في البحث عن عمق تاريخي ضارب في القدم لسورية لا يمكن أن يؤتي بحثك أكله ما لم تعلم أن هذا العمق مسيحيّ، وفي محاولة تلمّس مراحل الازدهار العلمي والثقافي في الشام عبر التاريخ لن تدرك طِلبتك ما لم تستحضر رموزًا مسيحية.

فالمسيحيون هم سكان سورية الأصليون، وقد تجذروا في هذه الأرض، وامتزج عرقهم ودمهم مع ترابها حتى صاروا معها شيئًا واحدًا.

وإذ تعايشوا مع الفاتحين المسلمين فليس في الأمر غرابة؛ لأن الجوهر العميق لرسالة الدينين واحد، فهم إذ يتمثلون رسالة السلام التي حملها المسيح لا يجافون وصية علي بن أبي طالب لأحد ولاته: “الناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.

وإذا كانت الأخوة في الإنسانية مكوّنًا أساسيًا من مكونان الرسالتين السماويتين فهذا ما يجعل الوافد المسلم أخًا للمسيحي الأصيل.

ولا يغير في معنى هذه الأخوة فهم قاصري العقول لعبارة: “إنما المؤمنون إخوة” بعدّها تقصر الأخوة على من يدينون بدين الإسلام، فهذا الفهم لا  يعبر إلا عن جهل بمعاني اللغة العربية التي يتأخر فيها المقصور عليه عن المقصور في أغلب الحالات، فتكون علاقة المؤمنين مقصورة على الأخوة، وليست علاقة الأخوة مقصورة على المؤمنين؛ أي أن الأخوة علاقة يمكن أن تجمع أبناء أديان مختلفة سماوية وغير سماوية، وليس أجدر بعلاقة الأخوة مع المسلمين من شركائهم المسيحيين في الوطن خصوصًا، وأنهم أبناء هذا الوطن الأصليون.

وإذا كان قد دخل في روع بعض المسيحيين السوريين أن ثورة الكرامة -التي لا شك أنهم أجدر من يؤيد مطالبها- قد تحوّلت إلى ثورة متطرفين، فإن هذا البعض المحق في تخوفه مطالب أن يصدح بشعار الثورة السلمية من جديد؛ لكي يساهم في إعادة نقاء هذه الثورة، ويستردها من أيدي سارقيها.

قدمتُ من مقاعد الأزهر أحمل ثقافة إسلامية، وألفيت لدى حزب الشعب خيارًا سياسيًا ديموقراطيًا وطنيًا لا يمكن أن ينكره الدين الحنيف، ولم يغير في قناعتي وجود رفاق من مختلف الطوائف في هذا الحزب، ولا وجود لا دينيين ما دامت الغاية العليا وطنًا واحدًا للجميع يسود فيه القانون وتحكمه مؤسسات تسيّرها ثقافة وآليات ديموقراطية.

وبدل أن يكون جورج صبرا المسيحي الشرقي معوّقًا أمام الانضمام إلى حزب الشعب كانت علمانيته ومسيحيته المنفتحة على الأفق الإنساني حافزين على انضمام الأزهري إلى حزب الشعب الديموقراطي السوري.

وهو الحافز نفسه الذي مثله فايق المير ابن الطائفة الاسماعيلية الذي أصبح بالنسبة لي ولكثيرين غيري أيقونة من أيقونات الوطنية السورية.

ولما كان عيد الميلاد مناسبة لا تغير رمزيتها غياب شخصية المسيح خلف التقديرات الفلسفية، ولا تؤثر في روحانيتها خلافات مذهبية، فإننا نستلهم منها إحساسنا العميق بسوريتنا التي منحنا إياها في الأصل تعايشنا مع إخواننا المسيحيين السوريين.

وفيها نذكرهم أن سوريتنا تختطف على يد غرباء عن رسالة المسيح، نظام مجرم اختطف طائفته ودمر سورية؛ لأجل نزوع سلطوي مرضيّ، ومتطرفين لا ينتمون إلى روح الإسلام، وإن أطالوا لحاهم وقصّروا أثوابهم.

وإذا كنا ننافح عن ثورتنا ضد محتكري الحقيقة المطلقة الذين سرقوها، فإننا نهيب بشركانئا في الوطن في عيدهم أن يساهموا في تنقية الثورة لا بانكفاء يمارسه بعضهم، ونحن نجد له كل العذر، وإنما بترديد أنشودة المسيح وجعلها من أناشيد ثورة الحرية و الكرامة.

لنردد معًا: أنشودة المسيح رسالة حرة على الأرض السلام وبالناس المسرة

فلأناشيد أهل الحق أثر عميق يصمّ آذان المجرمين ويجهز على باقي قوتهم، ويغيب أصوات المشوهين، ويكشف عوار مقولاتهم، ودنس أرواحهم.

رئيس التحرير