دمشق – «القدس العربي»: أجلت المعارضة المسلحة المئات من عناصرها في ريف دمشق، بعد اتفاق مع موسكو والنظام السوري، قضى بتسليم المعارضة مدينة حرستا في ريف دمشق الشرقي، لقوات لنظام، مقابل سماح النظام السوري لمقاتلي حركة احرار الشام الإسلامية بالخروج بسلاحهم الفردي من مدينة حرستا التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن مركز العاصمة دمشق، إلى الشمال السوري، برفقة الأهالي الرافضين لعقد «مصالحة او تسوية وضعهم» مع النظام، وترافق ذلك مع وقف إطلاق النار وقصف المدينة.
المتحدث الرسمي باسم حركة أحرار الشام الإسلامية منذر فارس أوضح في تصريح خاص لـ «القدس العربي» ان اجتماعاً سابقاً لحركة احرار الشام ووفد مدني من مدينة حرستا مع وفد للنظام وموسكو، انتهى بالاتفاق على خروج فصائل الثوار بسلاحهم مع من يرغب من المدنيين، إلى شمالي سوريا بضمانة روسية، مشيراً إلى ان الاتفاق شمل «تأمين الاهالي الراغبين بالبقاء في المدينة بعد تسوية أوضاعهم مع النظام السوري»، فيما سيبدأ خروج فصائل المعارضة وعوائلهم ورافضي المصالحة إلى مناطق الشمال السوري.
وأشار إلى ان العدد الإجمالي لعناصر الحركة وعوائلهم، والأهالي الرافضين للتسوية، والراغبين بالخروج من حرستا «غير دقيق» فيما قالت مصادر مطلعة ان العدد الإجمالي يقارب 7000 شخص بينهم 1500 مقاتل، ورجحت المصادر ان تستغرق عمليات التهجير أكثر من 48 ساعة.

اتفاقيات مكررة

وازاء هذا الواقع، يبدو ان عملية تهجير أهالي ومقاتلي مدينة حرستا ستمثل بداية انفراط عقد المعارضة المسلحة التي تسيطر على مساحات شاسعة في محيط العاصمة السورية، بما تمتلك تلك المنطقة من رمزية جيوسياسية، ولعل الدليل على عظمة أهمية تلك المنطقة هي إيلاؤها الأولوية على مناطق أخرى في ريف دمشق الجنوبي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة، فضلاً عن كونها حلقة من الحلقات الأخيرة في انفراط عقد الثورة.
وأوضح «فارس» لـ «القدس العربي» ان الاتفاق بين حركة احرار الشام الإسلامية – التشكيل العسكري الذي يفرض سيطرته على مدينة حرستا- وموسكو، ضم في احد بنوده، «تشكيل لجنة مشتركة من أهالي حرستا في الداخل والخارج من أجل متابعة أمور من بقي في المدينة ومتابعة أمور المعتقلين وتسيير شؤون المدينة»، وهي اتفاقية «نسخة طبق الأصل» عن الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع مدن وبلدات الغوطة الغربية قبيل تهجير أبنائها الرافضين للمصالحة، منذ أكثر من عام، حيث لم تخرج تلك البنود عن كونها حبراً على ورق، ولم تضغط روسيا لاخراج أي معتقل من سجون النظام السوري، كما ان تلك المناطق لا تزال ترزح تحت وطأة تهميش واضح من طرف النظام السوري، والضغط من أجل سحب جميع كل من هو قادر على حمل السلاح لزجه على الجبهات المشتعلة.

تصعيد غير مسبوق

مدينة حرستا احدى أكبر مدن ريف دمشق، شهدت خلال الشهر الفائت تصعيداً عسكرياً غير مسبوق بأنواع الأسلحة منها المحرمة دولياً، للضغط على فصائل المعارضة من اجل الموافقة على القبول بأي اتفاق يجنب المدينة محرقة تبيد أهلها، يفضي إلى تهجير أصحاب الأرض من غير رجعة، كأول خطوة في بدء تهجير الغوطة الشرقية وتأمين محيط العاصمة.
ما نشهده من تهجير قسري للدمشقيين في محيط العاصمة بإدارة روسية، واعادة هندسة الخريطة السورية بناء على المصالح الدولية، يجري في ظل مراقبة أمريكية دقيقة، ويوضح أنّ هناك نيّة علنية لدى موسكو في إعادة تأهيل النظام السوري بحجة أنّه شريك في الحرب على الإرهاب، مستخدمة بشار الأسد ونظام حكمه كأدوات لها لا أكثر من اجل تحيين الفرص لاستعجال موسم الحصاد الروسي الذي دخلت موسكو الحرب من أجله. وفي إشارة ضمنية على ان ما يجري شرقي دمشق هو بضوء اخضر أمريكي، قالت وزارة الدفاع الروسية ان وزير أركانها فاليري غيراسيموف ناقش مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد أمس الوضع في سوريا وتحديداً وضع الغوطة الشرقية، للوقوف على متابعة مجريات الأحداث وتبادل وجهات النظر.
ممثل القاعدة الروسية في سوريا، الكسندر إيفانوف قال ان مركز المصالحة الروسي سيستمر في تحييد المدنيين خارج مناطق سيطرة من وصفهم بالتنظيمات الإرهابية في الغوطة الشرقية تمهيداً لتنفيذ الحلول المناسبة برأي موسكو، مشيرا ان حكومة بلاده ستدعم تحرك النظام السوري في عملياته العسكرية المرتقبة برياً وجوياً في مناطق ريف دمشق الجنوبي.
ميدانياً قتل 12 جندياً من قوات النظام وأصيب العشرات بجروح، خلال مواجهات مع فصائل المعارضة على جبهة «الريحان» في الغوطة الشرقية لريف دمشق، وذكر «جيش الإسلام» على لسان المتحدث العسكري «حمزة بيرقدار» أن 12 عنصرًا لقوات النظام قتلوا بألغام م.د (مضادة للأفراد) خلال معارك جبهة الريحان في الغوطة الشرقية، مشيراً إلى تدمير دبابة للنظام، مضيفاً أن عناصر جيش الإسلام تصدوا لثلاث محاولات اقتحام من قوات النظام لجبهة الريحان الواقعة شرقي الغوطة. فيما بلغت حصيلة قتلى الساعات الماضية أكثر من 30 مدنياً بغارات جوية للمقاتلات الحربية الروسية والسورية على مدن الغوطة الشرقية، فيما ارتكب السلاح الجو الروسي مجزرة في مدينة زملكا في الغوطة الشرقية، حيث قتل 15 مدينا في إحصائية أولية بينهم نساء وأطفال.

