ما الذي يدفع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إلى الظهور أمام الإعلام العالمي بالكمّامات والكفوف، وهو ينزل من الطائرة التي أقلته إلى دمشق، في زيارة اليوم الواحد، (الثلاثاء، 21 إبريل/ نيسان الجاري) على الرغم من كل الاحتياطات والتدابير الصحية وقرارات العزل المنزلي والمسافات الاجتماعية في مواجهة وباء كورونا؟ ليس إقدام رأس الدبلوماسية الإيرانية على خطوة من هذا النوع مغامرة تحد دبلوماسي إيراني للوباء، هي الأولى من نوعها في مسار العلاقات بين الدول والقيادات في العالم منذ أسابيع. وهي أبعد بكثير مما يقال عن هدف بحث العلاقات الثنائية وتطورات الملف السوري والتحضير لقمة ثلاثية إيرانية روسية تركية جديدة لمناقشة مسار الأمور في إدلب، على ضوء الانسداد الحاصل في التفاهمات المنجزة أخيرا بين موسكو وأنقرة. هناك انزعاج وقلق إيراني واضحان من التطورات السياسية والميدانية الجارية في إدلب، والتي بدأت تأخذ منحى جديدا يتعارض مع حسابات طهران ومصالحها في سورية.
يركّز الإعلام الإيراني على تكرار مقولة أن طهران لن تتخلى عن النظام في سورية، بعد كل هذا التنسيق الاستراتيجي الذي بدأ قبل أربعة عقود، ولكن ما يقلق إيران أن يقرّر النظام في دمشق التخلي عنها أمام الضغوط الروسية التي يتعرّض لها عبر تحذيره باحترام الاتفاقيات التركية الروسية بشأن إدلب، وعدم المخاطرة بخرقها لصالح أي قرار إيراني لأنه سيدفع الثمن الباهظ . تأخذ طهران بالاعتبار أيضا احتمالات وجود تفاهمات ثلاثية، تركية روسية أميركية، على حساب تفاهماتها مع أنقرة وموسكو في أستانة، وأن تكون رسائل الكرملين إلى بشار الأسد مرتبطة بالتصعيد الأميركي الأخير ضدها، وإعلان واشنطن عن جهوزيتها لأية مواجهة عسكرية، ردا على أي تصعيد أو تحدّ إيراني إقليمي لها.
تعرف القيادة الإيرانية تماما أن أوراقها ونفوذها في سورية هي المفصل الأهم الذي سيحدّد شكل سياساتها وحساباتها الإقليمية، والتي ستنعكس على مصالحها في العراق ولبنان والخليج. لذلك
“تشعر طهران أنها تفقد تدريجيا معادلة نفوذها في سورية في موازاة النفوذ الروسي هناك”
قرّرت مواصلة إرسال مزيد من مليشياتها وأسلحتها إلى الجبهات في إدلب. قد يكون هدف التحرّك الإيراني في العلن هو الدفاع عن النظام، ولكن الهدف الحقيقي هو الدفاع عن المتبقي بيد طهران من فرص قليلة هناك. انتشار أنباء اقتراب ساعة المواجهة بين المجموعات المتطرفة أو احتمال حدوث تحرّك عسكري تركي روسي مشترك، للقضاء على هذه العناصر سيحرم طهران من فرصة تبرير وجودها على الجبهات في شمال سورية، وهو ما يخيفها اليوم. أنباء أخرى تتحدث عن تمركز وحدات عسكرية تركية جنوب الطريق الدولي أم 4، خطوة لم تتوقعها طهران في إطار التفاهمات التركية الروسية التي يبدو أنها تتقدّم بسرية كاملة. تكرّر دمشق، منذ أيام، أن الاتفاقات بين أنقرة وموسكو لا تلزمها، وهي ستواصل عمليتها العسكرية إذا لم تحصل على ما تريده في إدلب. هي ليست أكثر من مناورة إعلامية إيرانية، لأن النظام يعرف أن إقدامه على تفجير الوضع لصالح طهران سيكون له ارتداداته الروسية والتركية والأميركية التي ستكون مكلفة، ولن يتمكّن من تحمّل نتائجها.
تشعر طهران أنها تفقد تدريجيا معادلة نفوذها في سورية في موازاة النفوذ الروسي هناك، وأن تراجعا يحدث يوما بعد آخر لمقولة أنه بقدر ما يستطيع الكرملين التأثير على بشار الأسد ونظامه مقدورها ومن حقها أن تملك هذه الفرص، وأن هذا التراجع لصالح موسكو. وما يخيف إيران أكثر من غيره سيناريوهات المرحلة الانتقالية في سورية التي يبدو أنها ترسم على حسابها، وستفرض عليها فرضا، وربما هذه هي النقطة الأساسية التي دفعت الوزير ظريف إلى الانتقال سريعا إلى دمشق، لتحذيرها من مغبة الرضوخ لأي سيناريو من هذا النوع.
كان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، يردد في إبريل/ نيسان العام المنصرم أن
“قمة تركية روسية إيرانية تبحث التطورات في إدلب لن تغير كثيرا في خطط التفاهمات التركية الروسية بشأن سورية”
القرار الأميركي في إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة المنظمات الإرهابية ليس مفهوما، ومتناقض، ومن شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار في منطقتنا. وقد جاء رد الجميل الإيراني على أنقرة في الأشهر الأخيرة على جبهات إدلب، عندما تقدّمت المليشيات المحسوبة على طهران، لمحاصرة أبراج المراقبة التركية، ونشر مقاطع الفيديو التي تقول إنها تنتظر الأوامر للانقضاض.
قمة تركية روسية إيرانية تبحث التطورات في إدلب لن تغير كثيرا في خطط التفاهمات التركية الروسية بشأن سورية، وتهديدات الرئيس التركي، أردوغان، أخيرا لنظام الأسد بعدم محاولة خرق الهدنة في منطقة خفض التصعيد شمال سورية “سنجعله يدفع الثمن غاليا” رسالة تعني طهران قبل النظام، لأن موسكو تحذّر دمشق من الإقدام على خطوةٍ تريدها طهران بأسرع ما يكون.
ليست مشكلة إيران مع النظام في دمشق، وعليها إذا ما أرادت بحث مصير دورها ونفوذها في سورية مناقشة ذلك مع أنقرة وموسكو بعد الآن، مع الأخذ بالاعتبار وجود التحرّك الأميركي من وراء الستار. محاولة لعب أوراق إنعاش “داعش” في سورية والعراق، أو تقديم الدعم لمسلحي جبهة النصرة للصمود في إدلب، أو التقريب بين حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سورية والنظام، أو عرض خدمات نقل مقاتلين تابعين للنظام في سورية إلى الجبهات الليبية لدعم خليفة حفتر، أو تحريك خلايا نائمة للقيام بعمليات تهديد وتخويف وابتزاز ضد مصالح تركية روسية أميركية في المنطقة، تلتقي كلها عند منعطف واحد، أن إيران أكثر من قلقة، هي خائفة.