ليس الانكفاء إلى الهوية المشاهد اليوم في أمريكا وروسيا -على الرغم من اختلاف الدوافع والمآلات- إلا تعبيرًا عن عجز القيم المرفوعة عبر عقود على التمكن من الاستجابة لحاجات أساسية لدى المجتمع الأمريكي تحديدًا، ولدى النخبة والشعب الروسيين. ولا يعني هذا الانكفاء -كما يقال عادة- انحطاطًا في المنظومة القيمية بقدر ما يعبر عن رد فعل على معاكسة القيم التي جعلت رائزًا للحق والباطل لتطلعات أهملت، وحاجات لم تلبّ. فأسطورة التاريخ الذي تحكمه قوانين حتمية -بما تتطلبه من وأد لقيمة الحرية لحساب العدالة المنشودة-، ثم التبتل أمام رموز رأسمالية بعد سقوط المنظومة التي وعدت بجعل الجنة في الأرض، بما استلزمته من استلاب لآلهة هذه الرموز، كلاهما أثمرا ضياعًا لحقوق أساسية لم يكن ثمة بدّ للسعي لاستردادها عن طريق توسيط البعد القومي المحافظ ...
أكمل القراءة »ضخ الروح في الجسد الميت هو الأمل الأخير
ما كانت قوى الشر التي تقتل أطفالنا لتسرف في إجرامها لولا أنها تُحدث أثرها في موضوع قابل للتأثر بما يحدث فيه. أن يظل الزوجان منهمكين في تدبير أمور حياة لا طعم لها ولا رائحة، بينما يقتصر لقاؤهم الحقيقي على ما تتطلبه الحاجة، في غياب شبه كامل للعاطفة، وللاعتناء الكافي بالطهارة التي لا يسمح بالاهتمام بها الاستغراق في العمل، وما يفعله نقص الاهتمام بها من تلطيخ للروح، وأن تظل شعارات تمجيد القائد تطرق سمعهما ليل نهار، في تكريس لسكون الحياة التي يحلّق في سمائها شبح لا يريانه ولكنهما لا ينفكان عن الشعور الدائم بمراقبته، وسرقته للذة الحياة. أن يحدث كل هذا مع الأنموذج المعتاد لشريحة أكبر من السوريين على مدار عقود الاستبداد الأسدي كفيل بخلق استعداد كامن في غور عميق للتحريض ...
أكمل القراءة »اعتدالنا المتطرف مقابل تطرف ترامب وداعش
في الصورة التي يضع فيها ترامب يده على موضع العفة للفتاة التي تقف إلى جانبه وهو يأخذ صورة في الشارع، بينما يقدم خطابًا مفعمًا بالانتقاص من قيمة المرأة في حملته الانتخابية، وعدا عن الإسفاف الأخلاقي المثير للاشمئزاز في الصورة، فإن للصورة دلالة على اختزال لهذا الكائن في جزء من جسده، يمكن أن يكون عاملًا تفسيريًا للخطاب السياسي الذي تفوح منه رائحة العنصرية الكريهة ضده. وليس الأستغراب من فوزه في الانتخابات إلا تعبيراً عن جهل بديناميات جديدة تعتمل في المجتمع الأمريكي الذي يبدو أنه قد سئم القشرة التحررية ذات الصبغة الإنسانية، التي ناء بحملها كاهله، وكانت سببًا في فصام بين المزاج الأمريكي الأصلي، وبين ما تتطلبه هذه القشرة من ممارسات لا تنسجم مع ذلك المزاج. فهذا المزاج الذي كان العاملان الأصليان ...
أكمل القراءة »في الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيل ياسين الحافظ (تسويق المنتج أهم من المنتج نفسه).
