بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان على خلفية الكارثة التي أسفر عنها انفجار مرفأ بيروت، صار يقيناً أن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة على التخفيف من آثار هذا الزلزال الذي أصاب جميع اللبنانيين في أرواحهم وممتلكاتهم، شرط تجديد الحياة السياسية وتلبية تطلعات شريحة واسعة من الشعب اللبناني المطالب بالتغيير منذ ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ومؤتمر الدول المانحة الذي رعاه ماكرون، قد يشكل نقطة مفصلية على طريق إخراج لبنان من الحصار السياسي والاقتصادي، الذي عاناه منذ نحو سنة، أولاً وقبل كل شيء بسبب الخلافات الحادة بين القوى السياسية. وتبين بالملموس أن حكومة من لون واحد ستبقى عاجزة حتى عن إدارة الانهيار، فكم بالحري المبادرة إلى وقفه.
صحيح أن أزمة لبنان ليست وليدة الساعة، لكن حجم الانهيار وثقل التحديات واتساع الخلافات الداخلية، واستمرار العمل بذهنية المحاصصة الطائفية والاستزلام والكيدية السياسية، مترافقة مع الضغط الخارجي في ذروة صراع وإقليمي ودولي، جعل متعثراً المضي في هذه الحكومة وكأن شيئاً لم يكن. وأتى زلزال المرفأ ليقضي على البقية الباقية من صدقية للعمل الحكومي. ولم يعد معظم اللبنانيين مقتنعين بالكلام الصادر عن الطبقة السياسية الحالية بحكامها ومعارضيها، عن محاربة الفساد والاصلاح. وبات كل من شارك في الحياة السياسية يتحمل قدراً من المسؤولية عما حصل.
الشعب اللبناني مقتنع اليوم أن تغيير الطبقة السياسية، هو المعبر نحو وقف الانهيار ومنع التحول إلى دولة فاشلة بالكامل. إن التحول إلى دولة فاشلة لن يكون في مصلحة أحد. ومن دون أدنى شك لعب الفساد دوراً كبيراً في دفع لبنان إلى هذا الموقع بقدر ما لعبت الطموحات السياسية المستعجلة لبعض الشخصيات أيضاً في شل البلد، وباتت معزوفة إلقاء مسؤولية عرقلة العمل على الآخرين، غير مستساغة وغير ذي صدقية لدى معظم اللبنانيين.
وأمام هذا المأزق، لم يعد من مفر من الذهاب إلى خيار تجديد الحياة السياسية. وإنما على أساس قانون انتخابي غير مشوه كذلك الذي أجريت بموجبه الانتخابات عام ٢٠١٨. تلك، كانت انتخابات فصلها فريق سياسي لتتناسب مع مصالحه وليس مع المصلحة الوطنية.
والتجديد السياسي، هو خيار يمضي فيه العراق اليوم الذي دعا إلى انتخابات نيابية مبكرة العام المقبل للخروج من الشلل الحكومي، والانتقال بالعراق إلى مرحلة يمكن فيها وقف الفساد ومنع الانزلاق الى الدولة الفاشلة، ومداراة انعكاسات الصراع الأميركي-الإيراني فوق الساحة العراقية والحد من تأثيراته. كما أن تحول العراق دولة فاشلة بالكامل لن يكون في مصلحة لا أميركا ولا إيران. والفوضى في العراق ستكون بمثابة الوصفة السحرية لعودة تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات الجهادية، التي دفع العراقيون ثمناً كبيراً للقضاء عليها.
وكأن ثمة خيطاً رفيعاً بين احتجاجات العراق التي انطلقت في تشرين الأول(أكتوبر) واحتجاجات لبنان، التي انطلقت في الشهر نفسه. انفجرت الاحتجاجات على خلفية مطالب حياتية واجتماعية لا يمكن التنكر لها. وإذا كان ثمة من توظيف سياسي لها، فإنه حدث بعد المماطلة في تلبية المطالب. لا يمكن فهم كيف أن العراق ولبنان لا يزالان بلا كهرباء على رغم إنفاق عشرات المليارات على هذا القطاع من دون جدوى في البلدين. ولا موجب للتطرق إلى نواحي القصور في باقي الخدمات.
لبنان والعراق اليوم، أمام لحظة مفصلية، إذا لم يستغلاها، فإن الأمور مرشحة لمزيد من التدهور والفشل التام. وإذا كان العالم يمد يده للبنان، فيجب على القوى السياسية أن لا تهدر فرصة أخرى بخلافاتها الداخلية وتشبثها بعقلية المحاصصة والتصرف وكأن لبنان بلد موقت وتالياً يتعين نهب ما يمكن نهبه قبل الزوال.