إن الرزء الجليل الذي يثقل كواهلنا يشق عنه الوصف، وإن في الانصراف عن مجاهدته ذهولًا عن الأولوية المطلوب الانشغال بها، وهو ما دفعنا منذ سنوات خلت إلى جعل كلّ ما هو من غير جنسها من اللا مفكر فيه؛ من أجل استفراغ الجهد في درك كيفية فرز عناصرها وفهم متغيراتها، وحل معادلاتها المستعصية.

ولكن ما صادفناه من حالة متهتكة سياسيًا مستغرقة بالبعد الذاتيّ، المتلطّي بشعارات مستهلكة أصبح يفرض نفسه على أذهاننا، ويقسرنا على التفكير فيه.

ما يسمى بالأزمة في حزب الشعب الديمقراطي السوري الذي حوّله البعض إلى حالة مظلومية؛ سببها ظلم القيادة التاريخية، واستبدادها وتسلطها ليس أزمة بالمعنى العلمي للكلمة، ولا يعدو أن يكون زبدًا لا يمكث في الأرض.

في البداية ما يؤخذ على قيادة حزب الشعب من تجاهلها مع انطلاق الثورة السورية لعنصر الشباب الذي شكّل رأس حربة الانتفاضة السورية تزييف للواقع الذي عشناه وخبرناه؛ لأن ما يجب أن يؤخذ على القيادة في الحقيقة هو إفراطها في التعويل على هذا العنصر، وهو ما كنت أنبه منه؛ لأن الظن أن الشباب كائن كليّ القدرة سيأتي بنتائج عكسية، منها جعل هذا العنصر يذهب بعيدًا في الثقة بنفسه، والاكتفاء بها متجاهلًا ضرورة التوجيه من ذوي الخبرة والدربة السياسية، وهو ما حصل.

إذا كان ثمة قصور في سلوك القيادة، فقد كان التزلف للشباب، ومحاولة استرضائهم لا العكس.

وأما يقال عن ظلم وقع على مجموعة من الحزب، فالحقيقة أن هذه المجموعة قد أسست تكتلًا سريًا عابرًا للحدود عبر السكايب انسحب منه أحدهم المعروف بالاسم عندما وجد في الاجتماعات على السكايب توجهًا إقصائيًا للقيادة ينشط أصحابه في الظلام لا في النور، وليس عبر الحوار المفتوح النقدي، وقد صرح أحد اعضاء التكتل بأنهم خدعوا بولاء ذلك الشخص لهذا التكتل.

وعندما سرب هذا الشخص ما عرفه دعت القيادة أعضاء التكتل للتواصل معها، ولم تجد استجابة جدية، واقتصرت الاستجابة على مراوغة تمثلت باللجوء إلى طلب تشكيل منبر ديمقراطي هو في الحقيقة غطاء قانونيّ للتكتل.

وفي سياق هذا التكتل نشط أعضاؤه في الترتيب لنتائج انتخابات المؤتمر التي أقصوا فيها كلّ من له صلة جيدة بقيادة الحزب في الداخل، وتكثير أصوات المنضوين في التكتل بذريعة أن التنسيق لنتائج الانتخابات عرف موجود في جميع الأحزاب.

ولا نستطيع أن نحسن الظن ليس لأن الأمور دُبرت بليل كما يقول العرب، وإنما لأن من رُتبت النتائج لكي يحصلوا على أعلي الأصوات أشخاص لا صلة لهم بالعمل السياسي ولا الثقافي، وهذا ليس قدحا بهم وانما وصف للواقع.

وما يقال عن إلغاء نتائج المؤتمر بوصفه عملًا تسلطيًا من القيادة إنما جاء عقب انكشاف أمر التكتل.

إن رفض الاعتراف بالعمل السري من وراء ظهر قيادة الحزب المنتخبة، والالتفاف عليه عبر ما يسمى بالمنبر الديمقراطي لم يكن إلا سلوكًا منسجمًا مع توجه محسوم للاستمرار في العمل بعيدًا عن الأصول التنظيمية.

وما تفعيل القيادة لمادة من المواد التي قضت بالعقوبات إلا تدبيرُ طويلِ النفس الذي لم يجد بدًا من التعاطي مع الظاهرة بالحسم بعد أن أعيت الحيل من أجل كبحها.

وما يقال عن قرار لجنة التحكيم الوطنية ينقصه إجماع هذه اللجنة التي يفقد شرعية قرارها غياب رأي المرحوم قشاش الذي لم يكن على علم بما يجري، وما ينسب إليه من موافقة على قرارها ليس إلا افتراء عليه.

كنت قد عرضت بكل حماس، ومنذ زمن ليس بالقصير، وقبل أن يكون لديّ علم بكل ما يجري إلى تشكيل رافد شبابي لحزب الشعب يجسر الهوة بينه وبين الناشطين على الأرض، وفوجئت حينها بأحد أبرز وجوه التكتل يطلب مني ألا أخبر القيادة بهذا الاقتراح، وفي هذا الطلب من سوء النية ما يكفي للشك وإساءة الظن.

لا شك أن رياض الترك رمز تاريخي، ولكنه ليس نبيًا، وأنا بحكم عمري القصير نسبيًا في الحزب لم تتكون لدي هالة القداسة الموجودة عند غيري ممن تربوا على يديه، وعاصروا تضحياته، ولكنه هو من تخلى عن موقعه في المؤتمر السادس، وفي هذا من الايثار ما يكفي لرفع القبعة لهذا الرمز.

إن تشكيل قيادة مؤقتة في الخارج تصحح مسار الحزب، وتعيده إلى الجماهير لم يثمر عن أي شيء إلى الآن؛ لأنه لا يمتلك من الأدوات ما يجعله عملًا منتجًا، ولاينسجم مع دعاية كاذبة عن التضحيات في سبيل الثورة التي قدمها أحدهم في مؤتمر الإعلان، وأنا أعرف الناس بما قدمه، وهو لا ينكر طبعًا، ولكن الدعاية كانت مضروبة بمئة ضعف إن لم يكن أكثر.

ولا يكون بالارتباط بجهة لا يمكن أن يقبل حزب الشعب بتاريخه النضالي الارتباط بها، ولا حتى التعاطي معها إذا أنكر منكر هذا الارتباط، ونفى قوته وعمقه.

من حق الأقلويين أن يشعروا بالرعب من التطرف الإسلامي، وأن يحتجوا على تحالف الحزب مع إسلاميين، وأن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها على القيادي في الحزب الذي دافع عن جبهة النصرة، وقد نوافقهم في كل هذا، ولكن هذا لا يعطيهم الحق في تفكيك البنية الصلبة للحزب القائمة على التوجه الوطني الشامل، ولا في جعله ينظر من منظور المهجوس بأقليته.

لا شك أن حزب الشعب يعاني كأي حزب تقليدي من عيوب، وأن لقيادته أخطاءها، ولكن شيطنتها بهذه الصورة فيه من الجحود والتنكر ما يثير الريبة، فليس ذنب القيادة أن أشخاصًا سلخوا أعمارهم من دون تحقيق أحلامهم في الصدارة، ولا مطلوب منها أن تتعاطف مع أحلام اليقظة التي يعيشونها.

رئيس التحرير