تشير العقوبات الجديدة على سورية المستندة إلى دعم الحزبين إلى استمرار العزلة الدبلوماسية والإرغام الاقتصادي، لكن تأثيرها يعتمد في النهاية على مدى استعداد السلطة التنفيذية لإعطاء أولوية للقضية.

عندما وقّع الرئيس ترامب على تشريع تفويض الدفاع الوطني الأخير، ليصبح قانونًا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أجاز أيضًا قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية المدعوم من الحزبين، وهو القانون الذي سُمي باسم المنشق العسكري السوري الذي قدّم مجموعة كبيرة من الأدلة توثق جرائم حرب نظام الأسد. يفرض القانون عقوباتٍ على الحكومات أو الشركات أو الأفراد الذين يموّلون نظام بشار الأسد تمويلًا غير مباشر، أو الذين يساهمون في حملاته العسكرية. إن توقيع عقوبات قيصر يُظهر الآن تصورات بالمخاطر بخصوص ممارسة الأعمال التجارية (البزنس) في سورية، ومع اقتراب الموعد النهائي لتطبيقه، في 17 حزيران/ يونيو، يعتقد كثيرون أن الإجراءات المرتقبة ستزيد المعاناة الاقتصادية على أنصار النظام ومؤيديه.

استعاد الأسد وحلفاؤه السيطرة على معظم البلاد، من خلال عمليات الهجوم العسكرية المستمرة على الأرض، وفي ضوء هذا الواقع، ما تزال روسيا تشجع الآخرين على قبول فكرة أن الأسد سيبقى، وعلى الترحيب به من جديد في المجتمع الدولي، وعلى تمويل إعادة إعمار سورية. يرفض قانون قيصر هذه الفرضية: إذا نُفذ القانون بفاعلية، فإن قوة العقوبات الجديدة يمكن أن تردع شركاء الولايات المتحدة عن المشاركة في إعادة الإعمار، أو عن توسيع علاقاتها مع سورية، في ظل نظام الأسد الحالي. يتفحص الرصد السياسي المكون من جزأين قضايا السياسة ومعايير الاستهداف التي ستشكل هذا التنفيذ؛ فالجزء الأول ينظر في العقوبات المفروضة على سورية، بينما يناقش الجزء الثاني كيف يمكن استخدام القانون ضد “حزب الله” في لبنان.

هل عقوبات قيصر هي الحلقة المفقودة؟

تستهدف العقوبات الجديدة في قانون قيصر الكياناتِ التي تعمل لمصلحة نظام الأسد في أربعة قطاعات: النفط/ الغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية، والبناء، والهندسة [[1]]. وهذا يشمل الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سورية. وإضافة إلى ذلك، يتطلب القانون من إدارة ترامب تحديد مسألة: هل البنك المركزي السوري هو كيان “مصدر قلق رئيس بشأن غسيل الأموال”، وفقًا للقسم 311 من القانون الوطني الأميركي، أم لا؟

تخضع معظم هذه النشاطات للعقوبات من قبلُ، بموجب سلسلة من الأوامر التنفيذية الصادرة في عهد أوباما، ومن ضمنها الأمر التنفيذي رقم 13582/ 2011 [[2]]، الذي جمّد ممتلكات الحكومة السورية، والكيانات التي تزودها بالدعم التكنولوجي أو المادي أو المالي، والكيانات التي تعمل لتحقيق مصالحها أو تعمل نيابة عنها. على سبيل المثال، زعمت إدارة ترامب أن البنك المركزي السوري يخضع لعقوبات بموجب هذا الأمر، والبنك يخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي كذلك. بشكل منفصل، يخضع كثير من الأفراد والكيانات السورية للعقوبات الأميركية الحالية التي فُرضت بناءً على السلوك الداعم للإرهاب أو الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان أو نشر أسلحة الدمار الشامل أو غير ذلك من الانتهاكات.

حتى الآن، فشلت استراتيجية استهداف النظام مباشرة -من خلال العقوبات التي تبنتها مجموعة “أصدقاء سورية” متعددة الأطراف في عام 2011، والحكومة الأميركية قبل أعوام- في تغيير سلوك الأسد. والسبب الأساسي في هذا أن روسيا وإيران قدمتا لنظام الأسد دعمًا عسكريًا وماليًا ودبلوماسيًا حاسمًا. على الرغم من أنهما تفتقران إلى الموارد المالية لإعادة بناء سورية، فمن غير المحتمل أن تغيّر عقوبات قيصر التزامهما ببقاء النظام، وإلى جانب ذلك، تخضع كلتا الحكومتين وشبكاتهما بالفعل لعقوبات واسعة النطاق تقودها الولايات المتحدة، بسبب تصرفات وسلوكات داخل الحالة السورية أو خارجها.

