يصنف علم التسويق السياسي -الذي يعنى بوضع الخطط والاستراتيجيات للهيئات والشخصيات السياسية وبرامجها ورؤاها-المنتجات السياسية إلى ثلاثة أصناف وفق درجة مرونتها:

-منتج سياسي مرن ومثاله برامج الأحزاب والسياسيين ويعد مرناً؛ لأنه من السهل إجراء تعديلات عليه وتغييره.

-منتج سياسي شبه مرن ومثاله شخصية السياسي، ومظهره الخارجي الذي يمكن إدخال تعديلات عليه، ولكنها من الصعب أن تكون جذرية.

ومنتج سياسي صلب ومثاله إيديولوجيا الكيان السياسي، ومعلوم أنها بحكم ماهيتها عصية على التغيير.

كما يتطلب تسويق المنتج السياسي شأنه شأن المنتج المادي دراسة للبيئة التسويقية التي تكتنفه؛ لأن معرفتها جزء أساسي من معرفة نقاط ضعفه لتلافيها، ومعرفة نقاط قوته لتعزيزها، ولمعرفة ما يعتور تسويقه من مخاطر يجب تجنبها، وفرص يجب استثمارها.

ومن ضمن ما يجب دراسته هو قدرة المنتج السياسي على تحريك وجدان المتلقي بقوته الرمزية التي تملك سلطة لا يستطيع أحد إنكارها

يمكن إلقاء الضوء في عجالة على الانشقاق الحاصل-إذا صح تسميته كذلك-في حزب الشعب وفحصه باستخدام معايير التسويق السياسي.

الشخصيات التي تقود الانشقاق، والتي اتفقنا أنها منتج سياسي شبه مرن يمكن أن تكون مقبولة من حيث الشكل، ويمكن لبعضها أن يمثل كاريزما بالنسبة لمستهلكين سياسيين معينين.

أما البرنامج المقدم وهو المنتج المرن فإنه بحكم الماهية قابل للتغيير مختلف الدرجات من تغيير بسيط إلى تغيير جذري وواضح أن ما قدم لم يستطع استثمار خاصية المرونة في البرنامج السياسي للحزب الأم، وظل يدور في فلكه مستخدماً ديماغوجية ثورية ظن مستخدموها أنها كفيلة بجعله منتجاً قادرا على اختراق السوق السياسية.

أما الإيديولوجيا وهي المنتج العصي على التغيير فبينما جهد الحزب الأم على الانفكاك عنها فإنها تطل في خطاب المنشقين برأس مثير للريبة لأنها ليست إيديولوجيا اشتراكية عمل حزبهم على تبنيها طويلاً وإنما إيديولوجيا ما قبل وطنية طائفية وإثنية يحثّها على الظهور ما يعتمل في قلوب بعض هؤلاء المنشقين من خوف من التطرف الإسلامي.

المنتج الوحيد الذي يمكن اختراق السوق به لدى المنشقين هو مظهرهم الخارجي، وهو لا يجدي نفعاً ما لم يتكامل مع تغيير حقيقي في البرنامج -المنتج المرن-وهو ما لم يستطيعوا تحقيقه، ومع دفع الإيديولوجيا -المنتج الصلب- إلى العالم الفردي وهو ما فعلوا عكسه وبصورة منفرة ومريبة.

أما البيئة التسويقية فإن نشاطهم يأتي في ظلّ حدث هائل هو الثورة السورية يعزف فيه المستهلكون عن العمل السياسي وعن الخلافات داخل الكيانات السياسية؛ لأنهم يعانون تهديداً وجودياً، وفي ظل تشابك شديد التعقيد يصعب فصل خيوطه بين الأوراق المحلية والإقليمية والدولية، ومآس وكوارث هتكت نسيج المجتمع وأحالت أفراده إلى مدفوعين نحو المجهول.

وهي بيئة لا تصلح لتقديم منتج سياسي إلا إذا كان منتجاً كفيلاً بتخليص الناس من مأساتهم؛ أي أن المطلوب برنامج سياسي للخلاص، ولا قيمة لدى المستهلكين وهم في حالته هذه لأي منتج سياسي آخر.

ما يحاول المنشقون-بطريقة بائسة-ترويج منتجهم به هو محاكاة ما يفعلونه من انقسام مع انقسام الحزب الأول الذي قاده رياض الترك غير مدركين الهوة الكبيرة بين ظروف المرحلتين.

ففي الانشقاق الأول كانت المواجهة مع الحزب الأم الذي تحالف مع الاستبداد، أما الانشقاق الحالي فهو عن  الحزب الذي يقف موقف الخصم الصريح للاستبداد، والانشقاق الأول شرع في تكريس مفهوم الديمقراطية في ظل تبلور السلطوية الشعبية لنظام البعث السوري فقدم منتجاً يلبي حاجات المستهلكين السياسيين الكامنة، أما الانشقاق الحالي فليس لدى أصحابه ما يقولونه إلا تقصير الحزب مع الثورة، وعدم قدرته على مواكبتها، واستبداد قيادته وهي مفردات لا تستطيع اختراق عقل ووجدان المتلقي؛ لأنها ذات مضامين جدلية ولا تعبر عن حقيقة مقطوع بها من قبله على الأقل هذا إذا افترضنا أنه مهتم بها أصلاً أما تبني الديمقراطية في الانشقاق الأول فقد كان موقفاً قادراً على الإقناع إلى حد كبير لأنه تبن لها في مواجهة نظام السلطوية الشعبية السوري الذي بدأ عموم السوريين آنذاك في معرفته على حقيقته ومناصبته العداء.

منتج سياسي شبه مرن مقبول إلى حد ما مع منتج صلب يظهر بشكل نكوصي، ومنتج مرن لا جديد فيه ما عدا العزف على وتر مواكبة الثورة ضمن بيئة تسويقية غير مواتية مطلقاً تعني من منظار التسويق السياسي فشلاً تسويقياً ذريعاً.

في النهاية يجدر النظر إلى قوة الرمز الذي لا مجال للمقارنة بخصوصه بين حزب الشعب وبين المنشقين الذين يستخدمون اسمه -وما استخدامهم لاسمه أصلاً إلا تعبيرا عن إدراكهم لحاجتهم إلى رمزيته-فلقوة الرمز قدرة على إضفاء الجاذبية على المنتج السياسي ومنحه فرصة لا يستهان بها لاختراق عقل ووجدان المتلقي. ولا شك أن لهذه الرمزية وجوداً موضوعياً لا يمثل الخلاف على أدائها الحالي، ومدى ديمقراطيتها، وغيرهما من المسائل إلا اعترافاً مضمراً بوجودها الذي لا يمكن تجاوزه.