كتب المؤرخ والمستعرب جان بيير فيليو صاحب مؤلفات : الثورة العربية, غزة, الجزائر الاستقلال الجديد … , في منبر صحيفة اللوموند, بمناسبة مرور تسع سنوات على انتفاضة الشعب السوري في 15 آذار 2011 ,:

تتعرض منطقة إدلب, المحاصرة من قبل نظام الأسد إلى القذف بالقنابل بصورة منتظمة , ومن المرجح أن تصبح بالنسبة للمسألة السورية دملا أو سبب خلاف ثابت و مستمر ايضا كقطاع غزة بالنسبة للمسألة الفلسطينية.
تسع سنوات مضت على كسر الشعب السوري جدار الخوف والتظاهر سلميا في15 آذار 2011 من أجل تغيير ديمقراطي. وقمع نظام الأسد هذه الانتفاضة آنذاك بصورة وحشية , مع دعم غير مشروط من إيران وروسيا, المنخرطتين إلى جانبه أكثر فأكثر و من سنة إلى أخرى. في حين أن دعم المعارضة المعلن سواء كان غربيا أو عربيا, لم يوفر لها الوسائل الفعالة لمقاومة هجوم الديكتاتورية المعمم , وإسقاطها بالأحرى , فضلا عن أنه فاقم في تجزئة المجموعات المسلحة. كما فتح, رفض أوباما التدخل, بعد مجزرة السلاح الكيميائي في آب 2013 , المجال لسيئة الذكر ” الدولة الإسلامية “, داعش, و من أجل مقاومتها ودحرها عمدت الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تركيز ضرباتهم عليها , تاركين الطيران الروسي يمطر بقذائفه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وعلى هذا المنوال تسير الأمور منذ شهور في منطقة إدلب المطوقة, في الشمال الغربي من سوريا , والتي على وشك أن يتبلور المأزق فيها بالنسبة للمسالة السورية مثلما يتجسد المأزق في قطاع غزة بالنسبة للمسالة الفلسطينية .

وتصف منظمة الأمم المتحدة مأساة إدلب بأنها ” الأكبر في تاريخ الرعب الإنساني في القرن الحادي والعشرين”. ويقطن المنطقة عمليا ثلاثة ملايين ساكن¸ منهم مليون انتقلوا منذ اطلاق الأسد والكرملين هجومهم الشرس في كانون اول الأخير. وأيضا مئات الآلاف من المدنيين الذين كانوا قد اضطروا إلى الهرب على أثر الهجمات السابقة التي شنت رغم اتفاقيات ” مناطق خفض / تهدئة التصعيد ” المعقودة بين موسكو وأنقرة في 2017.
و كانت موجات متتالية من المعارضين مدنيين أو مسلحين, قد اختارت اللجوء إلى إدلب برفقة عوائلها, على أثر مختلف إتفاقيات الاستسلام المفروضة من قبل نظام الأسد , تحت الوصاية الروسية منذ 2016. ومن حينه أصبحت إدلب, ليست فقط المنطقة الأخيرة المستمرة في تحدي الديكتاتورية في دمشق, ولكنها أيضا الملاذ لمعارضة لا تتراجع بالأحرى أكثر من احساسها باليأس. وليس بوسع استراتيجية التدمير المنهجي للبنى التحتية والتي لم توفر المستشفيات ودور الاسعاف, و المطبقة والمصدق عليها من موسكو. بقصد اخضاع التمرد , سوى الزيادة في تفاقم وضع انساني فاجع ومشؤوم .

وكان قطاع غزة قد ولد أيضا من نزاع وضع مصر في مواجهة إسرائيل, ومن بين أمور أخرى , في 1948 – 1949 , وعلى أثره, تواجد ربع السكان العرب على واحد بالمائة من أرض فلسطين التاريخية . وثلثي سكان هكذا “قطاع ” كانوا قد لجؤوا إليه من الباقي من فلسطين. وتستمر هذه النسبة ضمن المليونين القاطنين حاليا في القطاع المحاصر, والخاضع منذ 2007 عمليا , لحصار من إسرائيل ومن مصر. وكان الحاجز الطبيعي الذي تشكله صحراء سيناء قد منع الفلسطينيين من الهروب إلى مصر في عام 1948 , وهكذا أعفيت أو سلمت من موجات اللجوء التي عرفتها الأردن, وسوريا, ولبنان . لكن تركيا التي يعيش فيها الآن 3,5 مليون لاجئ سوري , مصممة اليوم على منع دخول الناجين من الحرب في إدلب إلى أراضيها. والمعتبرين بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة كنازحين ” طالما انهم لم يغادروا سوريا, وهم يعملون المستحيل كي لا يعودوا ويعيشوا من جديد تحت نير الأسد.

ومنذ استتباب الأمر على هذه الصورة , عاد نظام الأسد واسترد مدينة سراقب الاستراتيجية في 2 آذار.
وانسحاب إسرائيل وحيد الجانب من قطاع غزة الذي كانت قد احتلته من عام 1967 إلى عام 2005 , استفاد منه اسلاميو حماس وحولوا المكان منذ ذلك التاريخ إلى منطقة نفوذ لهم , رغم هجمات إسرائيل التخريبية في 2008-2009 , و 20012 و 20014. ويصرح نظام الأسد برغبته في الاستيلاء عل إدلب , لكنه يلجم بالاتفاق المبرم بين موسكو وأنقرة في مطلع 2018 ,والذي وضع حدا لمعركة كسر العظم بينهما , والقاضي باحتلال أنقرة المنطقة القريبة جدا من عفرين . مثل إسرائيل التي رغم محاولاتها إستئصال التهديد الآتي من غزة إستسلمت في النهاية إلى احتوائه فقط , وسوف تكون الديكتاتورية في دمشق بدون شك مكرهة بسبب الحزم والتصميم التركي على قبول استمرار التحدي في إدلب. والنزاعات المتتالية في كلا الحالتين, سمحت للميليشيات المسيطرة بخنق الأصوات المعارضة واستتباب سلطتهم المسلم بها في القطاع المحاصر, لحماس في غزة, ولجهاديي هيئة تحرير الشام في إدلب .
ويتحدث الشباب المتمرد في غزة عن ” كابوس في الكابوس” في وصفهم لحياتهم اليومية تحت سيطرة حماس , على خلفية قذف القنابل والحصار الإسرائيلي. والمعارضون لهيئة تحرير الشام الذين دفعوا غرامة فادحة للقمع في ادلب, فضحها فيديو شارك فيه العشرات المغفلة أسماؤهم في أيلول الماضي . والكارثة الإنسانية مع ضغطها و إضعافها باستمرار سكانا يستقطبهم هاجس البقاء احياء, تسهل من جهة أخرى (وضع اليد) سيطرة المليشيات في غزة كما في إدلب. بدون شك المقارنة ليست واجبة أو عادلة و التوازي المرسوم هكذا بين أزمتين تاريخيتين متبانيتين جدا , يهدف إلى لفت الانتباه على الخصوص إلى الدرس الأليم لهذه الذكرى التاسعة : والتواطؤ الإيجابي أو السلبي مع الممسكين بالتصعيد العسكري على حساب أي شكل لحل سياسي , مما يدفع إلى تكريس/ تعليب مأساة إنسانية جديدة في قلب منطقة مضطربة وغير مستقرة بشكل عميق.
نشر في اللوموند بقلم جان بيير فيليو
ترجمة عبد الحميد الأتاسي