يوم الادانة الطويل الذي أمضاه اللبنانيون بمتابعة مجريات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أسدلت ستارته بقرارها ادانة العضو في “حزب الله” سليم عياش بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، فيما لم تتمكن المحكمة من اثبات التهم بتورط الثلاثة الآخرين حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي لعدم كفاية الأدلة.
وبعد جلسات استغرقت ستة أعوام، نطقت المحكمة الدولية الخاصة في لايدسشندام في هولندا، بقرار الادانة في قضية اغتيال الحريري التي فجعت لبنان العام 2005، وظلت تفاصليها تتوالى فصولا منذ ذلك الوقت الى ان قالت المحكمة كلمتها الاخيرة، من دون ان يعني ذلك ان المحكمة اغلقت ابوابها، اذ ما زال أمامها اعلان قرار انزال العقوبة بحق عياش الذي بحسب القرار القضائي ثبتت ادانته بالجريمة بشكل لا مجال فيه للشك.
واعلن رئيس المحكمة القاضي ديفيد راي في ختام حكم استغرقت تلاوته ساعات “تعلن غرفة الدرجة الاولى سليم عياش مذنبا بما لا يرقى اليه الشك بصفته شريكا في ارتكاب عمل إرهابي باستخدام مادة متفجرة، وقتل رفيق الحريري عمدا، وقتل 21 شخصا غيره، ومحاولة قتل 226 شخصا”، هم الجرحى الذين أصيبوا في الانفجار.
وبالنسبة الى المتهمين الآخرين حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي وأسد صبرا، فقد اعلن القاضي انهم “غير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة اليهم … وهم أبرياء لعدم كفاية الأدلة”.
وفي سردها للوقائع وتفاصيل الحكم، خلصت المحكمة ان الاغتيال كان عملا سياسيا، مضيفة “لا شك أن الذين تآمروا لاغتيال الحريري قرروا قتله في حال واصل مساره بالابتعاد عن سوريا”، وان القرار بارتكاب الجريمة اتخذ على الارجح في شباط/فبراير العام 2005 بعد قرار الحريري دعم اجتماع للمعارضة السورية كان يعقد في بيروت.
وعلى الرغم من ان المحكمة اشارت الى انها تشتبه بأن لسوريا و”حزب الله” دوافع لاغتيال الحريري، الا انها خلصت في قرارها النهائي الى ان لا أدلة متوفرة لديها حول ضلوع قيادة الحزب ولا ضلوع سوريا في الجريمة.
واستندت المحكمة في قراراتها التي خلصت اليها بالاستناد الى “داتا الاتصالات” والهواتف النقالة التي ثبت استخدامها في التنسيق والتحضير ومراقبة الشهيد الحريري وتحركاته وحركة مرافقيه بما في ذلك تحركات موكبه يوم 14 شباط/فبراير، ما أتاح لها الربط بين المتهمين والجريمة. وقد قالت المحكمة انه لولا ان أدلة الاتصالات “لم تكن هناك قضية”.
وباستثناء مصطفى بدر الدين الذي اعلن الحزب مقتله في سوريا العام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيء عن مكان وجودهم.
واشارت المحكمة الى إن “بدر الدين كانت لديه النية وشارك في مؤامرة” الاغتيال، لكن لا يمكن إدانته لأنه مات. إلا أنها ذكرت أنها لم تتوصل الى “أدلة مقنعة بأنه العقل المدبر” للعملية كما قال الادعاء.
ومال زال يتعين على المحكمة ان تعلن العقوبة التي حددت موعدها في 21 أيلول (سبتمبر) المقبل. ولا يعني النطق بالحكم او العقوبة انتهاء عمل المحكمة، كونها فتحت قضية أخرى في العام الماضي موجهة تهمتي “الإرهاب والقتل” لعياش في ثلاثة اعتداءات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.
وبعد دقائق على انتهاء جلسة المحكمة خرج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى الاعلام معلنا ان “المحكمة حكمت ونحن باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسم عائلات الشهداء والضحايا نقبل حكم المحكمة، ونريد تنفيذ العدالة”. ولفت الى أنه “بفضل المحكمة الخاصة بلبنان، وللمرة الأولى بتاريخ الاغتيالات السياسية العديدة التي شهدها لبنان، عرف اللبنانيون الحقيقة”. وأكد ان قرار المحكمة بإدانة متهم من أصل أربعة أظهر “مصداقية عالية” للمحكمة كما أنها “غير مسيسة”.
وقال الحريري انه “صار واضحا اليوم أن شبكة تنفيذ الجريمة من صفوف حزب الله”، متابعا “لن نستكين حتى يتم تنفيذ القصاص… اليوم عرفنا جميعاً الحقيقة وتبقى العدالة التي ستنفذ مهما طال الزمن.. ليس المطلوب منا التضحية، بل المطلوب من حزب الله اليوم أن يضحّي”.
ودعا الحريري الى “معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة للأبرياء الذي سقطوا في مرفأ بيروت وكل من دُمرت بيوتهم ومصالحهم من دون أي سبب ومبرر”.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون أول المعلقين على الحكم، وقال في بيان إن “تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه يتجاوب مع رغبة الجميع في كشف ملابسات هذه الجريمة البشعة التي هددت الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وطالت شخصية وطنية لها محبوها وجمهورها ومشروعها الوطني”، حسب ما نقلته الرئاسة اللبنانية على حسابها على موقع “تويتر”.
ودعا عون اللبنانيين إلى أن “يكون الحكم الذي صدر اليوم عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مناسبة لاستذكار مواقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودعواته الدائمة إلى الوحدة والتضامن وتضافر الجهود من أجل حماية البلاد من أي محاولة تهدف إلى إثارة الفتنة، لا سيما أن من أبرز أقوال الشهيد أن ما من أحد أكبر من بلده”.
اما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري فقد صدر بيان باسمه يقول فيه: “كما خسر لبنان في 14 شباط (فبراير) عام 2005 باستشهاد الرئيس رفيق الحريري قامة وطنية لا تعوض… اليوم وبعد حكم المحكمة الخاصة… يجب أن نربح لبنان الذي آمن به الرئيس الشهيد وطناً واحداً موحداً… وليكن لسان حال اللبنانيين… العقل والكلمة الطيبة كما عبر الرئيس سعد الحريري باسم أسرة الراحل”.
واستذكر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب “الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي ترك بصمات مضيئة في تاريخ لبنان، وستبقى إنجازاته في حاضر اللبنانيين ومستقبلهم”.

المصدر: “النهار العربي”