يبدو الشرق الأوسط الذي لا تنقصه الحروب والصراعات العسكرية والأمنية والسياسية مقبلا على خارطة استراتيجية جديدة من توازنات القوى، مع تسابق روسيا وفرنسا وبريطانيا على حشد تعزيزات وقدرات عسكرية إلى البحر المتوسط تحت عنوان «محاربة الارهاب»، فيما تغيب حاملات الطائرات الامريكية عن المنطقة منذ العام 2007.
فقد أعلنت الرئاسة الفرنسية امس الأول الخميس ان باريس سترسل حاملة الطائرات شارل ديغول للمشاركة في العمليات ضد تنظيم «الدولة»، وذلك في ختام اجتماع دفاعي مصغر خصص للوضع في سوريا والعراق.
وقالت في بيان ان نشر حاملة الطائرات شارل ديغول «تقرر للمشاركة في العمليات ضد داعش والمجموعات التابعة له».
وبهذا الانتشار تتضاعف القدرة العسكرية الفرنسية في المنطقة بانضمام حاملة الطائرات إلى ست طائرات رافال متواجدة في الامارات وست طائرات ميراج في الاردن.
وجاء الاعلان الفرنسي تزامنا مع وصول حاملة الطائرات الروسية «الأدميرال كولاكوف» إلى البحر المتوسط وعلى متنها مروحيات من طراز «كا ـ 27». وتنضم الحاملة إلى قدرات بحرية مهمة لروسيا منها سفن حربية ترابط بشكل دائم وسفن امدادات وحراسات وتجسس. وكانت موسكو ارسلت مؤخرا فرقاطة سلاح المشاة (تسيزار كونيكوف) وحاملة الصواريخ (موسكو) وغير ذلك من احدث قطع الاسطول الروسي للمنطقة، بالاضافة إلى مزيد من الطائرات وتجهيزات الدفاع الجوي في طريقها إلى سوريا.
وفي موازاة هذا السباق دشنت لندن مؤخرا في البحرين أعمال بناء أول قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في الشرق الأوسط منذ عام 1971.
وعلى الرغم من حصول الولايات المتحدة على حق استخدام قاعدة انجيرليك، وارسال اقل من خمسين من قواتها الخاصة إلى سوريا مؤخرا، مع تكثيف القيام بغارات جوية في العراق وسوريا، الا ان هذا كله لم يغير من حقيقة تراجعها فيما تتبدل خريطة القوى في الشرق الاوسط، الذي طالما كان «حديقتها الخاصة» لسنوات طويلة.
وبالطبع لا يمكن تجاهل ميلاد قوى اقليمية جديدة على المستوى الاقليمي مثل اإيران، وخاصة بعد ان اكسبها الاتفاق النووي مع القوى الغربية مشروعية سياسية واخلاقية فيما يتعلق بشؤون المنطقة. وهو واقع قد لا يعجب الكثيرين، إلا انه يبقى واقعا. بالاضافة إلى بروز تبدل في سلوك دول عربية محافظة اصبحت تشارك في حروب خارج حدودها للمرة الاولى، كما هو حال التحالف العربي في اليمن. اما مصر صاحبة اقوى الجيوش العربية والتي اعتمدت طوال 35 عاما على الولايات المتحدة كمصدر اساسي للتسليح فقد اصبحت تنوع في مصادر السلاح، ولا تحتاج إلى اذن مسبق من واشنطن لشن عمليات خارج حدودها كما حدث في الغارة على ليبيا.
انه وقت استثنائي في تاريخ الشرق الاوسط الذي لم يكن يوما اكثر التباسا او ازدحاما بالصراعات والتطورات المتسارعة.
وعلى العكس مما توقعه البعض من ان يؤدي انخفاض التوتر النووي في الاقليم بعد الاتفاق مع ايران إلى خلق بيئة مناسبة للانفتاح السياسي، فان المنطقة اصبحت اقرب من اي وقت مضى إلى نشوء حروب جديدة غير متوقعة. ومثال ذلك التهديدات العسكرية المباشرة التي وجهتها ايران للسعودية مؤخرا على خلفية حادثة منى.
الشرق الاوسط الجديد اصبح الساحة الاكثر سخونة وواقعية لعودة الحرب الباردة او الحرب بالوكالة بين روسيا وحلف الناتو.
ويجمع الخبراء على ان نوعية الحشود العسكرية الروسية توجه رسالة واضحة إلى الحلف بأن موسكو مستعدة لتوسيع الحرب إلى دول اخرى، مثل تركيا او غيرها ان تطلب الامر، بفضل اكثر من مئتي طائرة وقاعدتين بحرية وجوية في سوريا نجحت في تحصينهما تمهيدا لبقاء طويل في سوريا وفي مياه المتوسط الدافئة بغض النظر عن مسار الازمات الاقليمية.
ومن الملفت ان فرنسا وجدت نفسها مضطرة إلى ارسال حاملتها الوحيدة إلى المتوسط لتعويض هذا الغياب الامريكي، فيما اصبح واضحا ان الولايات المتحدة التي لم تمتلك ابدا استراتيجية اقليمية واضحة خلال السنوات الاخيرة، قد فقدت او تكاد، حضورا تاريخيا وتأثيرا تقليديا في توقيت حرج.

رأي القدس