يمكن للمنتج أن يكون مصنوعًا ببراعة، ولا يستطيع مع ذلك اختراق السوق، وهو عجز عن الاختراق يشي بغفلة صانعه عن دراسة السوق التي يقع في مركزها الفحص العميق لطبائع وحاجات المستهلكين، ويليها في الأهمية المكان الذي يراد توضيع المنتج فيه. ومن الأدوات المساعدة في تسويق المنتج الإعلان عنه، ولقدرته على التأثير مقومات: منها أن يكون الإعلان عن المنتج في مكان يراه أغلبية المستهدفين. وأن يصاغ الإعلان بلغة تجذب المستمع. وأن ينتزع منه التصديق بأسلوب مقنع. عندما وقف نبي الإسلام على مكان مرتفع، ودعا الناس إليه حقق المقوم الأول من مقومات نجاح الإعلان، ثم انتزع اعترافًا ممن دعاهم بصدقه وأمانته، ومن ثم أبلغهم بالوحي الذي نزل عليه. حقق النبي شروط الإعلان الناجح عن دعوته، واستطاع على الرغم من رفض الكثيرين في ...
أكمل القراءة »ثورة الحرية في حمأة صراع الهويات
عندما اتخذ قرار العسكرة في إحدى مناطق سورية، اتبع متخذوه نهج التفكير التالي: إذا بقي الحراك سلميًا سيستمر النظام في القتل إلى أن يُخضع الشعب الأعزل، وإذا تحول الحراك إلى مسلح فسوف يذهب الناس في طريق لا رجعة فيه، وسيجبر الوضع بعد مدة من الزمن المجتمع الدولي على التدخل، وإسقاط النظام. وعندما نوقشوا في الثمن الكبير الذي ستأخذه العسكرة من دم الأبرياء كان جوابهم حاضرًا: إن الضحايا شهداء في سبيل الله، وفي الجهاد لا يُسأل عن الثمن. بالطبع لا حاجة إلى التفصيل في عوار هذا المنطق بدالة نتائجه؛ لأنه لا السلمية كانت ستفضي حتمًا إلى انتصار النظام، ولا العسكرة جلبت التدخل الخارجي. إنه النهج الفكري الذي ينطلق من معطى ثابت يوهمه أن ما يعتقده حقًا هو حق لدى الجميع ما ...
أكمل القراءة »لنوصد الأبواب في وجه داعش: افتتاحية الموقع
تلاشى حلم داعش في فتح العالم، ونشر الرسالة انطلاقًا من دابق، وفروا منها لا يلوون على شيء؛ وهم يتابعون مسيرة النهاية التي يبدو أنها صارت ماثلة في الأفق القريب. حفيد العثماني جدد نصره بعد أن جدد عدته، والحالم بدولة الخلافة التي تسود الأرض لم يجسد حلمه؛ لأنه تسربل بجلباب العثماني الذي انتصر في دابق قبل قرون، وحمل سلاحًا أكل عليه الدهر وشرب. واضح أن داعش في طور الاحتضار، وهي نهاية لم يكن يستبعدها كلّ متابع لهذا الوباء الذي تسلل عبر الصحراء في لحظة شاذة من الزمن. ولكن شبكات الثقة التي تُحكم الربط بين الأفراد في مجتمعنا من طائفية وعشائرية ومناطقية والتي استحكمت حلقاتها بفعل نظام الاستبداد الذي ألجًا الناس إلى النكوص أكثر فأكثر إلى أطرهم الضيقة؛ للاحتماء من بطشه، ولمحاربة ...
أكمل القراءة »الاحتلال الروسي بعد أكثر من عام
الاحتلال الروسي بعد أكثر من عام قبل عام مضى وفي الثلاثين من أيلول 2015، بدأت روسيا الاتحادية احتلالها لسورية، حيث أرسلت أساطيلها البحرية والجوية، لتنتهك السيادة السورية، وتحتل بحر البلاد وبرها وأجواءها. تم هذا الاحتلال بإرادة النظام وموافقته ومباركته. وشهد العالم بالصوت والصورة كيف استدعى وزير الدفاع الروسي بشار الأسد إلى إحدى قواعد الاحتلال العسكرية الروسية بطريقة مذلة ومهينة، تُذَكِّر بطريقة استدعاء ” المندوب السامي ” لعملائه ووكلائه في مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية في عشرينات القرن الماضي من أجل محاسبته وتقريعه، وتبليغه التعليمات الجديدة. ومنذ ذلك الوقت، يتصرف الروس داخل سورية وخارجها في الشأن السوري كقوات حماية لبقايا النظام واحتلال لبلدنا. وقد كشفت أخيراً وثائق دامغة هذا الأمر. لم تكتف قوات الاحتلال الروسي بوقف انهيار النظام ومساندته في محاولة ...
