يحاصر فيروس كورونا العالم بأسره، مهدداً البشرية بكارثة لم تشهد مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية، لقد أوقف هذا الوباء أنشطة الأمم المتحدة وفعالياتها، وحشر المجتمع الدولي وقادته مع الحكومات والسياسيين والعلماء ورجال الدين في زاوية حرجة ووضعهم أمام أسئلة وجودية واحتمالات كبيرة تصعب الإجابة عليها الآن.
هذا وما يزال نظام الأسد، غير المكترث بحياة السوريين، في حالة إنكارٍ بوجود الفيروس في سوريا، ويتعامل مع الموضوع باستهتارٍ مستفز عبر الإخفاء والكذب حتى إنه لم يعترف بوجود إصابات إلا منذ فترة قريبة وبضغط من منظمة الصحة العالمية، متأخراً حتى عن مستوى عصابات المافيا، في تحمل المسؤولية. علماً أن سوريا هي من أكثر دول المنطقة استعداداً لتفشي وباء الكورونا فيها؛ نظراً لتحالفات نظام الأسد الوثيقة مع إيران المصدر الرئيس لانتشار الوباء في الشرق الأوسط، ولأن البلاد مفتوحة بلا ضوابط أمام الوجودين العسكري والديني للإيرانيين، تاركة مجاميع ميليشياتهم وحجيجهم تصول وتجول في مستعمراتهم بدءاً من البو كمال مروراً بدير الزور شرقاً وحتى الساحل غرباً، ومن حلب شمالاً وصولاً إلى “مزار السيدة زينب” جنوب دمشق، وانتهاءً بدرعا في الجنوب السوري. وما تعنيه حركة هذه المجاميع الواسعة في أنحاء البلاد من احتمالات هائلة لنقل العدوى، لا سيما وأن قادة مشرفين على هذا الحضور قد ثبتت إصابتهم.
وعقابيل حرب الأسد والاحتلالين الروسي والإيراني تتبدى الآن فاقعة وفي أوضح صورها: نظام صحيُّ متهالك، مشافٍ ومراكز صحية سويت بالأرض وما بقي قائمًا منها، فإنه في أسوأ حالاته وأضعف إمكانياته وأعجزها عن تقديم أبسط الخدمات الطبية، ناهيك عن النقص الكبير في الكوادر الطبية التي عانى أفرادها من القتل والاعتقال والتهجير، لسنوات تسع.
ومن الجدير بالذكر أنَّ السورين لم يعنهم وباء كورونا في البداية، إلا من باب السخرية والدعابة والتندر السوداوي؛ لأن ما عانوه ويعانونه من الكورونا الأسدية الجاثمة على صدورهم منذ عقود يفوق خطراً ورعباً وباء الكورونا بمئات المرات. فشعبٌ يعاني من إجرام آل الأسد لنصف قرن تكللت في العقد الأخير باستخدام السلاح الكيماوي، وقصف الطيران وإلقاء البراميل المتفجرة، وخطف وإخفاء الناس وقتلهم في المعتقلات والسجون تحت التعذيب، وأعمال القتل والتدمير والتهجير ليتسنى لهم البقاء على كرسي الحكم، لن يرعبه الموت بفيروس ضارٍ حتى لو كان سيغير وجه العالم.
لقد انعكست إجراءات النظام للوقاية من الكورونا وبالاً على السوريين في جميع مناطقهم الذين يعانون اليوم الفقر والجوع وانعدام أدنى مقومات الحياة، ومؤخراً فقد الكثيرون منهم مصدر رزقهم، جرّاء إعلان حالة الطوارئ التي فرضها النظام للحدّ من انتشار الوباء، وما رافقها من إجراءات كتعطيل المؤسسات وإغلاق الأسواق، كحظر التجول والتنقل بين الريف والمدينة، وبين المدن والمحافظات، ما جعل كثيراً من الناس بلا عمل وسط ظروف معيشية كارثية أصلاً؛ إذ تجاوز سعر صرف الدولار مؤخراً الـ 1300 ل.س. مع عدم وجود شبكات أمان اجتماعي أو مجتمع مدني يقدم المساعدة للناس لتجاوز هذه المرحلة العسيرة. وسط هذه الأوضاع وفقدان مواد غذائية أساسية أهمها الخبز، ترتفع الأسعار بشكل جنوني، حيث ارتفعت مرتين خلال الثلث الأخير من شهر آذار، مرة على يد تجار النظام والعصابات المرتبطة به، وأخرى على يد النظام نفسه. فالمواد الغذائية الأساسية ارتفعت أسعارها بين 50% و200%، أما أسعار المواد الطبية من معقمات وكمامات وكحول وكلور فقد ارتفعت أكثر من 500%.
وإذا كان اجتماع الوباء والأسد قد حولا حياة السوريين إلى جحيم. فإن هذا الوباء قد كشف مرة أخرى عن مدى إفلاس المنظومة الأسدية وعجزها وانحطاطها الأخلاقي وأوهامها بإعادة فرض سيطرتها وحماية نفسها وتأبيد سلطتها عبر القمع والتوحش.