منهل باريش: اشتعل الشمال السوري مرة أخرى مع إعلان حركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام الإسلامية توحدهما في لواء «جبهة تحرير سوريا»، لتبدأ بذلك جولة جديدة من جولات الحرب ضد «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) والتي يقودها أبو محمد الجولاني.
وتأتي المعركة في سياق إعادة التموضع قبل انتهاء معركة عفرين ووصل منطقة «درع الفرات» بمحافظة إدلب عبر ممرّ قوسي يمتد من اعزاز شرقا إلى ميدان اكبيس (شمال غرب منطقة عفرين)، وصولا إلى ناحيتي راجو وجنديرس فبلدة أطمة الحدودية القريبة الملاصقة لمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

قوة الزنكي وتحالفاتها

تعتبر حركة نور الدين الزنكي أكثر الحركات براغماتية في فصائل المعارضة السورية على الإطلاق، فمنذ تأسيسها حتى الآن دخلت في تحالفات كثيرة واستطاعت مع الاستعصاء العسكري ضم فصائل متعددة أهمها «الظاهر بيبرس» التي يقودها حسام الأطرش، ولواء حلب المدينة الذي خرج من «تجمع فاستقم». كذلك دخلت في تحالف مع «فتح الشام» (جبهة النصرة) ضمن اعتراض على اتفاق أستانة، وشكلت جبهة «تحرير الشام» نهاية كانون الثاني/يناير من العام الماضي. وبعد الحرب التي بدأها الجولاني على أحرار الشام خرج الزنكي من التحالف بسبب ما وصفه بالبغي على أحرار الشام.
ومع الاستقطابات الأخيرة التحق بحركة الزنكي فصيلا «بيارق الإسلام» و«ثوار الشام» العاملان في بلدتي الأتارب والسحارة في امتداد ريف حلب الغربي، الذي تسيطر عليه حركة الزنكي بشكل شبه كامل، ويعتبر «القلعة» الأقوى عسكرياً من بين مناطق الشمال السوري على الاطلاق. الأسباب عديدة، أهمها الجهوية التي تعد العصب الأساسي في تماسك مقاتلي الزنكي، إضافة للموارد الذاتية التي تمكن الحركة من الاستمرار رغم انقطاع الدعم عنها لنحو عامين من «غرفة الموم»، أي الغرفة العسكرية التي يقوم «أصدقاء الشعب السوري» من خلالها بدعم فصائل الجيش الحر. إضافة إلى ذراع أمني ضارب وقوي للغاية منع أي خرق أمني في مناطق سيطرة الزنكي، إذ لم تسجل أي عملية تفجير في مناطقه على الاطلاق، فيما يعيش الشمال السوري منذ طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» حالة فلتان أمني أودت بحياة عشرات القادة العسكريين من فصائل الجيش الحر وخصوصا «فيلق الشام».

