محمد أمين، أحمد حمزة

بدأت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدارسة العديد من الخطط العسكرية “الجاهزة” من أجل استعادة مدينة الرقة من تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش) في سورية، والتي تقع شرق العاصمة دمشق بنحو 500 كيلومتر، ويفرض التنظيم سيطرة مطلقة عليها وعلى ريفها الواسع منذ أوائل عام 2014. ومن الواضح أن الإدارة الأميركية الجديدة تتحسب لمعركة من المتوقع ألا تقل شراسة ودموية عن معركة استعادة الموصل العراقية، في حال قرر التنظيم وضع ثقله العسكري للدفاع عن مدينة تعتبر معقله الأهم، ولا تزال تضم عشرات آلاف المدنيين.

أبرز الخطط المعروضة، تلك التي قدمها رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، قبل يومين، لنظيره الأميركي جوزيف دانفورد، في قاعدة أنجرليك بتركيا، إذ تبدو أكثر الخطط نضوجاً وقدرة على “عزل” الرقة ثم اقتحامها. وتكتسب الخطتان التركيتان أهميتهما من كونهما تعتمدان على قوات مدربة تتبع لـ”الجيش السوري الحر” الذي يتمتع بتأييد شعبي، وله حاضنة كبيرة بعكس “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكّل مليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية ثقلها الرئيسي، والتي تتهم بممارسة سياسات “تطهير عرقي” بحق العرب والتركمان في المناطق التي سيطرت عليها في شمال وشمال شرقي سورية.

وذكرت مصادر إعلامية تركية أن الجيش التركي عرض على الإدارة الأميركية خطة تتقدم على أساسها قوات المعارضة مع قوات تركية مدعومة من طيران “التحالف الدولي”، إما عبر مدينة تل أبيض (شمال الرقة بنحو 80 كيلومتراً) الخاضعة حالياً لسيطرة المليشيات الكردية، نحو مدينة الرقة، أو أن تتقدم قوات المعارضة والقوات التركية بعد إتمام السيطرة على الباب نحو منبج، وتسير على سرير نهر الفرات نحو الرقة. ويكتسب التوغل عبر مدينة تل أبيض أهميته من كونه الأقصر مسافة باتجاه الرقة، ولا سيما أن “قوات سورية الديمقراطية” توغلت جنوب تل أبيض، وباتت على مسافة نحو 30 كيلومتراً من المدينة التي يسيطر عليها “داعش”. وبمعنى آخر، لن تحتاج قوات المعارضة والقوات التركية وقتاً كبيراً لكي تكون على تخوم الرقة الشمالية، لتبدأ عمليات واسعة النطاق لاقتحامها. لكن من المؤكد أن مليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية ستعارض توفير “ممر” لقوات المعارضة والقوات التركية للعبور والتمركز في ريف الرقة الشمالي، إذ إن ذلك سيكون بمثابة إطلاق “رصاصة الرحمة” على مشروع حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، وهو النسخة السورية من حزب “العمال الكردستاني”، بإقامة إقليم انفصالي يمتد من محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية إلى مدينة عفرين شمال غربي حلب. وبدأت “الوحدات” الكردية بالفعل ترسيخ وجود عسكري و(عقائدي) في مدينة تل أبيض وريفها، حيث تنتشر صور زعيم “العمال الكردستاني”، عبدالله أوجلان، في مداخل المدينة ذات الغالبية العربية، في مؤشر على عدم نيّة الحزب تسليم المدينة في حال التوصل لأي تسوية مستقبلية في سورية.

ومن المرجح أن تعارض المليشيات الكردية توغل قوات المعارضة المدعومة من الجيش التركي انطلاقاً من مدينة جرابلس، ومن ثم في ريف مدينة عين العرب التي تسيطر عليها هذه المليشيات وتعد من معاقلها الهامة بشمال شرقي حلب. لكن هذه المليشيات لن يكون لديها خيار آخر سوى الموافقة في حال تم فرض هذه الخطة من قبل “التحالف الدولي” الذي يتخذ من “قوات سورية الديمقراطية” ذراعاً برية له في محاربة تنظيم “داعش”. وتبلغ المسافة من مدينة جرابلس إلى مدينة الرقة نحو 150 كيلومتراً، ولكن يبقى على القوات المهاجمة انتزاع السيطرة على مدينة الطبقة الاستراتيجية التي فشلت “سورية الديمقراطية” في السيطرة عليها على الرغم من اقترابها منها في الآونة الأخيرة، في إطار المرحلة الثانية من عملية “غضب الفرات”.

