عقد المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالما لعربي لقاءً في 18 / 1 / 2023 ، عبر شبكات التواصل الاجتماعي وألقى الرفيق جورج صبره الكلمة التالية في هذا اللقاء.

الأخوات والإخوة ، الرفيقات والرفاق ممثلي أحزاب المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي *   

تحية احترام وتقدير لكم ولأحزابكم الشقيقة ، أحزاب النضال من أجل الحرية والعدالة والعيش الكريم . 

إنه زمن الصعاب ، بل زمن المواجع المتعددة للشعوب والدول في عالمنا العربي . فالوضع في أسوأ حالاته ، حيث الأزمات العميقة السياسية والاقتصادية والأمنية والصراعات الداخلية بين مكونات الشعب والطبقات الاجتماعية في كل بلد ، وأجواء التوتر والتنافر والنزاع السائدة في العلاقات بين الدول . ولم يبق للأسف من جامعة الدول العربية غير الاسم . فلا دور مأمول ولا مهمة ترتجى .

لكن الوضع الأصعب والأسوأ يبقى في بلدنا سورية ، حيث الكارثة الوطنية ومحنة الشعب المستمرة منذ 12 عاماً . دمرت البلاد خلالها ، ولم يتوقف هدر دم السوريين فيها يوماً واحداً . وصارت سورية مسرحاً لصراع الدول فيها وعليها . وموضعاً للاحتلال والتواجد العسكري لخمس من الدول ، تدار السلطات المحلية عبر وكلائها . فالدولة السورية منهارة ، وحالة التبدد والانقسام تسود الأوساط الشعبية في كل مكان . وسلطات الأمر الواقع هي الحاكم والمتحكم بظل راعيها وداعمها . وسلطة بشار الأسد في دمشق ليست إلا إحداها . وتتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة عما حل بالبلاد وما جرى ويجري فيها .

أيها الأخوات والإخوة : 

قامت الثورة السورية في إطار الربيع العربي ، الذي حمل صوت الشعوب وإرادتها بالتغيير، فكان رد نظام القمع الفئوي سياسياً وطائفياً بالرصاص الحي على صوت الشعب وهتافات المتظاهرين منذ اليوم الأول . ومضى عميقاً في جرائمه وفظائعه الموثقة بالصوت والصورة ، وصار يعرفها العالم أجمع . واستخدم ضد الشعب كل أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوية . واستقدم لنصرته جيوش الدول والمليشيات الطائفية والمرتزقة المأجورين من روسيا وإيران ولبنان والعراق وغيرها . فكانت حصيلة إجرام التوحش السلطوي رهيبة كماً ونوعاً . تهجير ثلث الشعب السوري خارج البلاد ، ونزوح الثلث الثاني داخلها . ارتكاب عشرات المجازر الجماعية الرهيبة ، وسقوط مليون شهيد وملايين الجرحى والمصابين . وتغييب 200 ألف من الرجال والنساء والأطفال في السجون المقتلة ، التي تكشفت عن هولوكوست حقيقي قل نظيره . وما زالت فظائع محرقة السوريين على يد النظام تتكشف يوماً بعد يوم . وما ملف قيصر ووثائق مجزرة التضامن وشهادات الناجين غير أمثلة فقط . ناهيك عن جرائم التعفيش والتهجير والترحيل والإحلال السكاني التي نفذت في بعض المناطق . وبالطبع لن ننسى ارتكابات سلطات الأمر الواقع والقوى الميدانية الأخرى في هذا المجال .

وضعت الأمم المتحدة في إطار الحل السياسي عدة قرارات أممية لتسوية الوضع منذ عام 2012 . وخاضت قوى الثورة والمعارضة بمؤسساتها الرسمية المعترف بها مفاوضات بإشرافها في مسار جنيف في الأعوام  2014 و 2016 و 2017 دون إحراز أي تقدم لامتناع النظام وداعميه عن الاستجابة الإيجابية . وابتدع الروس مسار أستانا – سوتشي لاستبعاد الأمم المتحدة والتطاول على العملية السياسية وحرفها عن مسارها . وبعد 19 لقاء في أستانا و 9 جولات لما سمي اللجنة الدستورية ، كان الخواء والفشل سيد الموقف بالنسبة لسورية والسوريين ، إذ كانت الدول في هذا المسار ( روسيا ـ إيران ـ تركيا ) وراء مصالحها فقط . في وقت اكتفت فيه جامعة الدول العربية بموقف المتفرج تعبيراً عن عجزها وفشلها وانعدام دورها .

وعام 2022 جاءت الحرب في أوكرانيا لتخرج القضية السورية من دائرة الضوء ، وتفسح مجالاً للدول لترتيب مواقعها وعلاقاتها ومصالحها على حساب سورية والسوريين . وهنا لا بد أن نسجل الخذلان الذي تعرض له السوريون وقضيتهم من القريب والبعيد ، وفشل الروس في جهودهم لإعادة تأهيل النظام بمحاولات مخفقة كالمصالحات الداخلية ومشاريع إعادة البناء ومؤتمرات عودة اللاجئين دون أي نجاح .

واليوم يعيش السوريون في جميع المناطق داخل البلاد حياة مريرة ، ينعدم فيها الأمن والاستقرار والحد الأدنى للحياة الكريمة . فـلا مواصلات ولا ماء ولا كهرباء . 90% من السوريين تحت خط الفقر وبحاجة للمساعدة حسب الأمم المتحدة ، فراتب الموظف لا يتجاوز 20 دولاراً في الشهر . وميزانية الدولة عام 2023 تبلغ 3،6 مليار دولار . بينما كانت عام 2020 تبلغ 9 مليار دولار . فثورة الشعب مستمرة ، وتتجدد أسبابها والتعبير عنها في مناطق سيطرة النظام كدرعا والسويداء في الجنوب . التي تشهد انتفاضات مستمرة ذات طابع اجتماعي مطلبي وسياسي ، تحتج على غياب الدولة وتخليها عن مسؤولياتها . فلم يعد بوسع الموظف أن يذهب إلى عمله ، فلا تتوفر لدية أجور المواصلات .

أعلن السوريون رفضهم لمشاريع التطبيع والمصالحة مع النظام لأنها عديمة الفائدة في معالجة القضية السورية . ولن ينجح أي حل خارج تنفيذ القرارات الأممية . وهو الحل الذي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية . تكون مناصفة بين النظام وقوى الثورة والمعارضة . تباشر عملها في إدارة المرحلة الانتقالية بمساعدة الأمم المتحدة وإشرافها . وبالطبع لن يكون لبشار الأسد وعصابات الإرهاب  والقتل والتشريد أي دور فيها . فتحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا ومحاسبة المرتكبين يضمن تحقيق عملية الانتقال السياسي ، التي تمكن الشعب السوري من التعبير عن إرادته وتحقيقها في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية ، تكون وطناً حراً لجميع أبنائها دون تمييز أو امتياز . وله من تاريخه الوطني وبناء دولته الاستقلالية أمثلة ناصعة ومساعدة في هذا السبيل.

18 / 01 / 2023 

                                                                                       حزب الشعب الديمقراطي السوري 

                                                                                                   الأمانة المركزية 

                                                                                                     جورج صبرة 

 

* كلمة الحزب في اجتماع المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي .