصراع بين الطرفين. الجبهة، منذ البداية، اتهمت النظام بعدم القدرة على حل «مشكلة القوميات» وخاضت ضده حرباً بلا هوادة كان لها الدور الأبرز في إسقاطه عام 1991. ما قصدته الجبهة بـ«مشكلة القوميات» لم يكن سوى حقوق التيغريين حيال سلطة أديس أبابا ...
أكمل القراءة »تسييس التروما وسياسة المعنى
ياسين الحاج صالح في التجربة السورية وغيرها، الجروح والرضات النفسية أقل ظهوراً من إصابات الأجساد، لكن أوسع انتشاراً وقلما تعالج. تنظر هذه السطور في سبل تعامل معافى مع هذا الجروح، تخرجها من مكنونات النفس الخفي إلى عالم السياسة، تسيسها كفعل مقاومة واعتناء بالنفس. أول ما يلزم لتسييس التروما هو إدراك الصفة السياسية لتروماتنا أو جروحنا النفسية. جروحنا سياسية من حيث السبب، ومن حيث المسبب، ومن حيث كوننا نحن المجروحين سياسيين بصورة ما. سياسيون دون رغبتنا، وربما رغماً عنا، لكننا سياسيون بلا مهرب. السياسة التي لم يهتم بها أكثرنا اهتمت بنا كلنا. ونحن هنا اليوم نتكلم على تسييس جروحنا النفسية بفعل اهتمامها المؤسف. وما نتطلع إليه هو سياسة غير جارحة. نجد السياسة في تجاربنا الجارحة، وليس في النظام الذي تنحل السياسة ...
أكمل القراءة »نهاية التاريخ وما بعد الديمقراطية
ياسين الحاج صالح في عام 1992 وكان الاتحاد السوفييتي قدانهار لتوه، رأى فرانسيس فوكوياما، وهو فيلسوف ومنظر سياسي أمريكي، أن كل ما يمكن أن يقع من نزاعات مقبلة يجد حله ضمن النموذج الديمقراطي الليبرالي السائد في المعسكر المنتصر، وأنه ليس هناك ما بعد لهذا النموذج. لقد انتهى التاريخ. لم يكد يعتنق أحد هذه الدعوى التي بدت انعكاسا لمزاج التيه والطرب، الذي أعقب انتهاء الحرب الباردة بانتصار التحالف الرأسمالي الغربي. فوكوياما نفسه غير رأيه بعد سنوات، محيلا إلى تطورات تكنولوجية بصورة خاصة. لكن رغم ما يبدو من إجماع كلامي على لانهاية التاريخ، يبدو أن التاريخ انتهى فعلا في الممارسة، وأنه لم يعد ثمة مستقبل متصور يُلمح خارج الديمقراطية الليبرالية في الغرب. الاعتراضات اليسارية في الغرب لم تنجح في تصور مستقبل مختلف ...
أكمل القراءة »آل الأسد في أرض أوباما: ذلك الشيطان الذي نعرف!
صبحي حديدي فور عرضه في مكتبات الولايات المتحدة وكندا، قبل ثلاثة أيام، بيعت 890 ألف نسخة من كتاب «أرض موعودة»؛ الجزء الأول من مذكرات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، والذي يغطي السنوات الأربع الأولى التي أعقبت صعوده الدراماتيكي كأوّل رئيس أفرو -أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة. في المقابل، لمَن تعنيه المقارنات، كان كتاب زوجته السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، «وأصبحتُ» حسب ترجمة دار هاشيت أنطوان، قد باع 725 ألف نسخة خلال اليوم الأول لعرضه في مكتبات أمريكا الشمالية؛ وكتاب الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون «حياتي» 2005، كان قد باع 400 ألف نسخة؛ وأمّا كتاب زميلهما في الرئاسة جورج بوش الابن، وصدر بعنوان «نقاط القرار» 2011، فقد باع 220 ألف نسخة. لكنّ أوباما يسبق جميع أسلافه الرؤساء في ...
