مهما طال الزمن، وكائناً ما كان شكل الحلّ السياسي وحوامله الداخلية والخارجية، تحتاج البلاد إلى مرحلة انتقالية تكون جسراً للعبور إلى سورية المستقبل وممرّاً لا غنى عنه لإخراجها من المحنة الوطنية المتعدّدة الجوانب التي وقعت فيها، وتوفّر شروط وظروف انتقال البلاد إلى دولة جديدة، تكون وطناً حرّاً لكل أبنائها. دولة تحقّق تطلّعات السوريين وتثمِّر تضحياتهم خلال الثورة وما قبلها، من أجل التأسيس لبناء نظام سياسي يحقّق سيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها، ويحترم إرادة الشعب. نظام يوفّر الحريات العامة والخاصة ويحميها، ويصون الحقوق الفردية والجماعية من خلال دولة مدنية ديمقراطية تعدّدية تقوم على مبدأ المواطنة، وتوفّر للجميع الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان والمساءلة. دولة تزدهر فيها جميع فئات الشعب السوري وطبقاته الاجتماعية ومكوّناته القومية والدينية والطائفية والسياسية دون تمييز أو إقصاء، مع تمتّع المرأة بالمساواة التامة وبكامل الحقوق العامة والفردية وضمان إسهامها الفاعل والمكفول قانونياً ودستورياً بجميع الأعمال في مؤسسات الدولة والمجتمع.

المستند الواقعي والقانوني

تستمدّ المرحلة الانتقالية استحقاقها وضرورتها من حجم الدمار الهائل في البشر والحجر الذي تعرّضت له البلاد خلال نصف قرن من حكم النظام الشمولي والدولة التسلّطية القمعية وخاصة خلال العقد المنصرم. والذي أدّى إلى الاحتلال المتعدّد للأراضي السورية من قبل عديد الدول والمليشيات، وما سبّبته من أعمال القتل والتدمير والتهجير والهندسة السكانية والعبث بمقدّرات البلاد، التي جرت بيد النظام وبمعرفته خدمة لحماته الإقليميين والدوليين. مما يتطلّب وقتاً وخططاً وتمويلاً وبرامج عمل وطنية عامة وعيانية محلّية، تعيد الأمر لأصحابه من السوريين وفق إرادتهم وطموحاتهم ومصالحهم في معالجة الأوضاع.

كذلك رسمت القرارات الدولية ذات العلاقة دوراً محورياً لـ ” المرحلة الانتقالية ” في عملية الحلّ السياسي وتعافي البلاد مما وقعت فيه. يبدأ من وقف إطلاق النار الشامل، وينتهي بإجراء الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية، التي تشير إلى ولادة الدولة الجديدة ومؤسساتها وفق الإرادة الحرّة للشعب. نصّ على ذلك بيان جنيف1 بتاريخ 30 حزيران 2012، وهو الأساس الذي بنيت عليه العملية السياسية، وتعزّز في القرارات الأممية اللاحقة. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262 / 67 لعام 2013 – قرار مجلس الأمن الدولي 2118 لعام 2013 – قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لعام 2015.

هيئة الحكم الانتقالي

تبدأ المرحلة الانتقالية بإنشاء ” هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات ” – تستوجب رحيل رأس النظام وزمرته ممّن تلطّخت أيديهم بدماء السوريين – تتولّى قيادة المرحلة الانتقالية. وهي سلطة مؤقّتة توفّر الشروط اللازمة لتمكين السوريين من التعبير عن إرادتهم الحرّة في رسم شؤون حياتهم وتحديد مستقبل بلدهم. ويجب أن تكون شفّافة في عملها وتخضع للمحاسبة.

يتمّ تشكيل الهيئة عبر الموافقة المتبادلة بين الطرفين قوى الثورة والنظام، على أن تتمثّل فيها جميع أصوات مكوّنات الشعب السوري. تخوَّل بكامل السلطات التشريعية والتنفيذية، بما فيها مهامّ الرئاسة والحكومة. وهذا يتضمن المسائل المتعلّقة بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخبارية، مع كفالة استمرار المؤسسات والدوائر الحكومية في عملها.

المهامّ المطلوبة

1-تأمين سيادة الدولة السورية على كامل ترابها الوطني، وصيانة استقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً.

2- ممارسة السلطة العليا في جميع الأمور السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.

3- تمثيل الدولة السورية في المحافل والمنظمات الدولية والإقليمية، والعلاقات الخارجية مع الدول.

4- العمل على انضمام سورية إلى نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.

5- توفير البيئة الوطنية والمناخات المناسبة لعملية الانتقال السياسي ومؤسساتها وإجراءاتها.

6- تصدر الهيئة عند الضرورة تشريعات مؤقّتة لمعالجة جميع القضايا، يكون لها قوة القانون.

7- تأمين وصول المساعدات الإنسانية الطبية والإغاثية إلى المحتاجين في جميع المناطق.

8- تهيئة الظروف الملائمة لعودة جميع السوريين غير المشروطة إلى وطنهم ومناطق سكنهم الأصلية.

9- إدارة جميع مؤسسات الدولة والحفاظ عليها وإصلاحها، وضمان استمرار العمل فيها دون عراقيل.

10- ضمان احترام المبادئ الأساسية للمرحلة الانتقالية، والفصل في الخلافات بين مؤسساتها العاملة.

11- اتّخاذ القرارات والتدابير اللازمة لإخراج القوات والمليشيات المسلحة غير السورية من البلاد.

