جاء إعلان الدولة الإسلامية عن تبني حادث تحطم الطائرة الروسية ليقدم بقصد أو بدون قصد هدية للروس تمنحهم طاقة تدخل أكبر وتصميماً أكثر على المضيّ في الطريق الذي اختاروه.

فبقدر ما مثّل تحطم الطائرة الروسية المدنية فوق شبه جزيرة سيناء الذي تبنته الدولة الاسلامية حدثاً كارثياً إلا أنه في الوقت عينه قدّم ذرائع جديدة للاندفاع الوسي في الشرق الأوسط، وفي سوريا على وجه التحديد.

فمعلوم أن التدخل الروسي في سوريا برّر من قبل القيادة الروسية بالتهديدات الإرهابية للأمن القومي الروسي الذي تمثله داعش التي تضم قرابة ال 7000 مقاتلاً قادمين من روسيا ومن دول الاتحاد السوفياتي السابق، والذين يشكلون خطراً كبيراً في حال عودتهم على بلادهم.  وإن تبني داعش للهجوم يؤكد هذا التبرير للتدخل ويحوله من مجرد حجة إلى أمر واقع.

هذا أولاً وثانياً فإن الصورة التي أراد بوتين إعادة رسمها لروسيا كقوة عالمية عظمى تستطيع الاضطلاع بمهمة حلّ ما يستعصي من مشاكل في العالم لا يمكن أن يسمح لها بأن تشوّه عند أول اختبار، ولهذا فإن الذهاب الى الأمام هو المرجح وليس الانكفاء.

لا تخفى ثالثاً محاولات التقارب الروسية المصرية التي تأتي في سياق رغبة روسية بعودة الى الشرق الأوسط عن طريق تحالف مع الدولة الأكبر والأهم من جهة، ورغبة في عدم الاقتصار على الحليف الإيراني الشيعي وتابعه السوري العلوي وإنما ضرورة التحالف مع حليف سني من جهة ثانية. ولا شك أن هجوماً إرهابياً يتبناه أعداء لمصر كفيل بتقوية محاولات التقارب تلك، والتي ستكون إحدى أدواتها زيادة التدخل الروسي ضد متبني العملية الإرهابية.

هذه الأسباب مجتمعة تجعل محاولات إنكار بوتين ومساعديه للربط بين الفاجعة وبين تدخل روسيا في سوريا محاولة لدفع اللوم الذي يمكن أن يلقيه بعض الروس على القيادة الروسية التي تضطرهم إلى دفع ثمن التدخل من دماء أبنائهم.

فمنذ وقت ليس بالقصير قام أحد المواطنين الروس بوضع كفنين في قناة في بطرسبورغ -موطن معظم الضحايا- كتب عليهما باللون الأحمر:

من اجل ماذا؟

ومن أجل من؟

وهو سؤال جاء بصيغة مباشرة أكثر على لسان محليين روس عديدين لماذا نقاتل في سوريا؟ وهل يحقق قتالنا فيها مصالح قومية لنا؟

ولا يكتفي بوتين ومساعدوه بالإنكار ولكنهم يسخّرون آلة إعلامية لا يستهان بها لتشكيل رأي عام في روسيا فحواه أن مؤامرة غربية تحاك ضد البلاد لمنع إحياء دور روسيا السياسي وازدهارها الاقتصادي إلى درجة أن وكالة أخبار روسية تابعة للحكومة لم تتورع عن اتهام المخابرات البريطانية بالضلوع في العمل الإرهابي، وأن ما تلا الحادث من تعليق بريطانيا لرحلاتها إلى مصر يأتي في سياق الحرب النفسية الموجهة ضد روسيا.(وهو تشويه للرأي العام  يذكر باتهام فنان مصري يحظى باحترام لدى كثير من المصريين لرئيس الوزراء البريطاني كاميرون بالانتماء إلى الإخوان المسلمين عقب تعليق بريطانيا لرحلاتها إلى مصر).

تهدئة روع الشعب عن طريق الإنكار، وصنع رأي عام يتبنى نظرية المؤامرة والاستمرار في تكبيد هذا الشعب ثمن المغامرة سياسة مألوفة لدى الأنظمة السلطوية، ولكن تبنّي المستهدف بالتدخل (داعش) للعمل الإرهابي ربما يحول التدخل إلى مطلب شعبي عام بالانتقام كما عبر أحد المحللين الروس:

“إن الهجوم على المدنيين الروس يعني إعلان حرب ضد كل روسي، وبالتالي ستصبح الحملة الروسية في سوريا ليست مسألة طموحات لبوتين وإنما انتقاماً يطالب به الروس كلهم لضحاياهم”.

أغلب الظن أن بوتين سيعيد حساباته، ولكن باندفاع أكبر في التدخل في سوريا. وربما سيكون الانزياح الأكثر رجحاناً في موقفه هو جعل محاربة داعش أولوية على حماية نظام الأسد، ودفع الأخير إلى الانخراط في عملية انتقالية تقذفه آجلاً أو عاجلاً خارج المشهد السوري.