مقتل 17 طفلاً

ووثقت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» الأربعاء، مقتل 84 مدنياً في يوم واحد نتيجة قصف قوات النظام السوري وروسيا على مدن وبلدات محاصرة في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، وقالت الشبكة في إحصائية لها إن 84 مدنياً بينهم 17 طفلاً وست نساء قتلوا الثلاثاء، جراء قصف لقوات النظام وروسيا على مدن دوما وسقبا وعربين وحرستا وبلدة عين ترما، وأظهرت الإحصائية توثيق مقتل 56 مدنيًا بينهم 14 طفلاً وست نساء في دوما، و18 مدنياً قتلوا في سقبا وأربعة آخرين في عربين بينهم طفلان، بينما أدى القصف على عين ترما لمقتل ثلاثة مدنيين.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن اعدداً كبيرة من المدنيين السوريين غادروا مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية أمس الخميس، وذكر ان حوالي 1500 شخص غادروا المدينة في وقت مبكر من صباح يوم الخميس وغادر 2000 يوم الأربعاء، وأظهر بث على موقع وزارة الدفاع الروسية ما قيل إنه لقطات حية من معبر الوافدين الذي يربط بين دوما والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
بدورها ناشدت الأمم المتحدة الجميع في سوريا من اجل إيصال المساعدة العاجلة للمعالجة الفورية لما وصفه بالوضع الكارثي للأهالي الخارجين من الغوطة الشرقية وعفرين. كما دعت لتيسير الوصول وحماية المدنيين، والطواقم الطبية، ومقدمي الخدمات والعاملين. وجدد الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، دعوته النظام وجميع الأطراف السورية إلى الإسراع بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2401، القاضي بالوقف الفوري للقتال، وفرض هدنة مدتها 30 يوماً لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين. جاء ذلك على لسان المتحدث الرسمي «ستافان دوجاريك»، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، حسب وكالة الأناضول.
وأوضح دوغريك أن «الأمين العام يدعو مجدداً اليوم إلى الوقف الفوري للقتال، واحترام حقوق المدنيين وضمان حمايتهم» مضيفاً «لكن للأسف ما زلنا نواصل رؤية معاناة المدنيين (في مناطق القتال في سوريا). وتابع «لذلك فإن السيد غوتيريش يدعو مجدداً جميع الأطراف المعنية إلى الإسراع بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2401، وهو يريد أن يرى فعلاً سريعاً على الأرض لتنفيذ هذا القرار».
وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع في 24 فبراير / شباط الماضي، بوقف فوري لإطلاق النار في سوريا لمدة 30 يوما، ورفع الحصار عن الغوطة الشرقية بريف العاصمة دمشق، غير أن النظام لم يلتزم بالقرار، وفي مقابل قرار مجلس الأمن، أعلنت روسيا في 26 من الشهر نفسه «هدنة إنسانية» في الغوطة الشرقية تمتد 5 ساعات يوميا فقط، وهو ما لم يتم تطبيقه بالفعل مع استمرار القصف.
وقال المتحدث الرسمي «لا تزال الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ على سلامة وحماية المدنيين في الغوطة الشرقية»، مضيفا يعش « المدنيون في يأس مطبق، وعدم توافر الخبز، أو المياه الصالحة للشرب».
وتابع «لا يزال وصول المساعدات الإنسانية محدودا للغاية. وكانت القافلة الإنسانية الأخيرة قد وصلت إلى الغوطة الشرقية في 15 آذار/ مارس الجاري، حيث قدمت معونات غذائية لنحو 26100 شخص في بلدة دوما.