لأربعة أيام متتالية تستمر المظاهرات في مدينة السويداء. مظاهرات شعبية تحمل سمات الثورة السورية وطبيعتها وأوصافها، وتذكر ببدايتها عام 2011. حيث الاعتصامات السلمية والأناشيد الوطنية والشعارات السياسية التي طالما ترددت في جميع المدن السورية خلال السنوات الماضية من عمر الثورة. غير أن لهتاف جماهير السويداء ” عاشت سورية ويسقط بشار الأسد ” طعمًا آخر ونكهة مختلفة هذه الأيام. طعم يلامس البطولة الناصعة، التي تتقنها أرض جبل العرب بشيبها وشبابها، ويعلن استمرار الثورة وتجددها بإضافة نوعية من أرض عزيزة، هي حصن تاريخي للثورة والحرية والكرامة. خاصة وأن ذلك يأتي في زمن الموجة الثانية للربيع العربي في لبنان والعراق والجزائر والسودان.
  لم تنطلق المظاهرات من الجوامع حتى يتهمها النظام وأزلامه بالتطرف والطائفية. وليس بمقدوره أن يتحدث عن الأيدي الخارجية وسفراء الدول والمال الخليجي، التي تصنع الحدث وتشجع عليه. هو الصوت الوطني لثورة السوريين بأبهى مظاهره. رغم أنه مثقل بالصعوبات الاقتصادية والأحوال المعيشية الصعبة للناس. غير أنه يقبض على الجمر، وينبعث من جديد بنفس الهدف ” الشعب يريد إسقاط النظام ” دون تورية أو مواربة. ويهتف ضد الوجود الإيراني المحتل. وزيادة في الدلالة على جوهر التحرك وانتمائه وأهدافه، حمل المتظاهرون علم الثورة الأخضر؛ علم الاستقلال بنجومه الثلاث الحمراء في ساحات السويداء التي تحاكي هذه الأيام سويداء القلب.
  ما أسرع ما تجاوب شباب الثورة في مختلف المناطق السورية مع هدير الرجولة القادم من الجنوب. فرددت صداه طفس من درعا، وإعزاز وحي الجميلية من حلب، وإدلب الثورة وحمولتها الغنية والراسخة، وأعاد السوريون داخل البلاد وفي مواقع الانتشار والشتات الحفاوة به بروح من التضامن والاعتزاز بانتفاضة الجبل، التي تشكل رافداً منتظراً وإضافة نوعية لثورة السوريين وإرادتهم المستمرة في إسقاط النظام وإخراج الغرباء وبناء سورية الجديدة.
  من المؤكد أن النظام لن يسكت على هذه المرارة التي ألقاها في فمه شباب السويداء. فبدأ محاولته لشق الصفوف بالترهيب والترغيب، وعبر سعيه لإجراء صدام بين الأهالي. فمن تسيير تظاهرات الانصياع والتأييد المقابلة، إلى التخويف بإعادة مخاطر داعش إلى المحافظة، وهو ما فعله في وقت سابق، وصولاً إلى الاعتقالات التي تتم بحذر وتؤدة حتى الآن. لكن هذه المحاولات كلها محكومة بالفشل؛ لأن النظام استنفد كل وسائل الخداع وأساليب التضليل ولم يعد الصبر ممكناً، فعصابة الحكم في دمشق تعرف أنها تتقلب على صفيح ساخن في مرحلة انعدام الخيارات، فالتدهور الاقتصادي غير المسبوق من جهة، وقانون قيصر وتداعياته من جهة أخرى، و حراك السويداء تساهم كلها في الإطباق عليه ووضع حد لجرائمه المستمرة والمتمادية.
  تحية للسويداء العزيزة ولشبابها الذين يجددون إيقاع الثورة، ويؤكدون استمرارها، ويقدمون مؤشرات لا تدحض على حتمية انتصارها.