الاعتراض الكردي
ويرى مستشار الرئاسة المشتركة لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، سيهانوك ديبو، أن الخطة التركية “تصور سياسي عدائي، يخدم داعش أكثر مما يفيد القضاء على الإرهاب”، معرباً عن قناعته “بأن الهدف منه التشويش على الدور الذي تقوم به وحدات حماية الشعب والمرأة، وعموم فصائل قوات سورية الديمقراطية”، وفق قوله. ويعتقد بأن الإدارة الأميركية “أكثر الجهات التي ستتضرر لو أقحمت تركيا نفسها” في عملية استعادة السيطرة على الرقة. وأضاف: “الخطة التركية متناقضة مع الأجندة الوطنية السورية، وأهداف التحالف الدولي في القضاء على الإرهاب”، وفق تعبيره.

وتحاول مليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية أن تكون الطرف الوحيد في معركة انتزاع السيطرة على الرقة لتوسيع الرقعة الجغرافية التي تقع تحت سيطرتها من جانب، وكسب رضى المجتمع الدولي لفرض إقليم ذي صبغة كردية في أي تسوية مقبلة، تعتبره تركيا تهديداً لأمنها القومي.

وتتضمن الخطة التركية تصوراً آخر غير المرور بتل أبيض، وهو الزحف باتجاه الرقة انطلاقاً من ريف حلب الشرقي بعد السيطرة على مدينة الباب وبلدة تادف، وطرد فصائل تابعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” من مدينة منبج، ومن ثم السير شرقاً باتجاه بلدة الخفسة ومن ثم مدينة مسكنة وصولاً إلى ريف الطبقة الغربي. ولا تصطدم القوات المتقدمة في هذه المنطقة مع مليشيات “الوحدات” الكردية، إذ يفصل نهر الفرات بين القوتين. لكن خط سير قوات المعارضة والقوات التركية أطول، لأن من المفترض قطع نحو 200 كيلومتر، ضمن مسافة تضم عشرات القرى والبلدات التي لا تزال بيد تنظيم “داعش”. كما أن طريق هذه القوات ستكون مكشوفة من قبل عناصر التنظيم المنتشرين في البادية السورية جنوباً، ومن المرجح أن يستنزفها بالمفخخات والكمائن في حال اتبعت هذا الطريق.

فضلاً عن ذلك، من شأن تقدم قوات النظام السوري والمليشيات الطائفية الموالية لها في شرقي حلب، بهدف الوصول إلى بحيرة سد الفرات، أن يزيد الأمر تعقيداً. وربما يكون عائقاً كبيراً أمام توغل قوات المعارضة والقوات التركية، وهو ما يرمي إليه النظام من وراء تحركه شرقاً.

وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، أن “أنقرة تريد عملية تركية-أميركية مشتركة لتحرير مدينة الرقة، بدلاً من اعتماد واشنطن على المليشيات الكردية في ذلك”. ويشير في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “هناك ثلاثة أو أربعة آلاف مقاتل من الجيش الحر (ضمن عملية درع الفرات) جاهزون لبدء معركة تحرير الرقة، وهناك آخرون يجري تدريبهم ليصل عدد المقاتلين السوريين لنحو عشرة آلاف، وهو عدد كاف لبدء المعركة”، وفق قوله.

وحول واقعية الخطتين التركيتين اللتين قدمهما أكار لدانفورد، يقول أوكتاي إن “أسهل وأقرب طريق للوصول إلى الرقة يتم عبر انطلاق القوات من منطقة تل أبيض التي تخضع لسيطرة المليشيات الكردية (تبعد تل أبيض 80 كيلومتراً شمال الرقة)، وهذا الأمر يحتاج أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على المليشيات الكردية لتنفيذ هذه الخطة”، وفق تأكيده. ويعتبر أن “معركة درع الفرات في مدينة الباب (شمال غرب الرقة بنحو 140 كيلومتراً) أوشكت على نهايتها، ويمكن لدرع الفرات التي نتجت عن تفاهم روسي-تركي خارج إرادة الولايات المتحدة، أن تتجه بعد ذلك إلى الرقة، على الرغم من أن هذا الطريق طويل وصعب”، على حد وصفه.

ويختم المحلل السياسي التركي حديثه قائلاً إن “الولايات المتحدة تبحث عن شركاء لها في محاربة داعش، فتركيا تقدم خُططها كشريك في محاربة التنظيم، وعلى الولايات المتحدة التي لها اعتبارات ومصالح في المنطقة، أن تختار بين شراكة مع قوة إقليمية كبرى مثل تركيا، أو أن تنحاز لصالح مليشيات تعتبرها أنقرة إرهابية”. وخلص إلى القول: “بالنهاية فإن لتركيا التي تريد أن تحظى بدعم أميركي ودولي في خططها لمحاربة الإرهاب، أن تعمل وفق ما يناسب مقتضيات أمنها القومي”، على حد تعبيره.

“العربي الجديد”