12- حلّ التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية المتواجدة، ومحاربة التنظيمات المتطرّفة والإرهابية.

13- إعادة النظر بأجهزة الدولة التي تورّطت بانتهاك حقوق الشعب السوري، واتّخاذ الإجراءات للازمة بحقّها من حلّ أو ضمّ أو إعادة هيكلة وتشكيل.

14- محاسبة الأشخاص الذين تورّطوا بانتهاكات لحقوق الإنسان، وارتكبوا جرائم حرب بحقّ الشعب على قاعدة الشفافية والنزاهة والتزام القانون. والحؤول دون بروز سياسات اجتثاث أو أعمال انتقامية.

15- إطلاق نظام للإدارة المحلّية، يؤسس على مبدأ اللامركزية الإدارية، يتضمّن أوسع الصلاحيات لإدارة المحافظات والمدن والبلدات والقرى.

15- تطبيق مخرجات الحوار الوطني، وإجراء انتخابات محلّية وتشريعية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة وفق جدول زمني محدّد، ينهي عمل الهيئة ومسؤولياتها، ويعلن بداية مرحلة جديدة في سورية.

الإجراءات اللازمة

أ-وضع نظام أساسي لعمل الهيئة، يرسم آلية عملها، وآلية اتخاذ قراراتها، وينظم العلاقة بينها وبين المؤسسات الانتقالية التابعة.

ب-وقف العمل بالدستور، وإصدار إعلان دستوري مؤقّت يشكّل مرجعية دستورية وقانونية لها، ويكون دليلاً لعملها خلال المرحلة الانتقالية وحتى إقرار الدستور الدائم. يقرّ ويعمل به فور تولّي الهيئة لمهامّها.

ج-تشكيل حكومة للمرحلة الانتقالية تتولّى إدارة مؤسسات الدولة ومرافقها، وتعمل تحت إشراف الهيئة.

د- تشكيل مجلس عسكري مشترك لضبط الأمن، يعمل تحت إشرافها لإعادة هيكلة وبناء المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية على أسس وطنية. يعيد المنشقين إليها، ويضمّ مَن يرغب من قوى الثورة ضمن تشكيلات وطنية احترافية. يعمل على جمع السلاح وضمان حصر حيازته بيد الدولة.

ه- حلّ مجلس الشعب وتجميد العمل بقانون الأحزاب إلى حين صدور قانون جديد، وفرض الحراسة القانونية على ممتلكات الأحزاب المرخّصة.

و- إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وضمان حرّية عمله واستقلاله.

ز- إعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا، وضمان استقلالها وحياديّتها وحرية عملها.

ح- تدعو الهيئة خلال ستّة أشهر من ولادتها إلى عقد مؤتمر وطني. يتكوّن من الداخل والخارج، يمثّل جميع مكوّنات الشعب وقوى المجتمع المدني والنقابات وشخصيات دينية وسياسية وثقافية وفكرية، تتمتّع بحضور على المستوى الوطني. يتولّى المؤتمر إطلاق عملية حوار وطني شامل ومنظّم بإشراف الهيئة.

ط- يقوم المؤتمر الوطني بدور استشاري للهيئة. ويضع دستوراً جديداً للبلاد، يُقرّ أصولاً باستفتاء شعبي.

ي- تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية. تتولّى تنفيذ برنامج للعدل والإنصاف، يردّ المظالم إلى أهلها ويجبر الضرر للضحايا. وتعمل لتحقيق المصالحة الوطنية مع ضمان المصداقية وعدم المحاباة، لمنع قيام أي أعمال انتقامية أو سياسات عزل أو عقاب جماعي.

ك- تشكيل لجنة للمعتقلين والمفقودين لتولّي هذا الأمر. تضمن الإفراج عن المعتقلين والبحث عن مصير جميع المفقودين والمختطفين، وتقوم بمراقبة مراكز الاحتجاز.

ل- تشكيل لجنة مختصّة لمراجعة جميع القوانين السورية – وخاصة تلك التي صدرت بعد انطلاقة الثورة -ووقف العمل بالقوانين والمراسيم والبنود التي تتعارض مع اتفاق الحلّ السياسي ومهامّ الهيئة.

م- إلغاء القوانين والقرارات والإجراءات التعسفية، وما ترتّب عليها من تغيير ديمغرافي أو ترحيل فردي أو جماعي، وإبطال قرارات وتدابير مصادرة وحجز الممتلكات والتهجير القسري.

ن- إلغاء المراسيم والقوانين الاستثنائية وإجراءاتها المتعلّقة بحقوق السوريين الكرد ومعالجة تبعاتها. وإعادة الجنسية لجميع السوريين الذين جرّدوا منها بموجب الإحصاء الاستثنائي عام 1962 بمحافظة الحسكة، ومعالجة الآثار المترتّبة عليه.

س-إلغاء القوانين التي تتعارض مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وما ترتّب عليها من نتائج وصدر عبرها من أحكام.

ع- حلّ المحاكم الميدانية والاستثنائية ومحاكم الإرهاب وإلغاء أحكامها.

ف-تسجيل المكتومين والذين لم يُسجّلوا في دوائر نفوسهم أصولاً نتيجة الظروف التي مرّت على البلاد.

ص-تشكيل هيئة وطنية لإعادة الإعمار لوضع الخطط والبرامج وإجراء الاتصالات والعلاقات اللازمة.

ق-العمل على عقد مؤتمر دولي للمانحين، وإنشاء صندوق وطني لإعادة إعمار البلاد، وتعويض الأفراد والجماعات والمناطق المتضرّرة.