لا شك أن استصراخ مذبوح طالب للنجدة أمر مشروع، وقد كنت ذكرت في مقال منشور عام 2014 أن النظام هو الذي شرعن التدخل الخارجي، وقد جاء في آخر المقال ما يلي:
“إذا كنا نريد أن نعرف شرعية التدخل العسكري في سورية من طرف قوات غربية، فإن علينا أن نتوجه بالسؤال لا إلى الأوغاد الذين مسخوا مفهوم السيادة بتذرعهم بها للاستفراد بشعبهم، ولا إلى المعارضة التي ترفع العقيرة ليل نهار مطالبة به، هذا أولاً، وثانياً: أن نكفّ عن استعلائنا على عموم الناس الذين يمثّلون المجتمع التقليدي من غير منتجي المعرفة محاولين فرض التغيير عليهم عن طريق ثوابت معرفة قديمة من الواضح أنها تسير خلف حاجات الناس بسرعة السلحفاة .
حاجات الناس هي روافع التغيير وخصوصًا عند العجز عن إنتاج معرفة جديدة من طرف النخب، ولأجل هذا يصبح من الاختزال المخلّ تصنيف الموافقين على التدخل في أحد صنفين أغبياء أو عملاء.
فإذا كان جواب أفراد هذا المجتمع التقليدي بالموافقة، وكان ثمّة إصرار على تصنيفهم في إحدى هاتين الخانتين فلنعترف اذن أن الناس أغبياء ولنبحث عن طرق لرفع مستوى ذكائهم، واذا عددناهم عملاء فلنسأل ما الذي أوصل عموم الناس – الذين يفترض في الحالة الطبيعية أنهم بعيدون جداً عن العمالة بافتراض أن الأخيرة ليست حالة طبيعية- ما الذي أوصلهم إلى هذه المرحلة، وما الذي مسخ وطنيتهم ولنطالب عندها بإزالة المتسبّب في مسخها”. (انتهى الاقتباس).
هذا من حيث المبدأ ولكنني أظن أنه من قبيل المبالغة في الخطأ التعويل على التدخل التركي للتفاؤل بالانتصار وبنفخ الروح في الثورة. ليس لأن هذا التدخل هو رد فعل دولة تتعرض مصالحها للخطر؛ لأن هناك من سيقول -ولديه بعض الحق- إن مصالح هذه الدولة تتقاطع مع مصالحنا، وليس لأن هذا التدخل لن يأتي على النظام من جذوره؛ لأن هناك من سيقول -وقد يكون محقًا- وما أدراك فهذا التدخل قد يتسبب في تهاوي النظام بعد إضعافه سياسيا وعسكريًا.
لا لهذا ولا لذاك أنا أحذر من الإفراط في التفاؤل، وإنما لأن عشر سنوات من الثورة التي تحولت إلى حرب قد كشفت عن بنية مجتمعية متهتكة، وعن تخلّف عميق يصبغ البنى الفكرية والسياسية، وعن طائفية مقيتة كانت تنتظر الفرصة لتكشف كل قبحها.
وليس صحيحًا أن الاستبداد هو الفاعل كليّ القدرة الذي تسبب في كل هذا؛ لأن للمستبد فعلًا مخربًا مشروطًا بقيود البنية المجتمعية التي يعمل على تخريبها؛ بمعنى آخر إن ثمة كيفية تستبطن بها البنية الاجتماعية فعل المستبد أو الأثر الخارجي.
من منا يستطيع أن ينكر أن للتطرف جذورًا في البنية الداخلية؟ ومن منا يستطيع أن ينكر تخندق السوريين الطائفي والمناطقي والأيديولوجي الموجود قبل انطلاقة ثورتهم والذي تضاعف مئات إن لم يكن آلاف المرات اليوم؟.
لا تنتصر الثورات بتدخل حليف، ولا تستعيد ألقها بمظاهرة هنا وتحرك هناك، وخصوصًا بعد أن أصبحت القضية السورية قضية دولية يمثل السوريون أضعف أطرافها.
في الندوات الحوارية التي شاركت في بعضها ونظمت بعضها كنت أدهش من التخندق الأيديولوجي بين الفرقاء، وكأن المأساة لم تحدث وليست ملء السمع والبصر، وكأنها لم تستطع تحريض مراجعة حقيقية.

بل إن الأمر يأخذ تجلياته الأبرز في استخدام الفرقاء المفردات نفسها التي فقدت اليوم دلالتها السياقية. ولا زال ثمة من يمارس باستعلاء ممجوج -لا أساس موضوعيًا له- دور الحكم المخوّل بالتمييز بين الأيديولوجيا والواقع في خطاب يمكن أن تجد له ما يجمعه في الجذر مع خطاب الديني الذي يمنح نفسه الحق -بالاستناد إلى النصوص- في التمييز بين الحق والباطل.
إن احتمال الصراع بين السوريين لأمد طويل حتى بعد سقوط النظام قبل أن ينتقلوا إلى إمكانية إقامة دولة وطنية تعددية ديمقراطية احتمال أكثر من جديّ والحق أن الرعب يصيبني كلما استحضرته.
ولكن التنبه لهذا الاحتمال واتخاذ إجراءات تمنع حدوثه لا تزال ممكنة إذا شرعنا في الاستعداد منذ الآن وتوقفنا عن جعل العاطفة لوحدها تروح بنا وتغدو.
بالمناسبة، لا يزال هناك من يسألني: كيف يتفق ويترادف أن تكون في حزب الشعب وتقيم الصلوات الخمس وتصرح بإيمانك بالله؟؟!!!.