لقد مات الدكتاتور

 

على عكس ردود الأفعال التي عبّرت عن اشمئزاز من خطاب بشار الأسد الأخير في ما يسمى بمجلس الشعب السوري فإنه يمكن الاستبشار به للناظر في عمق الخطاب الذي لا يقتصر التبصّر فيه على لغته ومضمونه وإنما يعتبر من ضمن مكوّناته ذات المدلولات التي لا تقل أهمية  الشكل والشخصية  وهي بارامترات يستخدمها علم الانطباع السياسي لكي يقيس بواسطتها قدرة السياسي على التأثير ومدى راهنية خطابه.

أما الشكل فالمقصود به المظهر الخارجي للسياسي، حيث تقول الأبحاث في هذا العلم إن الناخبين يفضلون لون شعر معين، وألوان ثياب معينة، وطول القامة على قصرها.

وهو متغير زادت أهميّته الثقافة الاستهلاكية، وغلبة ثقافة الصورة على الثقافة المكتوبة.

وهو ما لم يطرأ عليه تغيير مهمّ لدى بشار الأسد ما عدا ظلماً تكسو وجهه لا ريب ان سببها القلق على المصير، وغياباً جزئياً لضحكاته التي كان يطلقها بدون مبرر في السابق.

أما اللغة فهي قدرة السياسي البلاغية، ومن مؤشرات قياسها نسبة استخدام الاستعارات والمجازات للتأثير على المستهلكين لما تلعبه من دور مهمّ في مخاطبة الجانب العاطفي.

وهي بارامتر لا بد من تحديثه لمواكبة التغيرات لاسيما في ظروف الأزمات.

وليس عسيراً ملاحظة أن لغة الأسد لا تزال لغة متحجّرة متقرّنة تتكرّر فيها  مصطلحات المؤامرة والإرهاب والسيادة، ولم تتغير عبر السنوات الماضية إلا إذا أخذنا بالاعتبار جرأة لا تضيف إلى اللغة بقدر ما تهبط بها إلى لغة شوارع في شتمه للدول والرؤساء الخصوم له.

ولا ريب أن الموالين له أيضاً قد بدأوا يدركون ولو جزئياً فوات هذه اللغة بعد زجّه لأبنائهم في حربه من أجل البقاء، وبعد ما صار انهيار الدولة ملء السمع والبصر.

 

بالنسبة إلى البارامتر الثالث وهو الشخصية فقد صنّفتها إحدى النظريات التي تدعى نظرية “ميلون” إلى عدة نماذج منها الانطوائية والجسورة والمنفتحة والودية.

فهي التي طرأ عليها تغيير حقيقي لدى الأسد  فالشخصية المنظور إليها إبّان استلامه للسلطة على أنها شخصية انطوائية ودية كشّرت عن أنياب وحش في نظر معارضيه، وعن شخصية شجاعة في نظر مؤيديه، ولكنها شجاعة يعلمون أنها عارضة لأنها مكتسبة بدعم حلفائه ودماء أبنائهم.

الماركة السياسية التي تتشكل من معلومات مترابطة في الذاكرة عن السياسي تستدعى عند تحريضها بعملية تدعى التنشيط تحرّض اليوم مع كل مجزرة ترتكبها قواته أو قوات حلفائه لتجعل منها ماركة مرتبطة بالجريمة والظلم وتشريد السوريين في بقاع الأرض.

ويحرّضها تزامن خطابه مع ذكرى وفاة الأسد الأب، لكي تصبح ماركة مطبوعاً عليها شعار الإجرام العريق الممتد من الدكتاتور إلى وريثه، ويحرّضها أيضاً ذكرى مداخلة المناضل الوطني الكبير رياض الترك منذ ستة عشر عاماً عندما أسمع العالم كلّه عبارة “لقد مات الدكتاتور”.

الفوات في اللغة، والشكل الذي ينفع في التأثير على مرتزقته ونسائه فقط، والشخصية التي انحطّت إلى درك الإجرام الأسفل، والماركة السياسية التي لم تعد تعني شيئاً غير الحرب والدمار ومهزلة التوريث والقمع الذي لم يكسر إرادة المناضلين الأحرار، كلّها مؤشرات على أن الدكتاتور الصغير أيضاً قد مات وأن مراسيم دفنه قيد التحضير.

رئيس التحرير