الحرب على النصرة

تطورات المعركة والصمت من فصائل الجيش الحر الكبرى (جيش إدلب الحر، جيش النصر، وجيش العزة)، وكذلك «فيلق الشام» المقرب من تركيا، تدلل على أن المعركة غير مدعومة دوليا أو إقليميا بشكل مطلق، وهو ما نفاه قيادي في الجسم العسكري الجديد، جبهة تحرير سوريا.
لكن التصدي لـ«تحرير الشام» بدأ بعد مشاركة فصائل «إدلب» في المعركة في عفرين ودفع قواتها من محور بلدة أطمة باتجاه ناحية جنديرس وقرية دير البلوط الكردية. هناك ساهم الزنكي وأحرار الشام وفيلق الشام بالنصيب الأكبر من مقاتلي هذا المحور إضافة إلى جيش إدلب الحر وجيش النصر. وهو ما يعني رغبة الزنكي وأحرار الشام في استغلال مشاركتها وإرضاء تركيا عبر الانخراط في عملية «غصن الزيتون»، لتحاول تعديل خرائط السيطرة والمعادلات العسكرية في إدلب الكبرى وتحديدا في مناطق متصلة جغرافيا ومحددة مثل أريحا وجبل الزاوية ومعرة النعمان. إضافة إلى محاولة ربط معرتمصرين بكلّ من بنش وتفتناز ورام حمدان وحزانو وهو التصور الأول لأيام المعركة، قبل أن تعود وتخسرها لصالح تحرير الشام نهار الخميس.
التطورات الأخيرة شهدت انخراط قائد هيئة «تحرير الشام» أبي محمد الجولاني في مناطق «خفض التصعيد» بشكل واضح، وانسحابه من قرابة 400 قرية وبلدة في ريف حلب الجنوبي وريفي إدلب وحماة الشرقيين إثر موافقته على دخول القوات التركية إلى نقاط المراقبة الست في مناطق خفض التصعيد (خمس منها في مناطق سيطرة النصرة ونقطة واحدة في منطقة سيطرة الزنكي)، وتسليمه دون قتال لخط حماية يمتد بين 6-10 كم غرب سكة قطار الحجاز، وفتحه طريق حلب دمشق الدولي عبر إقامة معبر في بلدة مورك شمال حماة ونيته فتح معبر آخر في منطقة الراشدين جنوب مدينة حلب.
كل ما سبق أعطى دفعا لجبهة تحرير سوريا بالتحرك لوضع قدم لها في المعادلات الإقليمية، ومنع الجولاني من الاستفراد بالقرار السياسي والاقتصادي في الشمال السوري، وتحجيم دوره في قرار الحرب والسلم والاتفاقات الإقليمية قبل إعادة تدوير جبهة النصرة إلى فصيل أكثر اعتدالا، وقبل وصول طلائع عشرة آلاف مقاتل من «درع الفرات» طردهم الجولاني من إدلب والتحقوا بمناطق درع الفرات والحرب على تنظيم «الدولة» هناك.
في المقابل، كان الهجوم الكبير ضد تحرير الشام قد دفعها إلى الاستقواء بـ«الحزب الإسلامي التركستاني» والمقاتلين الشيشان والأوزبك لصد الهجوم الكبير عليها، إضافة إلى «جيش البادية» و«جند الملاحم» و«جند الأقصى»، وهذا ما سيدفع الهيئة إلى تطرف أكبر إرضاءً للكيانات الأكثر تشددا المؤازرة لها. كذلك سيجعلها أكثر عنفا مع المجتمعات المحلية التي انتفضت ضدها في عشرات القرى والبلدات في جبل الزاوية وكفرنبل ومعرة النعمان، مع تجنب الانزلاق إلى النغمة القديمة المتمثلة بقيام إمارة إسلامية والحفاظ على حكومة «الإنقاذ» التي دفعت إلى تشكيلها كذراع مدني خدمي لإدارة المناطق المحررة.
استعادة المنطقة التي خسرتها تحرير الشام في معرتمصرين ورام حمدان وكفريحمول وحربنوش، وهي المناطق التي سيطر عليها الثوار المحليون وحركة أحرار الشام لعدة أيام، قطع أي أمل لوصل مناطق ريف حلب الغربي بجبل الزاوية، أريحا، ومعرة النعمان. الأمر الذي يعني أن الحرب ستستمر زمنا طويلا، وتعود تحرير الشام لإخضاعها بالقوة شيئا فشيا وخصوصا معرة النعمان التي شهدت حلقات تمرد كبير على النصرة، عسكريا وشعبياً.
التحدي العاجل لـ«الجولاني» هو الحرب على دارة عزة وجبل الشيخ بركات حيث تتمركز نقطة المراقبة التركية، ومن المتوقع أن تكون معركة شرسة جدا هناك، فاستمرار السيطرة عليها من قبل «الزنكي» يجعلها تملك ورقة قوة إضافية في المعادلات الإقليمية المتغيرة. كما سيحسن وضعها مع الجانب التركي باعتبارها نقط انطلاق للحرب ضد «الوحدات» الكردية في عفرين. النتائج الأولية للمعركة ضمنت توسع حركة الزنكي في منطقته الجغرافية غربا وصولا إلى دارة عزة والأتارب وخان العسل واورم الكبرى وريف المهندسين شرقا، ما يعني أيضا أن المعبر الذي سيفتح في منطقة الراشدين جنوب حلب مع النظام سيكون في منطقة «الزنكي» عندما تستعيد «النصرة» ما خسرته في تلك المنطقة.
ربما من السابق استخلاص نتائج من تلك الحرب الآن، لكن حربا غير مدعومة إقليميا أو دوليا ضد جبهة النصرة يعني أن لا تغيير كبيرا في خرائط السيطرة ومناطق النفوذ. لكن سيطرة صقور الشام وأحرار الشام في مناطق داخلية جبلية لا يعني تغييرا كبيرا في المعادلات ضد النصرة، وأن من كسب في تلك الحرب هو حركة الزنكي، بسبب الجغرافيا الحاكمة وقرب مناطقها من مناطق النظام ومناطق عملية «غصن الزيتون»، إضافة إلى سيطرتها على عشرات المعامل التي كانت استولت عليها «النصرة» سابقا، ما يعني تأمين تمويل مضاعف للحركة التي كثيرا ما عانت اغلاق «حنفية» الدعم عنها.