يمكن لمقتل الصحفي السوري ناجي الجرف الذي قتل في وضح النهار على يد مجهولين أن يكون حدثًا تشتق منه دلالات كثيرة وإشارات استفهام أكثر، فالشاب القادم من مدينة السلمية التي أبدعت فلسفة من أهم الفسلفات في التراث الإسلامي والذي لم يكن معنيًا بانتمائه الطائفي، ولا بانتمائه المناطقي والذي ربما أريد لاسمه أن يكون رمزًا للبحث عن نجاة السوريين من المقتلة الجماعية، يمكن لهذا الشاب أن يكون نموذجًا نشازًا وسط أقطاب الصراع المهيمنين على ساحته.
ويمكن أن تكون عروبة بركات وابنتها بزيهما المحافظ وعلمانيتهما الصريحة نموذجين لا يروقان للإقصائيين من الطرفين العلماني والإسلامي.
ولأن ناجي وعروبة وابنتها لم يكونوا نماذج عادية فإن مضرمي الفتنة على اختلاف توجهاتهم ومصالحهم يمكن أن يوضعوا في قفص الاتهام، وأن تكون جريمتا الغدر بهم في تركيا مضطرب تأويلات مختلفة وتخمينات متضاربة.
ولكن ما دلالة أن تقتل غدرًا في شارع عام في مدينة غازي عنتاب التركية صبية في عمر الورود لا تملك في أفق النظر خاصتها إلا مشروعًا بسيطًا للتفوق العلمي، ومتابعة مسيرة الحياة بهدوء وبأحلام بسيطة تحلم بها كل فتاة عادية؟
وما دلالة أن تكون غنى والشاب الشجاع الذي ألقى بنفسه في التهلكة دفاعًا عنها موضعًا لاستهداف مراهقين تركيين يحملان كل قابليات الإجرام التي تحولت إلى جريمة موصوفة بشعة متموضعة في قلب غنى وجسد الشاب السوري الذي كاد يضحي بروحه في الدفاع عنها؟.
ما رمزية تجرؤ لصين صغيرين تركيين على شابة سورية لا يمكن لنموذجها أن يلفت نظر أي متهم في جرائم تشبه جريمتي ذبح ناجي وعروبة وابنتها؟
أهو هواننا على العالم كله هو الذي تكثفه جرأة المجرمين الطائشين وتحيله إلى واقع قان يرسمه دم “غنى أبو صالح” ورفيقها؟
أم هو هواننا على انفسنا بعد أن تركنا الساحة ملعبًا لشذاذ آفاق من المتطرفين واللصوص من طرفي الصراع يعبثون بها كما يحلو لهم هو الذي جعل من شبابنا الواعد الجميل الذي تمثله “غنى” بمسيرتها الفردية الناجحة وبرمزية اسمها مطمعًا للمنبوذين على قارعة الطريق من مواطني مضيفنا؟
أم هو استمراء الموت لأرواحنا بعد أن وجدها تقدم بكل سهولة قربانًا على مذبح مصالح سياسية ونزاعات طائفية وخلافات أيديولوجية؟
أهو جبننا عن مواجهته بالتمسك بالحياة بدل الارتماء في أحضانه طمعًا بالجنة والحوريات؟ أم هو جبن الموت الذي أصبح يغافلنا على حين غرة في كل زاوية وكل منعطف؟
يمكن لسؤال النص المقدس عن الذنب الذي قتلت لأجله الموؤودة أن يتسع ونحن بصدد هذه الفاجعة فيصبح قائمة طويلة من الأسئلة:
هل أصبحنا نحن السوريين معادلًا موضوعيًا للفقر لكي تبخل علينا الحياة بالإبقاء على شابة جميلة وواعدة وناجحة بمسيرتها وبطموحها وبدلالة اسمها؟
وهل نحن جميعًا مسؤولون عن هوان شبابنا في نظر قاتليهم فنكون نموذجًا جمعيًا للأب الجاهلي المحتار بين وأد ابنته أو التواري من القوم من سوء ما بشر به؟
ألا نستحق لأجل هذا أن نسأل نحن السؤال التوبيخي قبل أن يسأله قاتلها الفعلي:
غنى أبو صالح: بأي ذنب قتلت؟

رئيس التحرير