كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

صبحي حديدي

للمرء أن ينتظر زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن، مطلع هذا الأسبوع، حيث من المنتظَر أن يكون أوّل زعيم عربي يلتقي بالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب؛ حتى يتضح المزيد من توجهات الإدارة الجديدة حول شؤون الشرق الأوسط، وشجونه، وبصدد سلسلة الملفات الساخنة بادئ ذي بدء. في المقابل، قد لا يسفر هذا اللقاء العربي الأول مع ترامب إلا عن مزيد من الغموض، أو التضارب والتشويش واختلاط المعطيات؛ لأسباب يمكن أن يبدأ أولها من واقع حال البيت الأبيض ذاته، الرئيس شخصياً ورجالاته، من حيث وضع النقاط على الحروف وتبيان المواقف.
على سبيل المثال، يصل الملك الأردني وسط تأكيدات قاطعة من ترامب، خلال الحملة الانتخابية وبعد التنصيب أيضاً، أنّ الولايات المتحدة سوف تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وستعترف بالمدينة عاصمة رسمية لإسرائيل. في المقابل، كان وزير الخارجية المعيّن، ريك تيليرسون، خلال جلسة الكونغرس للمصادقة على تعيينه، قد تعمّد إشاعة طراز من «الغموض البنّاء» حول هذا القرار. والأرجح أنّ الأمر سوف يُطرح في محادثات عبد الله مع ترامب، سرّاً على الأقل؛ إذا لم تتكفل الدوائر الصحافية المحابية لإسرائيل بإجبار الرئيس الأمريكي على إيضاحه علانية خلال المؤتمر الصحافي المشترك.
كذلك يصل الملك الأردني عشية اعتزام ترامب توقيع أمر إداري يحظر تأشيرة الدخول لرعايا ستّ دول عربية، هي سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن، فضلاً عن إيران. وهذا نذير مبكر على ما ينتظر العالم العربي، والإسلامي، من إجراءات مماثلة تترجم، في كثير أو قليل، روحية التعهدات العدائية تجاه العرب والمسلمين، والتي قطعها ترامب خلال الحملة الانتخابية، وكان بعضها بمثابة روافع شعبوية حاسمة رجحت فوزه.
ولأنّ بعض رعايا هذا العالم، العربي والمسلم، هم أبرز ضحايا استخدام التعذيب أثناء التحقيقات التي تجريها أجهزة الأمن الأمريكية؛ فإنّ تقلّب آراء ترامب حول هذا الأمر يشكّل، بدوره، وجهة ليست محدودة الأهمية في التكهن حول قراراته المستقبلية الخاصة بالمنطقة. خلال الحملة كان قد تعهد بترخيص استخدام «تقنيات» التعذيب، التي سعى سلفه باراك أوباما إلى حظرها أو الحدّ منها على الأقلّ؛ لكنّ وزير الدفاع الجديد، الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، أوحى بأنّ الجيش الأمريكي لن يلجأ إليها. ومؤخراً، خلال مؤتمره الصحافي مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أعلن ترامب أنه أعطى ماتيس ـ «جنرال الجنرالات»، كما أسماه مادحاً ـ تفويضاً تاماً باتخاذ ما يراه مناسباً في هذه المسألة، حتى إذا خالفه الرئيسُ الرأي!
كذلك أشاع ترامب مناخاً من البلبلة في الموقف من الملفّ السوري، حين تحدث، بنبرة جازمة تماماً، خلال حوار مع قناة أمريكية كبرى: «إنني قطعاً سوف أقيم مناطق آمنة في سوريا»؛ لأنها «أداة» ضرورية للحدّ من تدفق اللاجئين إلى أوروبا والبلدان المجاورة، وهذا كان «كارثة». صحيح أنّ البنتاغون نفى تلقّي أوامر بهذا الخصوص، لا من البيت الأبيض ولا من وزير الدفاع؛ وأنّ موسكو أعلنت، بلسان ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنّ واشنطن لم تتشاور معها حول نيّة كهذه؛ وأنّ كلام ترامب، في الليل، قد يمحوه نهار اليوم التالي إجمالاً… إلا أنّ التشوّش حدث، في كلّ حال، وبوّابة التكهن والتكهن المضاد فُتحت على مصراعيها.
هذه بعض المعايير الأولى، ولكن المبدئية، التي يمكن انتظار أيّ مقدار من العزم أو الجزم، في طريق حسمها، قبيل اتضاح عناصرها الفعلية؛ وبالتالي انتظار تحوّلها إلى معايير عملية تتيح انكشاف الحجاب عن سياسات ترامب المستقبلية في المنطقة، معظمها أو بعضها، خاصة وأنّ الملفات ساخنة مؤثرة. وذاك انتظار لن يطول، وهو لناظره قريب وشيك.