بيان 

 الثورة السورية المجيدة في ذكرى انطلاقتها 

  إحدى عشرة سنةً مضت من عمر ثورتنا المجيدة، وما يزال السوريون يؤكدون كلَّ يوم تمسُّكهمْ بأهدافها واستعدادهم للتضحية من أجلها، وأنَّهم ماضون في مسيرتها وهم أكثر وفاءً لقيمها، وأكثر تصميماً على انتزاع حرياتهم وكرامتهم، وإسقاط نظام الإجرام الأسدي الذي تحول إلى وكيلٍ لدول الاحتلال وممثل لمصالحها ومصالح مافياته. 

  إحدى عشرة سنة قدَّم خلالها شعبنا العظيم، ملاحم من البطولة والتضحية والفداء قلّ نظيرها في العالم. وتعرض خلالها لكلّ أهوال القتل والتدمير والتهجير الممنهج، على أيدي التوحش الأسدي والاحتلالين الروسي والإيراني، لكنه ينبري للوعد باستمرار ثورته حتى تحقق أهدافها، رغم كلّ أشكال العجز والإحباط من ” قوى الثورة والمعارضة” الرسمية، والتواطؤ والخذلان من المجتمع الدولي والتخلَّي الأممي، والتي شكَّلتْ على الدوام القاع العميق لاستمرار محنة السوريين وإدخال قضيتهم في متاهات الصراعات الدولية والإقليمية. 

  تأتي هذه الذكرى، في ظلِّ أوضاع دولية وإقليمية بالغة التعقيد، حيث يحتدم الصراع الدولي بين روسيا والغرب، الذي بلغ ذروته بالغزو البوتيني لأوكرانيا. لا شكَّ أن لهذا الغزو انعكاسات كبيرة على العالم والمنطقة وعلى الملف السوري الذي يستخدمه الغرب الآن كورقة في وجه بوتين تكشف جرائمه في سورية. إن الأزمة الأوكرانية يمكن أن تبعد الحل السياسي في سورية وتعزز النفوذ الإيراني، ويمكن أيضاً أن تفتح بعض الآفاق أمام حل القضية السورية، وهذا يتوقف على نتائج هذا الصراع. أما على صعيد المنطقة، فما زال ملف إيران النووي يتحكَّم بملفات المنطقة وبمصير شعوبها، فالتهافت الغربي والأمريكي على توقيع الاتفاق في مفاوضات فيينا، الذي ربما يتعثر توقيعه بسبب الطلبات والشروط الروسية الجديدة لتوقيعه. وقد يطلق يد إيران لاستكمال مشروعها التوسعي في المنطقة. 

  أما على الصعيد السوري فالأوضاع تزداد تدهوراً حيث يمرُّ الشعب السوري بأقسى مراحل تاريخه بعد أن تحولت سوريا على يد عصابة الأسد إلى مجمع لجيوش الاحتلال، ومعسكر دولي لكل أنواع الميليشيات الطائفية والمرتزقة، ووكراً عالمياً لأجهزة المخابرات الدولية والإقليمية، ومركزاً لتصنيع وتصدير المخدرات في العالم. وأصبح الملف السوري من أعقد ملفات المنطقة، يرتبط إلى حد كبير بكل أشكال الصراع الدولي والإقليمي. هناك تجاهل كبير لمحنة السوريين مع نظامهم القاتل وتنكُّرٍ لمأساتهم من قبل المتجمع الدولي، وفي زحمة التطورات والتحالفات تحضر أدوار الفاعلين الدوليين والإقليميين دون أن يكون للسوريين موطئ قدم في زحامها، ويؤدي تشابك المصالح الدولية والإقليمية وتقاطعها إلى بروز كل الأيديولوجيات العصبوية والمتطرفة، المذهبية والعنصرية. وتتصدر شبكات هذه المصالح المشهد من أوسع أبوابه على حساب المشروع الوطني الديمقراطي في بلدان الربيع العربي وخاصةً في سوريا. بعد أن اتفق الفاعلون الدوليون بالشراكة مع أصحاب المشاريع الإقليمية وخاصةً في إسرائيل وإيران على تكريس حالة معممة من الظلم والإقصاء وهدر الحقوق، وإزاحة مطلب الديمقراطية والتحرر عن المنطقة لأجل غير مسمى تمهيداً لولادة شرق أوسط جديد وفق خياراتهم.

