هنا بعض ما يمكن للمرء أن يرصده من أخبار العراق الراهنة، بهدف تلمّس “بنية” من أيّ نوع، للمشهد السياسي والحزبي الصانع للهيمنة الإيرانية على البلد؛ والمعطِّل، في الآن ذاته بالطبع، لأيّ طراز من سيرورات الإصلاح أو التغيير أو تحجيم دولة التبعية والفساد والتقاسمات المذهبية والطائفية:

ـ محمد سالم الغبان، وزير الداخلية الأسبق، والمستشار في “الحشد الشعبي”، ورئيس ائتلاف “الفتح” في مجلس النواب (الكتلة التي يتزعمها هادي العامري)؛ يعلن عزم مجموعته على محاكمة الرئيس العراقي برهم صالح (الكردي، طبقاً للمحاصصة المعروفة)، بسبب قراره تكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة. الله ستر بالطبع، وسلم رأس صالح من مقصلة الغبان، إذْ تنحى الزرفي عن المهمة بعد تصميم ثلاث كتل برلمانية شيعية (“الفتح” و”دولة القانون” و”الحكمة”) على وأد التشكيلة قبل وصولها إلى البرلمان، وآل التكليف إلى مرشح هذه الكتل مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات.

ـ “عصبة الثائرين”، إحدى الميليشيات العراقية الشيعية الدائرة في فلك “الحرس الثوري” الإيراني، توزّع على الرأي العام مقاطع مصوّرة بطائرة مسيّرة، تُظهر جوانب مختلفة من مبنى السفارة الأمريكية في بغداد؛ مع العلم أنّ تسيير هذا النوع من الطائرات في سماء المنطقة الخضراء ليس محرّماً قطعياً فحسب، بل يستوجب المساءلة القانونية، ويقتضي واجب الإسقاط. وهذه هي ذاتها المجموعة التي أعلنت المسؤولية عن هجمات استهدفت معسكر التاجي (العراقي، رغم أنه يستضيف قوات أمريكية)؛ وكذلك معسكر بسماية، جنوب العاصمة العراقية. وقد اقترن فيديو السفارة الأمريكية بعبارة تهديد تقول: “أيها الشعب العراقي الثائر والمقاوم، هذه سفارة الشر تحت أنظارنا وفي رحمة صواريخنا، ولو شئنا لجعلناها هباءً منثوراً وقد خبرتم بأسنا ودقة ضرباتنا”.

ـ “أصحاب الكهف” ميليشيا عراقية شيعية جديدة وُلدت مؤخراً، بيرقها يحمل صورتين، الإمام الخميني والمرشد الأعلى خامنئي، وشعارها الدعوة إلى “المقاومة الإسلامية في العراق”. وإذْ يحار المرء في تفسير الكهف المقصود الذي كان فيه هؤلاء، ثمّ خرجوا على الملأ؛ فلا حيرة، البتة هذه المرّة، في تفسير مغزى الصورتين. فاتحة إنجازات هذه الميليشيا كانت لقطات فوتوغرافية للسفارة الأمريكية، إياها، مع إنذار الحمقى الأمريكيين بأنّ “المقاومة” أمامهم ومن خلف ظهورهم! لافت، إلى هذا، وطريف أيضاً، أنّ المجموعة أصدرت بياناً يخرج عن إجماع الكتل الشيعية في تكليف الكاظمي، وقالت (حرفياً، ومع الاحتفاظ بالخطأ الإملائي الفاضح): “إن الإخوة وبترشيحهم الأخير للمدعو مصطفى الكاظمي المزدوج الجنسية والمشهور بعمالته للمحتل الأمريكي قد كسروا كلمة المقاومة الإسلامية في العراق”.

ـ “قبضة المهدي” ميليشيا جديدة بدورها، وُلدت مؤخراً، شعارها “قتلوهم حتى لا تكون فتنة”، في تحريف فظيع ومذهل للآية القرآنية “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة”؛ ومطلع إنجازاتها، هنا أيضاً، بيان طافح بالأخطاء النحوية والإملائية، نقتبسه بالحرف: “حسب معلومات تردنا ان قوات الشر الأمريكي تخطط لشن هجوم ضد فصائل المقاومة الإسلامية المباركة والشعب العراقي لذلك نحن نقول لهم ان عيننا ترصدكم في كل مكان وإلى السفير الأمريكي والبريطاني في بغداد ان لم يغادر العراق خلال 48 ساعة ستخرجونهم من العراق قتيلان وقد اعذر من انذر”!.

وذات يوم، تعقيباً على “انتصار” الولايات المتحدة في العراق بعد اجتياح 2003؛ قال الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش الابن في “الديمقراطية العراقية” المقبلة ما عجزت أقلام رجالات المعارضة العراقية عن تدبيجه، فلم يترك زيادة لمستزيد: “إنّ عراقاً محرَّراً يمكن أن يبيّن قوّة الحرية في تحويل تلك المنطقة الحيوية عن طريق تقديم الأمل والتقدّم إلي حياة الملايين. إنّ اهتمام أمريكا بالأمن، وإيمانها بالحرية، يقودان معاً إلى اتجاه واحد: إلى عراق حرّ ومسالم”.

وإنه عراق انتهت غالبيةُ أحزابه الشيعية إلى تكبيله بالإرادات الخارجية، وإيران على رأسها بلا منازع؛ كما ألقت بشعبه رهينة منتهَكة مستضعَفة بين براثن “مقاومين” كَذَبة، خرجوا من قيعان الكهوف، يلوّحون بقبضة المهدي الزائفة!