من هم المستهدَفون المحتملون؟

على الرغم من خطورة العقوبات الحالية، ما يزال المستثمرون الأجانب مهتمين بفرص الأعمال (البزنس) السورية، ولا سيما الشركات في دول الخليج الفارسي وأوروبا الشرقية. على سبيل المثال، بعد ذوبان الجليد (الدفء) الدبلوماسي في العام الماضي، بين الإمارات العربية المتحدة والأسد، حضر وفدٌ من رجال الأعمال السوريين، يضم أفرادًا تشملهم عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، منتدًى للقطاع الخاص نظمته الإمارات في أبو ظبي. وفي وقت لاحق من عام 2019، حضر وفدٌ إماراتي كبير معرض دمشق الدولي السنوي. ويبدو أن الإمارات -من خلال إعادة تأسيس وجودها في سورية- تأمل في موازنة النفوذ الإيراني، ولذلك تعرضت -منذ ذلك الحين- لضغوط أميركية كبيرة لتجنب مخالفة العقوبات. ومع ذلك، ذكرت بعض التقارير أن المستثمرين الإماراتيين والسعوديين والكويتيين استمروا في تأسيس شركات، أو في الحصول على تراخيص للعمل في قطاعي البناء والسياحة في سورية.

ولا تزال بعض الشركات التي تتخذ من لبنان مقرًا لها فعّالة هناك، ومن ضمنها القطاعات المستهدَفة بقانون قيصر (مثل النفط والغاز). وبعض هذه الشركات يملكها لبنانيون، في حين أسست نخبٌ سورية شركات أخرى. أثار تنفيذ القانون الذي يلوح في الأفق مخاوف في لبنان، بشأن التعرض لعقوبات قيصر، وهو ما قد يدفع اقتصاد البلاد المضطرب إلى الاقتراب من حافة الهاوية.

في النهاية، سوف يكمن تأثير القانون في الإشارات التي ترسلها واشنطن، وفي استعدادها لفرض العقوبات حتى على الشركات أو الحكومات التي لها شراكة مع الولايات المتحدة. ستحتاج الإدارة إلى توضيح أن سورية ما تزال مغلقة أمام إعادة التأهيل أو إعادة الأعمال التجارية (البزنس) في ظل ظروفها الحالية، كما ستحتاج إلى بذل جهد متجدد لردع أولئك الذين يسعون إلى الاستفادة من أنشطة إعادة الإعمار التي يشرف عليها النظام بظروفه الحالية.

قانون قيصر وتخفيف العقوبات

ظاهريًا، تهدف الولايات المتحدة إلى إنهاء الحرب السورية عبر عملية سياسية، تقودها الأمم المتحدة وتفضي إلى حكومة تمثيلية شاملة في دمشق. لكن إدارة ترامب لم تعد تؤكد أن الأسد يجب أن يغادر السلطة، وصارت تصرّ على أن يغيّر الأسد سلوكه. ولتحقيق هذا الهدف، يوضح قانون قيصر الحالة النهائية، من خلال وضع معايير يجب على النظام وحلفائه الوفاء بها قبل رفع العقوبات، مثل:

  • وقف الحملة الجوية السورية الروسية ووقف استهدافها المتعمّد للمدنيين والمباني المدنية.
  • السماح بوصول المساعدات الإنسانية، من دون قيود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام/ روسيا/ إيران، تماشيًا مع مصالح واشنطن كأكبر مانح للمساعدات لسورية.
  • الإفراج عن جميع السجناء السياسيين.
  • اتخاذ خطوات نحو الامتثال للمعاهدات الدولية المتعلقة بالأسلحة البيولوجية والنووية والكيمياوية.
  • تسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين.
  • تأسيس عملية مساءلة حقيقة، ومصالحة صادقة.

