قبل أن يغادرنا عام 2017 بأيام، انطلق ما أعتبره البعض ربيعا إيرانيا. متظاهرون في مدينة مشهد المقدسة، ثاني أكبر المدن الإيرانية بعد طهران العاصمة، يهتفون بسقوط رئيس الجمهورية ويحرقون صوره وصور المرشد الايراني. وفي ذلك دلالة خطيرة بالنسبة لبلد محكوم بطبقة ثيوقراطية من رجال الدين، تمسك بمقاليد السلطة منذ أربعين عاما بقبضة حديدية.
انطلقت شرارة المظاهرات من مدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة، لأنها تضم ضريح الإمام الثامن علي بن موسى الرضا، فقد امتلأت شوارعها بمئات المتظاهرين الهاتفين «الموت لروحاني»، «الموت للديكتاتور» ففي يوم 28 ديسمبر خرج المتظاهرون احتجاجاً على البطالة والفقر الذي فشل الرئيس روحاني في تحقيق وعوده الانتخابية بالقضاء عليها. فهل نحن ازاء ربيع ايراني مقبل يهدد بإطاحة النظام؟ وهل تشبه مظاهرات اليوم مظاهرات 2009 التي عرفت بالثورة الخضراء؟ كيف تعاملت الحكومة مع المتظاهرين؟ وما هي ردود الفعل الإقليمية والدولية على المظاهرات الإيرانية الاخيرة؟
انطلقت شرارة الاحتجاجات نتيجة لتصريح حكومي سبقها بحوالي اسبوع، حيث أعلنت الحكومة نيتها زيادة أسعار الوقود والخبز وعدد من المواد الغذائية الأساسية للمواطن الإيراني، الذي يعاني أصلا من وضع اقتصادي خانق، حيث ذكر مركز الإحصاءات الإيراني في تقريره الأخير لعام 2017 إن نسبة البطالة في جمهورية ايران بلغت 12.4% خلال السنة المالية الجارية، ما يمثل ارتفاعا بمقدار 1.4% عن معدلها في العام الماضي، كما أن هناك نحو 3.2 مليون عاطل عن العمل في إيران من شريحة الشباب في سن العمل.
ومع إلقاء القبض على العشرات من المتظاهرين، حيث ذكرت وسائل الإعلام ان عدد المعتقلين وصل إلى 100 شخص، أطلقت الحكومة الايرانية اتهاماتها الجاهزة في توصيف المحتجين متهمة اياهم بأن هناك مؤامرة أمريكية صهيونية تحركهم، ونقلت وكالة الأنباء الطلابية، وهي وكالة شبه رسمية، عن محمد رحیم نوروزیان حاكم مدينة مشهد قوله «رغم إن المظاهرات غير قانونية، لكن الشرطة تعاملت مع الناس بتسامح». وأضاف «أن عددا من المحتجين اعتقلوا بسبب محاولتهم إلحاق أضرار بممتلكات عامة».
أشار عدد من المراقبين إلى تشابه ما يحصل في الاحتجاجات الحالية وما حصل في الثورة الخضراء عام 2009، لكن خالفهم الرأي عدد أكبر من المحللين المختصين بالشأن الإيراني، حين ذكروا أن محرك احتجاجات 2009 كان سياسيا بالمقام الاول، حيث خرج المتظاهرون احتجاجا على التزوير الحاصل في الانتخابات البرلمانية لصالح حكومة أحمدي نجاد، بينما نجد أن الاحتجاجات الحالية يقف خلفها بشكل أساس المحرك أو الدافع الاقتصادي، كما أن القمع كان شديدا إبان الثورة الخضراء، وقد عزي ذلك الى كون المحافظين هم من كان في سدة السلطة، وهم معرفون باتباع سياسة العصا الغليظة تجاه معارضيهم، بينما الحاصل اليوم ان كتلة الشباب التي دعمت الرئيس روحاني وكتلة الاصلاحيين في الدورة الرئاسية الاولى التي فاز بها، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي للتحشيد لصالح الاصلاحيين، باتوا يشعرون اليوم بالإحباط مما وصل إليه سوء الاحوال الاقتصادية، لذلك لجأ الشباب للشارع للانقلاب على الإصلاحيين والخروج في مظاهرات لإسماع صوتهم، الأمر الذي اعتبره المراقبون سيئا للرئيس روحاني، الذي يفقد قاعدته الشعبية، ويجب ان يتخذ حلولا حقيقية لكسب مناصريه من جديد.
