دي ميستورا: نشهد حراكاً في العملية السياسية في سوريا… تفاهمات بين «اللاعبين الكبار»
هبة محمد – وكالات

جنيف – دمشق – «القدس العربي»: أبلغ مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا الصحافيين أمس الخميس بأن مسؤولين أمريكيين سينضمون إلى محادثات في جنيف في وقت لاحق هذا الشهر بشأن تشكيل لجنة دستورية سورية في مؤشر على حراك في عملية بدت عرضة لخطر التعطل. جاء كلام دي ميستورا متزامناً مع تفاهمات روسية – تركية وأخرى أمريكية – تركية بخصوص الشمال السوري وبالتحديد في مدينتي منبج وتل رفعت.
إذ يعتزم دي ميستورا أن يجتمع مع مسؤولين روس وأتراك وإيرانيين مطلع الأسبوع المقبل وقال إنه يتوقع اجتماعًا مشابهًا بعدها بأسبوع مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وألمان وأردنيين. وقال للصحافيين «نشهد حراكا وسنسعى للمزيد منه» مضيفاً أنه لا يتوقع انفراجة كبرى.وقال دي ميستورا إن المضي نحو دستور جديد هو «حجر اساس رئيسي لعملية سلام يعاد تنشيطها» لانهاء حرب مدمرة مستمرة منذ سبع سنوات. وقدمت حكومة دمشق قائمة تتضمن 50 اسماً للمشاركة في اللجنة. ولم تتقدم فصائل المعارضة السورية بأي اسماء بعد، واكد دي ميستورا «ضرورة احراز تقدم في ذلك قريبا».
وكانت تعثرت محادثات سلام برعاية دولية في تسع جولات سابقة. وكرر عبارة كثيراً ما استخدمها في مساعيه الدبلوماسية قائلاً انه لا يتوقع «اختراقاً كبيراً» في العملية الدستورية. لكنه اضاف «انا على ثقة بأن العملية ممكنة».

تفاهمات روسية – تركية

توازياً مع المساعي الدبلوماسية، تستكمل على الأرض التفاهمات الروسية التركية لبلورة خريطة الشمال السوري، إذ مهد اتفاق منبج بين الولايات المتحدة الأمريكية وانقرة وفق نموذج الإدارة المشتركة، الطريق أمام اتفاق مشابه في مدينة تل رفعت شمالي حلب، ينص على خروج الميليشيات الكردية من المدينة إلى معاقلها شرق الفرات وتخلي روسيا عن حمايتها، مقابل تولية مجالس مدنية مسؤولية حوكمة المدينة بإشراف روسي – تركي، مع عزل تام لفصائل المعارضة.
تزمناً اتفق عسكريون أتراك وأمريكيون على خطة لتنفيذ الاتفاق بشأن منطقة منبج شمالي سوريا، وأعلنت رئاسة الأركان التركية في بيان لها امس الخميس، أن اجتماعاً انعقد يومي الثلاثاء والأربعاء بين عسكريين من الجانبين في مقر قيادة القوات الأمريكية في أوروبا، في مدينة شتوتغارت الألمانية، مشيراً إلى أن الاجتماع جاء بموجب خريطة طريق «منبج»، والمبادئ الأمنية المدرجة فيها.
وأوضح أن المسؤولين اتفقوا على خطة لتنفيذ الاتفاق، وقرروا تقديم مضمونها للسلطات العليا لكلا البلدين من أجل المباحثات المقبلة.
واعلن المجلس العسكري لمدينة تل رفعت، الخميس، توصل الأتراك والروس لاتفاق حول المدينة، يضمن عودة الأهالي النازحين إلى بيوتهم وإخراج مليشيات النظام السوري و»وحدات حماية الشعب» الكردية كما يمنع دخول فصائل المعارضة، وحسب احد قيادات المجلس العسكري فإن الاتفاق يضع المدينة تحت إدارة مدنية من أهالي تل رفعت بإشراف عسكري مشترك من قبل موسكو وأنقرة.
العقيد أحمد عثمان القيادي في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون أوضح لـ «القدس العربي» ان اتفاق تل رفعت تم بالخطوط العريضة فقط، ويفيد بانسحاب الميليشيات الانفصالية «البي كي كي» و «بي واي دي» من هذه المناطق، فيما يواجه الاتفاق مشكلة لدى المعارضة ومن ورائها أنقرة، حول الطرح الروسي، إذ ترفض موسكو اي تواجد لفصائل المعارضة في تل رفعت ومحيطها، وذلك مقابل الرفض التركي لوجود ميليشيات كردية في المنطقة ذاتها، حيث ترغب موسكو بإدارة عسـكرية روسـية – تـركية فقـط.
وقال المتحدث، ان عرقلة الاتفاق لا بد ان تنتهي بتحديد الجهة العسكرية السورية التي ستكون مسؤولة عن ادارة المنطقة، بالنظر إلى موقعها الجغرافي الهام، وقربها من بلدات «نبل والزهراء» المواليتين للنظام، والتي تسيطر عليهما الميليشيات الشيعية.