والجدير بالذكر أن هذه المعايير لا تتضمن شرطًا بأن يشارك النظام في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، أو شرطًا يصرّ على رحيل الأسد. ومع ذلك، تشير ظروف العمل الجدية إلى أنه يجب أن يكون هناك نظام مختلف تمامًا في السلطة، قبل أن تُرفع العقوبات. بهذا المعنى، يمكن لفرض عقوبات قيصر أن يساعد في الإشارة إلى التزام الولايات المتحدة طويل المدى بالتغييرات الأساسية في سورية. إن تركيز القانون على المساءلة يضع هدفًا مطلوبًا، لكنه غير نهائي، لأن الأسد لن يذعن أبدًا للتحقيقات التي تورطه هو ونظامه في ارتكاب جرائم الحرب. وإذا نفذت وزارتا الخارجية والخزينة العقوبات بفاعلية، وأوصلت رسالتها بمهارة إلى الجماهير المعنية؛ فإن بإمكانها أن تجعل الحكومات والشركات تفكر مرتين قبل إعادة العلاقات مع النظام، بظرفه الحالي، أو السعي وراء عقود إعادة الإعمار المربحة.

الخلاصة

في ظل حكم الأسد، أصبحت الحياة في سورية لا تُحتمل؛ حيث أدى التضخم المفرط وتراجُع قيمة العملة إلى ارتفاع تكاليف الغذاء والدواء، إلى درجة لم يعد بمقدور معظم المواطنين الحصول عليها، وقد نزل المتظاهرون إلى الشوارع مرة أخرى، في بعض المناطق، بينما لا يزال نظام الأسد يرتكب فظائع يومية. وأدت الأزمة المالية اللبنانية المجاورة، ووباء كورونا (COVID-19) في جميع أنحاء المنطقة، إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي، وزادت الصعوبات اليومية لأولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وتقلّصت موارد مؤيدي الأسد في موسكو وطهران.

على الرغم من هذه الصورة الرهيبة، يبدو أن النظام سيشرع في استئناف هجماته، لتوسيع سيطرته على المناطق المتبقية التي تسيطر عليها قوات المعارضة في محافظة إدلب. حيث ما يزال الأسد، حتى في ظل الظروف غير المستدامة (القوات العسكرية المنهكَة، والاقتصاد المنهار، والحلفاء المرهقين، والوباء العالمي) يتبع استراتيجية الحصار العسكري وترويع شعبه.

تعتمد سياسة الولايات المتحدة على تحقيق العزلة السياسية، وفرض العقوبات الاقتصادية، لجعل الحياة على الأسد وزبانيته غير محتملة، حتى يُجبَر على المشاركة بشكل هادف في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. حيث إن الجولات المتتالية من العقوبات المباشرة لم تردع الأسدَ -حتى الآن- عن هدفه المتمثل في تحقيق النصر العسكري، وهو يعتقد أنه سيُثبت الحقائق على الأرض التي تسمح له بالاستغناء عن عملية الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن قانون قيصر يهدف إلى مواجهة أي تفكير واهم، مع التوضيح لدمشق وموسكو وطهران، ولكل الكيانات التي تستفيد من اقتصاد الأسد الحربي، أن واشنطن -ببساطة- لن تقبل بوجود نظام لا يُجري إصلاحات في سورية.

من المؤكد أن 17 حزيران/ يونيو لن يوجّه ضربةً حاسمةً لنظامٍ أثبت متانته وتحمّله. وستعتمد فاعلية قانون قيصر على إمكانية أن تدعم الإدارة هيكل عقوباتها بما يكفي لإنفاذه، في الوقت الذي تسعى فيه بقوة للخروج من منحدر دبلوماسي نحو عملية سياسية. ستحتاج وزارة الخزانة إلى مواكبة مستمرة للتهديد بقرارات ومهام جديدة، لردع الاستثمار وإعادة الإعمار. وهذا يوجب على الإدارة إعطاء أولوية لسورية، والتأكد أن العاملين بخصوص مجموعات جديدة من عقوبات قيصر لديهم الدعم والموارد اللازمة للبقاء على المسار مدة طويلة.

اسم المقال الأصلي The Caesar Act Comes into Force (Part 1): Increasing the Assad Regime’s Isolation
الكاتب* دانا سترول وكاترين باوير، Dana Stroul and Katherine Bauer
مكان النشر وتاريخه معهد واشنطن للسياسات في الشرق الأدنى، The Washington Institute for Near East Policy، 11 حزيران/ يونيو 2020
رابط المقال https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-caesar-act-comes-into-force-part-1-increasing-the-assad-regimes-isolati
عدد الكلمات 1395
ترجمة قسم الترجمة/ أحمد عيشة

دانا سترول: باحثة في معهد واشنطن في القضايا العربية، وعضو سابق كبير في هيئة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

كاترين باوير: باحثة في معهد بلومين شتاين -كاتز ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأميركية.

