بيان الى الرأي العام  

   الثورة تدخل عامها الحادي عشر

  لقد عانى الشعب السوري على يد النظام وحلفائه، ما لم يعانيه شعب أخر قتلًا وتهجيرًا وتجويعًا، عقابًا لمن خرجوا على استبداه المديد طلبًا للحرية والكرامة، كما أن هذا الشعب عانى خذلانًا وتجاهلًا دوليًا، ربما كما لم يعانيه شعب آخر، لكن ومع كل المآسي التي مر بها القديم منها أو المستجد، والتي تختصر بحالة التردي الاقتصادي والغلاء وفقدان السلع وانتشار الفقر والجوع والبطالة إلى معدلات كارثية، تنذر بالانهيار الشامل، بالترافق مع حالة عدم اكتراث من قبل النظام وعجز مكشوف عن تقديم أية حلول تخفيفية، أو حتى الوعد بها، بل يتحضر لإجراء انتخابات منتصف العام بتشجيع من حلفائه الروس والإيرانيين، في محاولة منهم للتغطية على فشل كل المسارات التي تفتق عنها الروس بمساري أستانا أو سوتشي بغية الالتفاف على القرارات الدولية، التي رسمت خارطة طريق للحل السياسي المنتظر وآخرها القرار 2254 لعام 2015، وحتى مسار اللجنة الدستورية، الذي اشتقه  المندوب الأممي ديمستورا بدفع روسي، وإهماله البقية من السلال الأربعة في واحدة من أخطر عمليات  التواطؤ وتقطيع الوقت على حساب دماء السوريين ومعاناتهم، قد فشل هو الآخر ليس فقط بسبب من رفض وتعنت النظام، بل لغياب الإرادة الأممية لتفعيل مسار الحل السياسي، وغياب التوافق بين الدول المتدخلة أو المعنية بالصراع السوري حتى الآن.

  مع هذه الذكرى لأعظم ثورة شعب بالتاريخ المعاصر، والأغلى كلفة منها، وفي ظروف ومعادلات للصراع على سورية، هي الأشد تعقيدًا، وأيضًا وسط محاولات التضليل والتيئيس، التي تمارس ضد هذا الشعب، الذي يعاني الملايين منه قساوة ومرارة العيش في مخيمات اللجوء في دول الجوار أو على الحدود، والملايين الأخرى الرازخة تحت وطأة الحاجة والجوع في مناطق سيطرة النظام، إلا أن مسيرة الثورة مازالت مفتوحة، ولن تعلن استسلامها، على الرغم من سوء الأداء الذي وصلت إليه تمثيلاتها السياسية، وعلى الضد من ادعاءات النظام بانتصاره الموهوم على ركام سورية، فإن التساؤل حول مواقف الدول المتدخلة، وهل من آفاق لوقف الصراع واحتمالية انطلاق عجلة الحل السياسي في المدى القريب يبقى مشروعًا.