صعوبة الحل

وأشار العقيد احمد عثمان إلى ان ما سبق أدى إلى صعوبة الوصول إلى حل وسط بين الاطراف، بيد ان ذلك لا يؤثر على الاتفاق ككل حيث انتهى من صيغته الأساسية وينتظر ان يتم خلال الاجتماعات القريبة المقبلة بين موسكو وانقرة تحديد آلية التنفيذ وانسحاب الميليشيات الكردية والمخطط الزمني، مرجحاً ان يبدأ تنفيذ الاتفاق بعد نحو 10 أيام، أي بعد الانتخابات التركية.
ومن المقرر ان تنسحب الوحدات الكردية من مدينة تل رفعت وقرى «ديرجمال – معرستة الخال – ماير – أبين – حربل – الزيارة – كفرناصح وغيرهم» مقابل عودة نحو 100 ألف نسمة إلى هذه المناطق، قادمين من المخيمات على الحدود السورية التركية، حيث نزح الأهالي إبان معارك خاضتها الوحدات الكردية بدعم جوي روسي في شهر شباط/فبراير 2016، أسفرت وقتذاك عن فرض سيطرة هذه الميليشيات ونزوح جميع المدنيين.
كما يتوقع ان يعود ما بين 30 و40 ألف نسمة من أهالي منبج النازحين إلى بيوتهم حال إتمام اتفاق «خارطة الطريق» المتفق عليها بين واشنطن وأنقرة.
ويرى خبراء ومحللون انه لا داعي للضغط على وحدات حماية الشعب الكردية للخروج من مناطق سيطرتها في تل رفعت، إذ ان رفع الحماية الروسية عنها هو كافٍ بحد ذاته لدفعها إلى الخروج من المنطقة وبأقل الخسائر، كما هو حال انحسار نفوذها في منبج بعد الاتفاق التركي – الأمريكي وقرار خروجها من المدينة.
وكانت وحدات حماية الشعب الكردية دخلت إلى تل رفعت بعد القصف الكثيف من قبل سلاح الجو الروسي، وتمهيد الطريق أمامهم من أجل بسط سيطرتهم على المنطقة، حيث أسفر ذلك عن انسحاب فصائل المعارضة وخروج مئات العوائل من الأهالي المدنيين إلى مراكز الإيواء ومخيمات النازحين، ومنذ ذلك الحين تدير الميليشيات الكردية وتفرض سيطرتها بحماية روسية.
وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية على أكثر من 90 في المائة من ريف دير الزور شرقي نهر الفرات، بحماية من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، فيما يسيطر النظام في شرقي الفرات على نواحي مراط وخشام ومظلوم الواقعة شمال شرقي مدينة دير الزور والقريبة من حقل كونيكو أكبر حقول الغاز السورية، كما يسيطر النظام على جيب في شمال الميادين عند ناحية ذيبان.
ويمتد نفوذ «قسد» على ثلث مساحة سوريا، في منطقة شرقي الفرات المعروفة بغناها بالثروات النفطية، حيث هذه القوات المدعومة من واشنطن بشكل رئيسي، وباريس، تبسط سيطرتها على معظم مساحة محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمالي نهر الفرات، ومعظم محافظة الحسكة باستثناء مركز مدينتي القامشلي والحسكة التي تعتبر مربع النظام الأمني في المنطقة.
كما تمتد قوات قسد التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري في شمال شرقي حلب، شرقي نهر الفرات، ومدينة منبج وجانب من ريفها الواقع غربي النهر، وعدد من القرى الصغيرة جنوب نهر الفرات الممتدة على نحو 65 كيلو متراً بين مدينة الطبقة وحتى مدينة الرقة شرقاً.