2500الغارديان – التقرير

بعد عدة أيام من المراوغة، أكد مسؤولون أمريكيون موافقة إدارة أوباما على المطالب التركية بإقامة “منطقة آمنة” محمية من قبل التحالف في شمال سوريا؛ في مقابل السماح للطائرات الأمريكية باستخدام قواعدها العسكرية في تركيا لمهاجمة الدولة الإسلامية.

وسوف تمتد المنطقة الآمنة على مسافة 68 ميلًا على طول الحدود بين تركيا وسوريا، من بلدة جرابلس إلى ماريا، وسوف يكون عمقها حوالي 40 ميلًا، وتصل إلى مشارف حلب، ثاني أكبر المدن السورية. وبموجب اتفاق الأسبوع الماضي بين باراك أوباما ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، سوف تعمل الضربات الجوية لقوات التحالف على تطهير هذه المنطقة من مقاتلي داعش.

وقال مسؤولون أمريكيون إن الخطة تشمل سيطرة قوات الثوار السوريين “المعتدلة”، بما في ذلك وحدات الجيش السوري الحر المدربة غربيًا، على المنطقة التي ستحميها التغطية الجوية لقوات التحالف. وتعد هذه المنطقة خارج سيطرة دمشق إلى حد كبير. ولذلك؛ يعتبر خطر وقوع اشتباكات مع قوات النظام السوري أو دفاعاته الجوية ضئيلًا. وعلى أي حال، سوف يطلب من الجيش السوري الابتعاد عن المنطقة.

وقد دفعت حكومة أردوغان منذ فترة طويلة في اتجاه إنشاء منطقة عازلة أو منطقة حظر للطيران داخل سوريا، مماثلة لتلك التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على شمال وجنوب العراق في التسعينيات؛ وذلك جزئيًا لإنشاء ملاذ آمن للاجئين السوريين. وكانت الولايات المتحدة قد رفضت هذا الاقتراح خشية أن تؤدي هذه المنطقة لاشتباكات مع القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وإغضاب حلفائه الإيرانيين والروس.

وما زالت واشنطن ممانعة لاستخدام مصطلح “منطقة حظر جوي”، مفضلة استخدام مصطلح “منطقة آمنة”. وبعد تجاهلهم في البداية لتقارير وسائل الإعلام التركية حول التوصل إلى الصفقة، قال مسؤولون أمريكيون لصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز إن المنطقة المحمية قد تصبح حقيقة واقعة قريبًا.

المنطقة الآمنة المقترحة باللون الأحمر

وقال وزير الخارجية التركي، ميفلوت كافوس أوغلو، خلال عطلة نهاية الأسبوع: “عندما يتم تطهير مناطق في شمال سوريا من التهديد ستكون المناطق الآمنة قد تشكلت بشكل طبيعي. كنا دائمًا ندافع عن إنشاء مناطق آمنة ومناطق حظر الطيران… من الممكن وضع الناس الذين شردوا في تلك المناطق الآمنة“.

وذكرت واشنطن بوست أن المسؤولين الأمريكيين لم يعترضوا على الوصف التركي، وقالت إن الغطاء الجوي لقوات التحالف سوف يعمل على مدار الساعة ضد أهداف داعش.

وسوف يزيد الاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا على إنشاء منطقة آمنة من الضغوط على برلمان وحكومة المملكة المتحدة للسماح بالطائرات المقاتلة البريطانية بالذهاب للعمل في سوريا إلى جانب طائرات أمريكا، كما هو الحال في العراق. وقد أشار رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بالفعل إلى الاستعداد لقتال داعش في سوريا، وعاد ليكرر هذا المقترح يوم الاثنين.

وتأمل تركيا بأن بعضًا من المليوني لاجئ سوري الذين فروا عبر الحدود قد يجدون ملاذًا آمنًا لأنفسهم في المنطقة الجديدة. ولكن حكومة أردوغان حريصة أيضًا على منع الاستيلاء على هذه المنطقة من قبل القوات الكردية السورية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب (YPG) عند إخراج داعش منها.