  • لا تشير المواقف الأولية لاستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة، ما يوحي بأن الملف السوري على جدول أولوياتها، ففي خطابيه اللذين ألقاهما جو بادين حتى الآن، لم يتطرق إلى الوضع السوري، بل ركز على معالجة مشاكل وضعه الداخلي، وترميم علاقات بلاده مع الحلفاء على الضفة الأخرى للأطلسي، والانقلاب على سياسة ترامب تجاه الصين وروسيا، وتلهف العودة إلى الاتفاق النووي والتفاوض حول ملفي إيران الصاروخي وتدخلاتها في المنطقة، ما يعني أن الملف السوري ينظر إليه أميركيًا من خلال العلاقة الأميركية الإيرانية وتحولاتها المستقبلية، بغض النظر عن تصريحات بعض مسؤولي الإدارة التي لا يمكن البناء عليها، وبذات القدر من غير المفيد اعتبار هذا الموقف الأميركي موقفًا نهائيًا.
  • روسيا المتورطة والمستعجلة على حلها السياسي، الذي يتلخص ببقاء النظام مع تعديلات شكلية، لا تمس تحكمه بمفاصل الدولة والمجتمع، والتقدم من العالم بأن هذا الحل هو الذي توافق عليه السوريون، ومن المفيد للمجتمع الدولي التعامل معه على هذا الأساس، لكن سياسة التعطيل التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأقربون، مازالت عائقًا أمام التوجهات الروسية، وتدرك روسيا تمام الإدراك، أن كل ما تحصلت عليه من مصالح وامتيازات على الأراضي السورية ثمنًا لدعمها النظام، لن تكون ثابتة ودائمة إلا إذا اعترف بها الفاعلون الآخرون، كما أنها تدرك أن انهيار الوضع الاقتصادي المتوقع للنظام، سيكون وبالًا على وجودها ومصالحها، وهي العاجزة موضوعيًا عن مد يد العون له، كما صرح سفيرها في دمشق مؤخرًا، ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى جولة لافروف الأخيرة إلى دول الخليج وقمة الدوحة الثلاثية، في محاولة من الروس  في جانب منها لفك العزلة عن النظام، ومده بالمساعدات العاجلة.
  • تبدو إيران مستسلمة أكثر مما هو متوقع لتقييمها بضعف الإدارة الأميركية الجديدة، وأنها في ضوء استراتيجية بايدن المؤقتة، التي تقوم على قاعدتين (الديموقراطية والدبلوماسية)، والاستنتاج أن الخيارات الأخرى مستبعدة، فهي تمارس درجة عالية من سياسة حافة الهاوية، واستخدام الاستفزاز المحسوب ضد المصالح الأميركية في العراق، والامتصاص الصامت لكل الضربات الإسرائيلية المتواترة والمؤلمة لمواقع ميليشياتها على مساحة الجغرافيا السورية، فهي مشغولة  أكثر بترسيخ وجودها الميليشيا وي  على الأراضي السورية، كما أنها تفضل حرب الوكالات المحدودة بعيدًا عن أراضيها على الحروب المباشرة، وهي تراهن وبالتأييد الأوربي، أن تنحصر مفاوضاتها بالملف النووي، وغض الطرف عن ملفيها الآخرين الأكثر أهمية لها.
  • الدولة التركية التي باتت متدخلة بشكل عسكري نوعي وكثيف، وتحالفها مع الفصائل المعارضة السورية المتواجدة في مناطق عملياتها الثلاث( درع الفرات- غصن الزيتون- ونبع السلام)، وحسب المعلن فإن تركيا لن تسمح بقيام أية صيغة لكيان كردي على الأراضي السورية، وهذا كان مشروع حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي تبدد وتجاوزته الأحداث، والثاني ضمان مقعد لها على طاولة المساومات والتفاوض عند انطلاق عجلة الحل السياسي، من أجل ضمان مصالحها الاقتصادية بخاصة في حلب، وفي المآل النهائي ستسير تركيا مع الخيارات الأميركية، وليس مع تحالفها الهش مع كل من الروس والإيرانيين
  • أما إسرائيل التي مثلت دور الحياد تجاه الصراع الدائر في سورية على مدى عدة سنين، قد خرجت على هذا الموقف، وهي تحاول منذ سنوات وبشكل متصاعد منع إيران من التموضع على الأراضي السورية، وفي ضوء التوجه الأميركي الجديد تجاه إيران، الذي تعارضه إسرائيل، فإنها ستمضي على ذات النهج من الضربات الانتقائية والفاعلة، دون التوجه لتغيير قواعد الاشتباك وتوسعة الحرب، لأن الجناح المعارض لمثل هذا الخيار داخل مراكز صنع القرار الإسرائيلي هو الأقوى، نظرًا لصعوبة التكهن  بالتداعيات، التي قد تترتب على مثل هذا الخيار على الضد من الموافقة الأميركية.

أمام ما تبديه لوحة الصراع في سورية وعليها، من توقع ثبات الحال السورية على ماهي عليه، وما تحمله هذه الحال من مآس وأزمات  للسوريين في الداخل، ومن قلق وتشوش في الرؤى عند السوريين في الخارج، يضاف لذلك العجز وسوء الأداء للتمثيلات السياسية المعارضة المعترف بها،  وتبعيتها للدول الداعمة وفقدان الحيلة والركون لحالة الانتظار، جعل من استمرارهم على هذا الحال عبئًا على الثورة، ومبددين لتضحياتها مما أفقدهم الشرعية الشعبية، الأمر الذي يحتم عليهم العودة إلى مسار الثورة، أو الافساح في الطريق أمام بدائل أكثر فاعلية والتزامًا بقضية الشعب السوري وأهداف ثورته.

 إن بالونات الاختبار التي يطلقها الروس ومنها الحديث عن مجلس عسكري انتقالي بديلًا عن هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، هي محض أوهام ضارة بالثورة، ومهما حاول الروس ومن يوافقهم الرؤية من بعض الدول، أن يعيدوا تأهيل النظام وفك عزلته العربية والدولية، وبعضها من الباب الإنساني، فليس هناك من أفق لمحاولاتهم تلك بعد كل ما حصل، بل على العكس من ذلك، فإن المزيد من ملفات الانتهاكات والجرائم ومنها الكيماوي تفتح بتواتر متزايد في وجه النظام.

تحية لأرواح الشهداء

عاشت سورية حرة وابية

دمشق في 18 /3/ 2021

                                                                                     الأمانة العامة لإعلان دمشق 

                                                                            للتغيير الوطني الديموقراطي