فريدريك هوف-المجلس الأطلنطي: ترجمة مرقاب

قدم ثلاثة مفكرين بارزين (ج. دوبنز، ف. جوردون، ج. مارتيني) لمركز راند مقالة بعنوان “خطة سلام لسوريا” يقترحون فيها ألا تركز الجهود الدبلوماسية في المدى القريب على قضايا الحكم الوطني وإنما على تحقيق وقف إطلاق نار يمكن أن يفضي إلى ثلاثة مناطق آمنة واحدة لنظام الأسد والثانية للمعارضة والثالثة للأكراد. ومنطقة رابعة تدور فيها المعارك لاستئصال تنظيم الدولة الإسلامية. ويرون أن مفتاح الوصول لهذا النموذج المحتمل من التقسيم المؤقت المستقر للبلاد هو القبول باستمرار الدور السياسي لبشار الأسد.

يفتتح المؤلفون تقريرهم بأن السوريين وبعد خمس سنوات من الصراع الدامي صاروا يقبلون بأن “أي سلام سيكون أفضل من الحرب”، ويقولون بأن “مسألة رحيل الأسد من عدمه يجب أن يتم النظر إليها على أساس نفعي ومصلحي بحت، ويجب على الولايات المتحدة أن تبحث عن أسرع الطرق لإيقاف الحرب”. لكن المؤلفين ما كانوا ليتحدثوا عن المصلحة والمنفعة لو أنهم بينوا دور النظام في انهيار سوريا ونشوء تنظيم داعش.

ومع ذلك يبقى هدف المؤلفين هدفاً نبيلاً: إيقاف الحرب بأسرع ما يمكن. لكن وضعا كهذا سيخلق لنظام الأسد منطقة آمنة تمتد “من الأجزاء الغربية لدمشق حتى حمص واللاذقية وطرطوس وحتى الحدود الغربية مع تركيا على المتوسط”.

وسيحصل كل من الأكراد والمعارضة على مناطق منفصلة لكنها آمنة، وسيبقى وضع الرئيس الأسد محل تساؤل لأجل غير مسمى في الدويلة غرب سوريا التي تحتاج إقامتها إلى موافقة وتعاون واشنطن فهل ستفعل ذلك؟ وهل سيجب عليها ذلك؟

وإيران قد لا تعارض هذه الخطة للتقسيم الجغرافي المؤقت بغرض وقف إطلاق النار وقد لا يكون لديها مشكلة في أن تتحول لحدود دائمة طالما سيسمح لها ذلك بالاستمرار بتهديد إسرائيل ودعم حزب الله.

وربما تكون دويلة الأسد أمرا لا يمكن تجنبه، لكنه لن يكون بلا عواقب أيضاً. وهل ستقبل الإدارة الأمريكية بذلك؟

إن هذا التقسيم لسوريا -والذي من المفترض مثالياً أن يكون مؤقتاً- سيكون معقدا ومحفوفا بالمخاطر باعتراف مؤلفي الدراسة. لكن هل هو حقا أسرع طريقة لوقف إطلاق النار؟

ووفقا لهؤلاء الكتاب الثلاثة: “يجب على واشنطن أن تضمن لموسكو أن نظام الأسد لن ينهار (وهو محور اهتمام الروس) وذلك مقابل وقف لإطلاق النار بين الأسد ومعارضيه وللانضمام للحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية” ولكن، متى كانت روسيا تهتم لضمانات الولايات المتحدة في سوريا؟ وهل شكلت واشنطن من قبل تهديدا حقيقيا لنظام الأسد؟

وبمبراجعة تصريحات إدارة أوباما السابقة، وبالنظر إلى أن روسيا بالفعل قد تدخلت ليس من أجل قتال داعش، وإنما لحماية الأسد، فإن روسيا حقا لا تنتظر من الولايات المتحدة هكذا ضمانات.

ويعترف المؤلفون الثلاثة ضمنيا بذلك: “اذا واصلت روسيا دعمها للنظام والقصف على عناصر المعارضة فيتعين على الولايات المتحدة أن تحافظ على دعمها لقوى المعارضة وذلك يعني استمرار الحرب” طبعا، فمؤلفو الدراسة يفترضون أنه يجب زيادة دعم المعارضة للوصول لنتيجة مع الروس، وذلك يعني حماية المدنيين باسقاط طائرات النظام والطائرات الروسية.

إن روسيا تخاطر بمعاداة العالم السني وجعل نفسها هدفاً للإرهاب، وتقول إنها تريد أن توقف في سوريا ما تعتبره أجندة الولايات المتحدة في الديمقرطية وتغيير الأنظمة، وتخير الولايات المتحدة بين الأسد أو داعش، لتصل لغايات أبعد من ذلك بطريقة انتهازية، ولا تنتظر الحصول على ضمانات من خصمها المتردد، المتناقض، والحيادي.

إن الخيار الإستراتيجي البديل الذي أطرحه منذ عدة أشهر يركز على حماية المدنيين السوريين من الأسلحة التدميرية في الجزء الغربي من البلاد في الوقت الذي يتم فيه قتال داعش في الجزء الشرقي منها، والسماح للمعارضة بإنشاء حكم في المناطق التي تتمكن من تحريرها من داعش، وهذا الحل لا يتطرق لبقاء بشار الأسد من رحيله، فلا يوجد شيء في وثيقة جنيف النهائية (وهي وثيقة هامة لم يتم التطرق لها من قبل المؤلفين الثلاثة) يجبر الأسد على الرحيل قبل تشكيل هيئة حكم إنتقالية من خلال المفاوضات، وحتى بعد ذلك إذا وافقت المعارضة على دور ما لقاذف البراميل المتفجرة، فإنه سيبقى.

فالقضية ليست بشار الأسد بحد ذاته وإنما فيما يقوم به، فهو من يقتل ويهجر المدنيين العزل حتى من مناطق نفوذه ومؤيديه وبسببه ظهر تنظيم داعش.

وقد فعل كل ذلك بدعم من روسيا وإيران.

وبشار الأسد يعيش بالفعل حاليا في منطقة آمنة، فرضها واقع التدخل العسكري الروسي والإيراني بينما يتعرض باقي الشعب للإبادة.

لقد قدم مؤلفو هذه الدراسة ما يرونه طريقا للسلام في سوريا، ولكن لا يمكن لشيء جيد في سوريا أن يحدث طالما أنه يتم استهداف المدنيين، ولن يجدي لإيقاف ذلك تغيير الخرائط والتلاعب بالطوائف والأعراق السورية، كما أنها ليست مسألة ضمانات لأولئك المتواطئين بالكامل في جرائم الحرب. إنما المطلوب هو الدبلوماسية الدؤوبة التي يدعمها التهديد الحقيقي باستخدام القوة.

وطالما أن المدنيين هم الأهداف الرئيسية للأسد ومساعديه من الخارج فلن يكون ممكنا تحقيق أي تقدم باتجاه السلام في سوريا.