نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً يشير إلى أن الولايات المتحدة طلبت من بعض الدول العربية تقديم المساعدة المالية والعسكرية لإحلال الاستقرار في سوريا، وذلك عن طريق تمويل الوجود الأمريكي الراهن شرق نهر الفرات، ثم إرسال وحدات عسكرية عربية تحل محل القوات الأمريكية عند انسحابها. وقالت الصحيفة إن جون بولتون مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي اتصل هاتفياً باللواء عباس كامل مدير المخابرات المصرية، وبحث معه إمكانية مساهمة السعودية والإمارات وقطر ومصر في هذا الجهد.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تصريحات متكررة صدرت عن الرئيس الأمريكي، حول عزمه على سحب القوات الأمريكية المنتشرة في مواقع مختلفة شمال شرق سوريا، وإسناد مهمة «الاعتناء بسوريا» إلى الآخرين. وقد أعاد ترامب تأكيد هذه النية مؤخراً، خلال إعلانه عن الضربة الثلاثية الأمريكية ـ الفرنسية ـ البريطانية التي استهدفت ترسانة ومنشآت الأسلحة الكيميائية للنظام السوري. كل هذا في غمرة معلومات متضاربة حول الأمر، بينها تصريح نيكي هايلي المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي حول بقاء القوات الأمريكية «حتى إتمام المهمة»، وتصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أنه أقنع ترامب بتمديد وجود أمريكا العسكري في سوريا.
وبمعزل عن هذا التضارب يبدو المشروع الأمريكي بصدد الاعتماد على قوات عربية حافلاً بالتناقضات، وغير قابل للتطبيق على الأرض. فمن جهة أولى، لم يتوقف ترامب عن «حلب» الأموال بمئات المليارات من المملكة العربية السعودية، وما زال ينتظر استنزاف المزيد لقاء صفقات الأسلحة التي أبرمت، وبالتالي سوف يصعب على الرياض أن تضخ مليارات إضافية في مشروع محفوف بالمخاطر مثل التدخل العسكري في سوريا. ومن جهة ثانية، لو كانت المملكة تنوي التورط مجدداً في الملف السوري، لما تخلت عن «جيش الإسلام» الذي صنعته ومولته خلال خمس سنوات على الأقل، ولما حرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على طمأنة الأسد بالبقاء في السلطة.
كذلك فإن الرياض وأبوظبي غارقتان حتى الأعناق في المستنقع اليمني، ولا تواصل العاصمتان حصد عواقب الفشل الذريع الوخيمة هناك فحسب، بل دخلتا في تناقض صريح بين مصالح الرياض في الشمال ومصالح أبو ظبي في الجنوب، ومن المستبعد بالتالي أن تستجيبا لمطلب أمريكي يمكن أن يقودهما إلى مستنقع جديد وتناقض لا حاجة لأي منهما به. ثم كيف يمكن لقوات سعودية وإماراتية أن تنسجم مع قوات قطرية في سوريا، ما دام البلدان يصران على مواصلة إحكام الحصار ضد الدوحة وتصعيد خطاب الاستعداء والقطيعة وتعطيل أي جهد عربي أو دولي للتوصل إلى حلول؟ وأما مصر فإن انشغالها في معارك مواجهة الإرهاب على أرض سيناء سوف يشكل ذريعة للاعتذار عن تلبية الطلب الأمريكي، هذا إلى جانب اصطفاف نظام السيسي أصلاً مع الأسد، على المستوى الدبلوماسي وكذلك على صعيد تزويد جيش النظام بمعدات عسكرية مختلفة.
بذلك فالمقترح الأمريكي يبدو أقرب إلى عرض بقالية ترامب شرق الفرات للبيع أو التأجير، ولا يخرج عن قرارات التخبط التي اكتنفت السياسة الأمريكية في سوريا، منذ إدارة باراك أوباما وحتى اليوم.