ولفهم رد الفعل الأمريكي تجاه ما يحصل، يجب أن نقارن ما حصل إبان الثورة الخضراء وما يحصل اليوم، حيث يمكننا ملاحظة أن موقف إدارة أوباما، الذي لم يمض على رئاسته حينها سوى عام واحد، كان مترددا وسلبيا تجاه المظاهرات، ولم يرغب في التدخل في الشأن الداخلي الايراني، وقد أشار المراقبون حينها الى السبب الكامن وراء ذلك، وهو محاولة إدارة أوباما تصدير صورة إيجابية للعالم الإسلامي قائمة على الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تعاني اضطرابا، بينما نلاحظ تصرف إدارة ترامب اليوم وكأنها مجلس حرب، فالتصريحات نارية منذ اللحظة الاولى لانطلاق المظاهرات، بل حتى قبلها، حيث أشار المحللون الى تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريك تيلرسون في شهر يونيو الماضي أمام الكونغرس الأمريكي حين قال، «إن سياسة أمريكا تجاه إيران ترتكز على دعم القوى الداخلية من أجل إيجاد تغيير سلمي للسلطة في هذا البلد». كما دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي بول رايان إلى دعم المتظاهرين السلميين في إيران، الذين اتسع نطاق تظاهراتهم الاحتجاجية على سياسات الحكومة الإيرانية، ووصلت إلى العاصمة طهران ومدن أخرى، أبرزها قم أهم مركز ديني في البلاد. وقال رايان في تغريدة على تويتر، إن احتجاجات الإيرانيين هي «نتاج نظام يركز على دعم المنظمات الإرهابية بدلا من التصدي لمشاكل مواطنيه».
أما التصريح الأخطر، فقد جاء على لسان الرئيس الأمريكي ترامب عبر تغريداته على حسابه بموقع تويتر، التي تضمنت لقطات من خطابه الأخير بالجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حين قال «العالم بأسره يدرك أن شعب إيران الطيب يرغب في التغيير، وإن أكثر ما يخاف منه قادة إيران بخلاف القوة العسكرية الكاسحة للولايات المتحدة، هو الشعب الإيراني». وأضاف «الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستمر للأبد. وسيأتي اليوم الذي يواجه فيه الشعب الإيراني خيارا. العالم يراقب!».
وكان لضغوط الرئيس ترامب تحديدا دور كبير فيما يحصل اليوم، نتيجة عرقلته الاتفاق النووي والسعي لإلغائه، ما أدى الى تراجع الاقتصاد الايراني وهذا ولّد السبب الاساس لاحتجاجات اليوم، وكان رهان ادارة روحاني على الانفراج المقبل بعد توقيع الاتفاق النووي، كذلك يجب الا ننسى الاعباء الاقتصادية التي فرضت على ايران نتيجة تورطها في الحرب السورية، ودعم حزب الله اللبناني والحركة الحوثية في اليمن، وكل ذلك أدى الى الضغط على أداء الاقتصاد الايراني حتى وصل الى عتبة الانفجار، فكانت الهتافات تطالب الحكومة بالكف عن التورط في النزاعات الخارجية، والتركيز على الشأن الايراني الداخلي.
لم تقف الحكومة مكتوفة اليدين، كما حصل في احتجاجات الثورة الخضراء، حين اكتفت باستخدام قمع قوات الامن للمظاهرات، التي كادت تفشل في تحقيق انتصار واضح، لولا تدخل قوات البسيج والحرس الثوري حينها، حيث استخدمتا القوة المفرطة التي وصلت حد قتل المتظاهرين، لكن هذه المرة كان هناك ما يمكن اعتباره خطوات استباقية اتخذتها الحكومة، تمثلت في حشد التيارات المؤيدة لولاية الفقيه ولسياسة الحكومة منذ البداية، فبعد مرور يومين فقط على اندلاع التظاهرات، قامت الحكومة بإطلاق تظاهراتها المضادة في 120 نقطة في جميع المدن الايرانية، فيما عرف بمراسم احياء ذكرى ملحمة 30 ديسمبر، والانتصار على ما سمته وسائل الاعلام الايرانية الرسمية «مؤامرة الفتنة الامريكية – الصهيونية عام 2009، الذي مثل انقلابا دوليا للاطاحة بالجمهورية الاسلامية».
وقد عبر البيان الذي تمت قراءته في أهم ساحات الاحتفال الحكومي يوم 30 ديسمبر في جامع الامام الخميني بطهران «ان يوم الله الثلاثين من ديسمبر هو يوم تجلي القدرة الالهية امام الفتنة الامريكية – الصهيونية الكبيرة ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، وهو يوم استعراض قدرة النظام الاسلامي المعتمد على الشعب». ولكن ولأضفاء نوع من الجدية في التعامل الحكومي مع الأزمة الحالية أورد البيان إشارات أكدت على «ضرورة الاهتمام الجاد من جانب المسؤولين بحل مشاكل الشعب المعيشية، ومكافحة التضخم المتزايد». مع التشديد على أننا «ندين بشدة اي نوع من الفتنة بذرائع فارغة وخادعة، تصب في مسار مناهضة الثورة، ومواكبة أجهزة الاستخبارات لامريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني الغاصب للقدس الشريف».
فهل سيتمكن المحتجون من الصمود أمام سيل التكفير والاتهام بالخيانة الذي تصبه عليهم الحكومة، بالاضافة لهراوات الشرطة والقنابل المسيلة للدموع؟ هذا ما سنقرأه في الايام المقبلة.
كاتب عراقي