دمشق – «القدس العربي»: شكلت ضواحي وأرياف العاصمة السورية دمشق، مسرحاً هاماً للمشروع الإيراني الهادف إلى تأسيس حزام شيعي في العمق السوري مستخدماً لذلك الظروف الملائمة التي أوجدها النظام السوري خلال مرحلتي حكم الأسدين، الأب والابن، فلم تكن الرمزية السياسية لضواحي العاصمة فقط، هي ما يقلق الجانب الإيراني، فقد أدرك خطر الثقل الذي تشكله الحاضنة السنية في الغوطة التي يناهز تعداد أهلها اكثر من 400 ألف نسمة، وما تحمله من عمق للسنّة في دمشق، يعرقل المد الشيعي ويقف حجر عثرة امام تحقيق الهلال المنشود الذي يمتد من ايران للعراق ويصل إلى البحر الأبيض المتوسط، فيما يرى الدمشقيون محاولات نشر التشيع امتداداً مذهبياً للاحتلال الفارسي الإيراني.
ورغم اعتقاد البعض بأن الثورة السورية جمدت التمدد الشيعي في غوطة دمشق، إلا أن المرحلة التي اعقبت تهجير مقاتلي المعارضة السورية وعائلاتهم من الغوطة الشرقية، أظهرت المساعي الإيرانية والمخططات التي يقودها حزب الله والتي عادت إلى العمل بآليات مضاعفة عن تلك التي كانت تستخدم قبيل اندلاع الاحتجاجات في البلاد.
مصادر محلية تحدثت لـ «القدس العربي»، عن عودة مظاهر التشيّع إلى التكتل السني الأبرز على المشارف الشرقية للعاصمة، التي انتزعت قوات النظام السوري السيطرة عليها، عقب اتفاق التهجير الذي أدى اخراج مقاتلي المعارضة لدى جيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام وعائلاتهم إلى الشمال السوري.
بلدة «حتيتة التركمان» في الغوطة، حيث تمكن حزب الله اللبناني عبر جهات محلية على تشييع عشرات العائلات فيها، عبر سيدات سوريات معتنقات للمذهب الشيعي أقمن حلقات أهلية مهتمة بدعوات التشيع، وفي هذا الاطار قال المعارض السوري «يوسف البستاني»، لـ «القدس العربي» بأن ظاهرة «الغزو الطائفي» للغوطة الشرقية تستهدف بلدة «حتيتة التركمان» والعديد من البلدات المحيطة فيها بالضواحي القريبة، وصولاً إلى بلدة «المليحة» التي كانت قبل اندلاع الثورة السورية مركزاً رئيسياً لإيران وحزب الله اللبناني بنشر التشيع.
البستاني، الذي يتحدر من الغوطة الشرقية، تحدث بأن هذا المشروع بدأ بالتصاعد منذ عام 2006، وكانت الأداة المستخدمة لتذليل العقبات أمام المشروع، هي «أحاديث المقاومة والممانعة»، مما أدى إلى خلق الأرضية والمناخ المناسبين لذلك.
في شهر تموز- يوليو الماضي، رُفعت في بلدة «المليحة»، لوحة ثلاثية كبيرة للأمين العام لـ»حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، وإلى جانبيه صورتان أصغر لبشار وماهر الأسد، فوق بوابة جامع المليحة الكبير. وأثار وضع تلك الصورة، وفق ما نقله «صوت العاصمة»، بلبلة بين سكان المليحة الأصليين، وتدخل بعض الوجهاء كوسطاء، فتم نقل اللوحة إلى الطرف الأيسر من واجهة الجامع، بحيث تُطلُّ على الساحة الرئيسية للبلدة، من دون أن ينتقص ذلك من رمزيتها، إذ لم يجرؤ الوجهاء السُنّة على الاعتراض على وضع الصورة فوق بوابة الجامع إلا لأن ذلك «حرام شرعاً»، لا على رمزية الصورة.
وبدأت الرغبة العلنية في تشيع سكان بلدة المليحة، تظهر مع افتتاح مكاتب عقارية، تخصصت في إدارة عمليات بيع وشراء العقارات بين السُنّة والشيعة، لتنظيم عمليات تمليك لسكان شيعة، أصولاً.
وشهدت الحركة الأخيرة، وفق ذات المصدر، بيع السنّة لعقاراتهم نشاطاً واسعاً، خلال السنوات القليلة الماضية، وعمليات التملك زادت من أعداد الشيعة في المدينة، وبدأوا بترميم ممتلكاتهم بعد استيلاء النظام عليها. ومن خلال علاقاتهم القوية مع النظام، تم تخصيص 200 مليون ليرة سورية من الحكومة كدفعة أولى لـ»إعادة تأهيل» البلدة، ليتم افتتاح البلدية و»الفرقة الحزبية» ومخفر الشرطة.
الباحث السياسي السوري وائل الخالدي، عقب على ما يحاك في الغوطة الشرقية، بأن طهران استفادت من تجربة حزب الله في لبنان عبر استغلال الضواحي للعواصم الناقمة بطبعها على الفارق الطبقي مع المدينة وتأطيرها وأدلجتها لاستخدامها سياسياً لاحقاً وحتى عسكرياً وإعادة انتاج ما يسمى بالثورة الخمينية.
وأضاف الخالدي لـ»القدس العربي»، كما حدث في «احتلال» حزب الله للعاصمة بيروت في 7 أيار الشهير، وكما حصل في اليمن مع الحوثيين، وكذلك ما حصل في بغداد قبل هذا كله، ايران تعد وتجهز آلية في حال خروجها العسكري من سوريا، يفرض واقع سياسي وآيديولوجي وعقدي يحفظ له مكاسبها وقدرتها على التحكم بمستقبل الدولة التي احتلتها، عبر آليات مستقبلية تعتبر ديمقراطية وشرعية، تماماً كما يحدث بانتخابات لبنان، حيث تسيطر الأقليات الشيعية على كامل قرار الدولة».
الاحتلال الديني لأهالي ضواحي العاصمة دمشق، من منظور الباحث المعارض، يندرج تحت أسلوب فارسي قديم اعتمدته طهران، وهو التهديد والتخويف وبعدها الوعيد بالسعادة الأزلية، والغريب أن هذا الأسلوب نفع تلك الدولة التي امتد حكمها من العراق إلى المغرب العربي، وتقوم ايران باستخدام الاسلوب نفسه بتخويف الشباب الذين كبروا خلال الثورة السورية، ولم يتلق أغلبهم التعليم اللازم، وتخوفهم بالسحب الاحتياطي او الاعـتقال.
ويبدو حزب الله وفق المصادر، يولي اهتمامه الأكبر للعاصمة دمشق وضواحيها، في ظل سيطرة قواته شبه الكاملة على جنوب دمشق، ودخول مدينة داريا وغيرها من مدن غربي دمشق تحت نفوذه، بالإضافة إلى انتشاره الواسع في الريف الملاصق للأراضي اللبناني، ما يجعل المد الشيعي قاب قوسين أو أدنى من إحكام قبضته على العاصمة السورية، مقابل انهيار السور السني للعاصمة دمشق.