أكمل القراءة »القوقاز… صدام الأحلام الإمبريالية
أمير طاهري مع إسدال الستار عن أحدث جولات الاقتتال بمنطقة جنوب القوقاز، ربما نشهد تشكل ملامح كارثة أكبر تتضمن عدداً أكبر من الأطراف من منطقة غرب آسيا التي تعاني غياب الاستقرار، والممتدة من بحر قزوين حتى ساحل البحر المتوسط. ودعونا نراجع بإيجاز ما حدث. في وقت ما من عام 2018، عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على نظيره الأذربيجاني إلهام علييف المعاونة في معاودة غزو جيب يطلق عليه «كاراباخ العليا» والذي سيطرت عليه أرمينيا المجاورة منذ مطلع التسعينات، وذلك في أعقاب تفكك الإمبراطورية السوفياتية. وبالفعل، أطلقت أنقرة برنامجاً مكثفاً لتدريب وتسليح الجيش الأذربيجاني المنشأ حديثاً، بتمويل من العائدات النفطية الأذربيجانية الضخمة. الحقيقة أن ما يطلق عليه «ثلاثي مينسك»، الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، والتي عملت على ضمان استمرار الوضع القائم فقدت ...
أكمل القراءة »حافظ الأسد ونحن
عمر قدور يُحكى أن حافظ الأسد عندما قام بانقلابه، ودخل مكتب الرئيس نور الدين الأتاسي ورأى مكتبته، استدعى مدير مكتب الأخير وسأله: هل قرأ “معلمك” كل هذه الكتب؟ أجاب الموظف بأنه كان يرى رئيسه يقرأ في كثير من الأحيان. ليقول حافظ: وما رأيك في أنني لم أقرأ ولا كتاباً منها ومع ذلك غلبت رئيسك؟ ثم انفجر ضاحكاً ضحكة المنتصر. يروي مصطفى طلاس أن حافظ الأسد كان الأول على الكلية الحربية، عندما كان طالباً فيها، في مباريات النطح. يبدو أن تلك المسابقات تجري بتبادل النطح بين متنافسَين، والفائز هو من يطيح الآخر، وأغلب الظن أن طلاس كان يروي تلك “المأثرة” عن رئيسه بنوع من المديح، أو ليدل على أن هناك ما يُثنى عليه في ذلك الرأس “الذي لم يكن يكترث بالقراءة”. ...
أكمل القراءة »الإسلاموفوبيا والإسلاموغوشيست
زياد ماجد كثُرت في الحلقات الأكاديمية الفرنسية، بعد الجريمتين الهمجيّتين ضد مدرّس التاريخ والمصلّيتين والعامل في الكنيسة، النقاشات والنصوص الجماعية حول مسألة الحرّية الفكرية واستقلالية التدريس ومناهجه وعلاقة الأمر بالعلمنة والإسلام والعنف والأبحاث الـ”بوست-كولونيالية” (الـ”ما بعد استعمارية”). وكثُرت بموازاتها مقالات الرأي والافتتاحيات التي وقّعها أفراد ذوو تأثير في الأوساط الثقافية الفرنسية حول المسألة إياها. ولعلّ ما حرّك جزءاً من النقاشات والكتابات هذه كان مواقف الحكومة التي عبّر عنها رئيسها إذ رفض مشروعيّة البحث في ماضي فرنسا الاستعماري لتفسير العديد من الظواهر السياسية والمجتمعية الراهنة، خاصة تلك المتعلّقة بالعنصرية وبالتوتّرات في ضواحي المدن الموسومة فئاتها الشابة “بالتحوّل المتوحّش”، وفق تعبير وزير الداخلية. واقترح وزير التربية الوطنية، استكمالاً للمواقف ذاتها، أن يُعاد النظر ببعض المواد المدرّسة في الجامعات، متّهماً ما أسماه “الإسلامو-غوشيست”، إي ...
أكمل القراءة »خمسون «الحركة التصحيحية»: زروع الماضي وخرائب الحاضر
صبحي حديدي مسمّى «الحركة التصحيحية» الذي أطلقه الفريق حافظ الأسد (1930- 2000) على انقلابه العسكري ضدّ رفاقه في حزب البعث، يوم 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، تقصّد جرّ اليقين الشعبي العامّ في سوريا آنذاك نحو استيهام حدوث التغيير على مستويات شتى، ذات طابع «انفتاحي»؛ يوحي بمناقضة طابع «الانغلاق» الذي قيل إنه سمة سياسات ما سُمّي بـ«الجناح اليساري» في قيادة انقلاب 23 شباط (فبراير) 1966، أي أمثال صلاح جديد ويوسف زعين ونور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس. وبقدر ما كان توجّه الأسد زائفاً من حيث مبادلة الانغلاق بالانفتاح، إذْ كان النهج الفعلي دكتاتورياً وشمولياً وطائفياً يبني على عدد من الركائز القائمة لتوّها؛ بقدر ما كانت «يسارية» المنقلّب عليهم ليست أقلّ زيفاً من حيث معمار السلطة (ذاتها التي سمحت للأسد بالصعود والتمكّن) والبرامج ...
أكمل القراءة »