مجموعة الجمهورية

يُفترض أن تجري في أي وقت من الأيام القادمة «مباحثات سلام» في جنيف لحلّ القضية السورية، يشاركُ فيها نظام بشار الأسد، ووفدٌ من المعارضة السورية، برعاية كل من روسيا وأميركا.

الحرب مستمرة في سورية، وكل يوم يسقط عشرات الضحايا، والنظام الذي حوّل ثورةً شعبية إلى حربٍ شاملة، وجعلَ سورية ساحةً تحارب فيها نحو 70 دولة، منها أربعٌ من أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية، فضلاً عن جهاديين جوالين من 70 بلداً. هذا النظام طرفٌ في المفاوضات، يحظى بدعم روسيا، وبتفهمٍ كبير من الولايات المتحدة. وبعد أن كانت وثيقة جنيف 1، 2012، تتكلم على «هيئة حكم انتقالية»، يرادُ اليوم تشكيل حكومة مشتركة بين النظام والمعارضة مع بقاء بشار الأسد، والأجهزة الأمنية والعسكرية المنهمكة في قتل السوريين منذ نحو خمس سنوات، والتي تسميها روسيا وأميركا «الدولة». هذا يذكر بواحدةٍ من أقدم ثوابت السيطرة الاستعمارية: النظرُ إلى عموم السكان في البلدان المستعمَرة كأناس خطرين، غير عقلانيين، وغير مسؤولين، والثقة بالمقابل بوكالات القتل المتمرسة مثل الدولة الأسدية وأشباهها.

ويستندُ جنيف 3 إلى وثيقة فيينا الصادرة في آخر تشرين الأول من العام الماضي، وهي لا تشيرُ بحالٍ إلى كفاح السوريين، ولا إلى العدالة ولا إلى الديمقراطية ولا إلى المحاسبة وعدم إفلات المجرمين من العقاب، لكنها لا تنسى -على طريقة القوى الكولونيالية- إيجابَ طابع علمانية للدولة السورية، الأمر الذي يشكل في رأينا إهانة للعلمانية والعلمانيين التحرريين السوريين، ولكفاح شعبنا التحرري.

وتبلغُ الغطرسة بالقوى الامبريالية أن تتدخل في تشكيل وفد المعارضين السوريين، على نحوٍ يذكّر بالتدخلات الإسرائيلية في تقرير من هم المفاوضون الفلسطينيون المناسبون في تسعينات القرن الماضي. ويرادُ أن يُفرَض على وفد المعارضة شخصياتٌ وسّعت هامش حرية النظام على الدوام على حساب الثائرين عليه، ولم توسّع هامش حرية المعارضة أو عموم السوريين يوماً على حساب النظام. وكان الأحرى بمن يصرّ على مشاركة تلك الشخصيات أن يطالب النظام بضمها إلى فريقه.

هذا فوق دعوة أناسٍ متنوعين للمشاركة في المؤتمر، باسم المجتمع المدني، على نحو يضغط على وفد المعارضة وينال من صفته التمثيلية، ومن قدرته على التصرف بصورةٍ موحدة.

لقد كانت المعارضة الرسمية السورية، ممثلةً بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، عبئاً على الثورة السورية والقضية السورية في أغلب الوقت، لكنها تُعاقَب اليوم على ميزاتها الجيدة وليس على عيوبها السيئة، على إصرارها على تغيير جدي في سورية، وليس على ضعف ارتباطها بكفاح السوريين مثلاً.

تسيرُ الأمور نحو أن يكون جنيف 3 قتلاً للقضية السورية، وإلحاقاً لكفاح السوريين بأجندة «الحرب ضد الإرهاب» الخاصة بالامبرياليات المتجددة. ويُكافَأ النظام الأسدي على ذبحه مئات ألوف السوريين طوال السنوات الماضية، بالبقاء شريكاً محلياً في هذه الحرب التي لا تنتهي.

لا نرى في جنيف 3 أدنى المقومات الأساسية لعملية سياسية حقيقية، فلا سياسة في أن يُفرض على أحد طرفي المباحثات المفترضة كل شيء، بما في ذلك كيفية تمثيله لنفسه، في حين لا يُطلب من النظام أدنى إجراء لاثبات استعداده لعملية سياسية. لا نتوقعُ خيراً من جنيف 3، ولا حتى وقفَ إطلاقٍ للنار. ولا نرى بأي وجه يمكن أن ترعى روسيا مباحثات سلام سورية، بينما هي قوة حرب واحتلال في بلدنا، تقتلُ المدنيين السوريين كل يوم.

لكل ذلك نقول للمعارضين السوريين: لا تذهبوا إلى جنيف، لا تكونوا شهودَ زورٍ على تصفية قضيتكم، ولا تُسهموا في تعويم القاتل وأجهزة القتل، لا تتركوا شعبكم يضيع.