ويسعى كثير من الأكراد للحصول على منطقة مستقلة في شمال سوريا، يسمونها Rojava (كردستان الغربية)، وهو الطموح الذي تعتبره أنقرة تهديدًا أمنيًا. وقد حققت قوات YPG تقدمًا كبيرًا في الأشهر الأخيرة.

وبدورهم، يشعر الحلفاء الغربيون بالقلق من عواقب الغارات الجوية التركية الأخيرة ضد قواعد حزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق على عملية السلام الكردية بشكل عام. ومع ذلك، يقال إن المسؤولين الأمريكيين أكثر تعاطفًا مع مخاوف أنقرة حيال تحرك القوات الكردية السورية غربًا وسيطرتها على أجزاء كبيرة من الحدود المتاخمة لتركيا.

وقد استخدم أردوغان فرصة الأسبوع الماضي، عندما بدأت تركيا أخيرًا باستهداف داعش بعد أشهر من التقاعس عن العمل، لبدء الهجوم في وقت واحد ضد حزب العمال الكردستاني أيضًا، على أساس أن كلا الفصيلين إرهابيان. وتنفي تركيا أنها تستهدف أيضًا حزب الأكراد السوريين، الاتحاد الديمقراطي (PYD) وجناحه المسلح (YPG)، على الرغم من حادثة القصف على الحدود التي أدت لإصابة مقاتلين من YPG.

وتم اعتقال أكثر من 800 شخص من المتعاطفين مع داعش والنشطاء الأكراد داخل تركيا. ويتهم الساسة الأكراد أردوغان بـ “وضع البلاد على النار” تمهيدًا للدعوة لانتخابات مبكرة، ولمحاولة عكس خسائر حزبه في انتخابات الشهر الماضي.

وقاد هذا بعض المحللين إلى القول بأن الولايات المتحدة وافقت ضمنيًا على الهجوم الجديد ضد الأكراد في مقابل الحصول على تعاون أردوغان ضد داعش، وهو ادعاء لا يزال من المستحيل إثبات صحته. وقال رئيس وزراء تركيا، أحمد داود أوغلو، في مطلع الأسبوع، إن تركيا لن ترسل قوات برية إلى سوريا. وأضاف أن الصفقة مع الولايات المتحدة “غيرت اللعبة الإقليمية“.

وقال الكاتب نوراي ميرت في صحيفة هارييت التركية: “السؤال الآن هو ما إذا كانت الأولوية بالنسبة لتركيا هي الانضمام إلى التحالف الغربي في نضاله ضد داعش أو استهداف حزب العمال الكردستاني في العراق والأوساط السياسية الكردية، بما في ذلك حزب السلام والديمقراطية (HDP) داخل البلاد. والسؤال الآخر هو ما إذا كانت تركيا وصلت لاتفاق مع الولايات المتحدة يمنحها مطلق الحرية في العمل ضد حزب العمال الكردستاني”. وأضاف: “ما هو واضح أن الحكومة التركية فكرت باستخدام هذا التغيير في السياسة كفرصة لقمع الأكراد من خلال إدراجهم في إطار  حربها ضد الإرهاب“.

وقد أدت الأزمة المتفاقمة على طول الحدود التركية إلى قرع أجراس الإنذار الدولية. وسوف يقوم حلف شمال الأطلسي بمناقشة الوضع يوم الثلاثاء، بناءً على طلب تركيا. وبعد تجاهلها لمخاوف التحالف بشأن داعش لمدة سنة تقريبًا، تطلب أنقرة الآن الحصول على الدعم الكامل من قبل التحالف.

وقالت منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، إن جهود تركيا لمكافحة الإرهاب موضع ترحيب، ولكن ينبغي أن تبقى عملية السلام الكردية “على قيد الحياة، وعلى الطريق الصحيح“. وقد أعطت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، رسالة مماثلة لداود أوغلو خلال مكالمة هاتفية يوم الأحد.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على اتصال مع أردوغان في مطلع الأسبوع أيضًا. وتقاوم موسكو وطهران بالتأكيد أي تطور قد يهدد الأسد، وميزان القوى الإقليمي. ومن وجهة نظر هاتين الدولتين، يبدو أن التقسيم الفعلي الإقليمي لسوريا قد بدأ.