  تمرُ بنا هذه الذكرى والأحوال الإنسانية والمعيشية تعمِّق باضطراد حجم الكارثة التي يتقلَّب على جمرها السوريون في كل المناطق، بعد أن أغرقهم النظام وسلطات الأمر الواقع في دوامة من الأزمات التي لا تنتهي رابطةً ذيولها ونتائجها ببعضها، وبات السوريون عاجزين عن تأمين أبسط مقومات الحياة من رغيف الخبز والغاز والوقود والكهرباء والماء والمواصلات، وهو ما شكَّل الصاعق المفجِّر لانطلاقة موجة الاحتجاجات الشعبية مؤخراً في السويداء، وفشل التسويات التي فرضها الاحتلال الروسي في الجنوب السوري. إن انتفاضة السويداء تحيي من جديد بوارق الأمل أمام الثورة السورية لاستنهاض حركة شعبية واسعة في الداخل السوري، تشكل روافد جديدة لها يمكن البناء عليها لمتابعة مسيرة الثورة، وإيجاد حامل سياسي معبر عن صوتها وصورتها، بعد أن سقطت مؤسسات المعارضة الرسمية أسيرة في فخ مصالح الدول وأجنداتها.

في ذكرى ثورتنا العظيمة، نجد لزاماً علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة المفصلية التي تمكننا من وضع الإصبع على الجرح، وبذل أقصى الجهود لإخراجها من عثارها وصعوباتها، ومحاربة أجواء اليأس والتيئيس التي تجلِّلُ بعض مناخاتها، وإيقاف مظاهر الانقسام والتبدُّد التي تهيمن على حواضنها السياسية والاجتماعية. وهذا يتطلب التوقف بشجاعة ومسؤولية عند “قوى الثورة والمعارضة” وأداء مؤسساتها من الائتلاف وحكومته المؤقتة إلى هيئة التفاوض إلى اللجنة الدستورية، التي كانت وبالاً وانحرافاً بيِّناً عن أهداف الثورة وعن تطلعات الشعب السوري من خلال التحاقها بأجندات الدول وتنفيذ إرادتها، وخاصةً في انخراطها بأعمال اللجنة الدستورية، وفي التزامها بمقررات أستانا وسوتشي. إلا أن الخطر الحقيقي آتٍ من هشاشة هذه الأطر وفسادها وتآكل شرعيتها، وهذا ما سبب انعدام الثقة بينها وبين جمهور الثورة على خلفية استسلامها لإرادات الدول المضيفة، وكثرة تناقضات مكوناتها الداخلية، والذي أورثها تراجعاً كبيراً باهتمام المجتمع الدولي من حيث دورها وتأثيرها، وأدخل القضية السورية في حالة من الجمود والإهمال في عيون هذه الدوائر. كما خلقت حالة من التبدد والانقسام في أوساط قوى الثورة وحواضنها ما أدى لارتفاع الأصوات المنددة بالائتلاف وأخواته وتحميلهم مسؤولية التراجع الكبير الذي أصاب القضية السورية، وتنادي برفضه وإسقاطه أو إصلاحه وإعادة بناءه.

  إن إخراج القضية السورية مما هي فيه يتطلب بناء حامل سياسي وطني التوجه والرؤية، ملتزم بأهداف الثورة، وحريص على قرارها المستقل. يرفض اللجنة الدستورية وسياسة الخطوة بخطوة ومشاريع “بيدرسون” المشبوهة، كما يرفض المشاركة بمساري أستانا وسوتشي. يعلن التمسك بقرارات الشرعية الدولية من بيان جنيف لعام 2012 حتى القرار 2254 وبقية القرارات ذات الصلة بالقضية السورية. 

  الشعب السوري يريد مشروعاً وطنياً سورياً جامعاً تنغرس جذوره في الداخل، لتمتدَّ إلى مخيمات اللجوء، وتطاول بلدان المهاجر والانتشار. يستند إلى بنية سياسية وثقافية وفكرية متماسكة ومتمسكة بالثورة وأهدافها دون تهاون، ويشكل رداً على الواقع الصعب والتحديات القائمة. 

كل التحية والفخار للشعب السوري العظيم

عاشت الثورة السورية المجيدة، والنصر لقيم الحرية والكرامة الإنسانية والعدل 

الرحمة لأرواح شهدائنا الأبرار.. والحرية للمعتقلين الأبطال..   

دمشق 15 / 3 / 2022 

                                                                                    اللجنة المركزية 

                                                          لحزب الشعب الديمقراطي السوري