أكمل القراءة »الصفر الاستعماري وما تحت الصفر الأيديولوجي
لا يجوز أن تكون مقاربة التدخل الخارجي في ظروف محاربة الاستبداد، محكومةً بحكم قطعي مستند إلى ثوابت أيديولوجية. فرفض التدخل الخارجي رفضًا مطلقًا، والموافقة عليه من دون تحفظ، كلاهما لا يعبران عن موقف سياسي؛ لأن الأول محكوم بثوابت أيديولوجية أكل عليها الدهر وشرب، والثاني يعبر عن انتهازية مفضوحة. ولعل إحدى جوانب القصور في الفكر السياسي العربي هي افتقاره إلى نظرية في التدخل الخارجي؛ بمعنى صياغة أنموذج نظري بمتغيرات تربط بينها علاقات قابلة للتبدل بدالة تبدل الظروف. نظرية قادرة على تزويد المتردد بين الموقفين بقياس للكلف والمآلات بدالّة المصلحة الوطنية. وما مقولة الصفر الاستعماري التي وضعها رياض الترك إلا محاولة جريئة للقبض على شروط أولية لوضع نظرية للتدخل الخارجي. وهي تصلح لوضع هذه الشروط الأولية؛ لأنها جاءت كوصف لواقع حصل بعد إسقاط ...
أكمل القراءة »ثورة الكرامة لا ينصرها إلا المؤمنون
ثورة الكرامة لا ينصرها إلا المؤمنون إن للمشهد السوري سمة خليقة بالاهتمام؛ لأنها يمكن أن تساهم -إلى حد ما- في تفسير كسر العظم الحاصل، وما ينتج عنه من عنف فاق التصورات. السلفية الجهادية التي سرقت الضوء والمشهد؛ لأسباب عديدة، منها ضعف التيار الديمقراطي العلماني، وعجزه عن حجز حيز له في المشهد، ومنها أجندات داعمين يجدون في الإسلام السياسي ذراعًا للنفوذ لا أكثر، والميليشيات الطائفية التي استجلبها النظام، وسيده الإيراني التي تسرف في الجريمة من دون رادع من القوى الكبرى. هذان الطرفان يجمع بينهما قاسم مشترك على الرغم من خلافهما العميق، وهو قاسم مشترك يحيل المعركة إلى عنف عصيّ على الفهم، ما لم يسلط الضوء عليه لإبرازه. فالطرفان ينتميان إلى الإسلام -من حيث المبدأ- وهما يخوضان حربًا مقدسة سعيًا للجنة التي ...
أكمل القراءة »الفودكا ممزوجة بالدم
الفودكا ممزوجة بالدم تفاصيل الاتفاق غير المعلنة بين الروس والأمريكان، تشي بأمر دُبر بين الدولتين، ليس من الصعب التكهن به في ضوء مؤشرات عديدة، أهمها التصريح أن الاتفاق لا يتحدث عن مرحلة انتقالية، ولا عن مصير بشار الأسد. ويُشتق من هذا الإغفال لأهم أولويات المعارضة السورية السماح للنظام بقصف الفصائل المصنفة إرهابية، الأمر الذي يعني الاتفاق على عدّه شريكا في الحرب على الإرهاب. واضح ان الاتفاق يصب في مصلحة الحليف الروسي الذي يريد تعويم الأسد، والاستمرار في تثبيت أقدامه في الشرق الأوسط على حساب تراجع امريكي مقصود، والعودة من بوابة المأساة السورية إلى تقاسم النفوذ على الساحة الدولية. الأمريكي ليس معنيًا إلا بنفض يده من المأساة السورية عبر ترتيب يقع في بؤرته تحقيق تقدم في الحرب على الإرهاب كإنجاز يختم به ...
أكمل القراءة »