[1] – للحصول على نص PDF الكامل للقانون، انظر الصفحة 1,093 من قانون تفويض الدفاع الوطني على الرابط:

https://www.congress.gov/116/bills/s1790/BILLS-116s1790enr.pdf

——————————————————-
قانون قيصر يدخل حيز التنفيذ.. الجزء الثاني: الضغط على حزب الله في لبنان

إضافة إلى استهداف حزب الله والجهات الفاعلة المحلية الأخرى التي تدعم نظام الأسد وتضر بالاقتصاد اللبناني، يمكن للتشريع الأميركي الجديد أن يساعد في تعزيز سيادة بيروت.

إن تنفيذ واشنطن الوشيك لقانون قيصر لحمايةِ المدنيين السوريين يدقّ ناقوس الخطر في لبنان، كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا الرصد السياسي. وعلى الرغم من أن المقصد الأساسي من القانون هو معاقبة حكومة بشار الأسد على الفظائع التي ارتكبتها ضد الشعب السوري، فإن النظام لم يكن ليتمكن من البقاء مدة طويلة بما يكفي لارتكاب هذه الانتهاكات، من دون دعم مباشر وغير مباشر من الميليشيات والمسؤولين والشركات اللبنانية.

وثمة ما هو أكثر أهمية من ذلك وهو أن “حزب الله” كان في طليعة الحرب السورية، طوال أعوام، يساعد بشار الأسد في إدارة حملاته الوحشية بكفاءة عالية، من خلال الاعتماد على المقاتلين والموارد من لبنان. كما أن علاقاته (حزب الله) العميقة تستمر مع النظام إلى اليوم، ومن ضمنها قطاع صناعة الوقود والقطاعات الأخرى المستهدفة صراحة بموجب قانون قيصر. وهذا يعطي المسؤولين الأميركيين فرصة لمعاقبة الأفراد والقنوات والأدوات اللبنانية، التي يستخدمها كل من “حزب الله” ودمشق لتعويم نظام الأسد.

والواقع أن الأرض خصبة لمزيد من الضغط على الجماعة وحلفائها داخل لبنان. طلبت الحكومة التي يقودها “حزب الله” في بيروت من صندوق النقد الدولي حزمة مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار، كذلك يفهم المسؤولون المحليون تداعيات تحدي القانون الأميركي والمجتمع الدولي الأوسع، في هذه اللحظة الحرجة. وبناء على ذلك، يجب على واشنطن وشركائها التوضيح بأن البلاد لا يمكن أن تتوقع مساعدة من صندوق النقد الدولي، ما لم تبدأ بقطع العلاقات العسكرية والتجارية الخاصة مع نظام الأسد. وعلى الرغم مما يقوله “حزب الله” للشعب اللبناني، ما يزال بإمكان البلد أن يُنقذ نفسه، من خلال الامتثال للإصلاحات والشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي ومؤتمر باريس وقرارا مجلس الأمن الدولي 1559 و1710. إن قانون قيصر فرصةٌ لتعزيز هذه الحجة، وفي الوقت نفسه هو فرصة لكبح جماح أنشطة التهريب التي يمارسها “حزب الله”، وتعزيز رقابة البلد على حدوده.

من الذي يجب أن يشعر بالخوف؟

يرتبط لبنان بسورية، سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، منذ مدة طويلة. وحقيقة أن الحدود بين البلدين ما تزال غير محددة رسميًا تسمح بعمليات تهريب يومية بلا رادع وتدقيق، وهو ما يجعل تقدير حجم التبادلات المالية بين البلدين أمرًا صعبًا. لكن بعض التفاصيل واضحة، حيث ذكرت (رويترز) في تشرين الثاني/ نوفمبر أن “لدى السوريين الأثرياء ودائع بمليارات الدولارات في البنوك اللبنانية”. وكثير من هذه الأموال غدا محاصَرًا، مع تفكك الاقتصاد اللبناني، ومع فرض البنوك المحلية قيودًا مشددة على السحوبات النقدية بالدولار الأميركي.

قد تخضع بعض هذه البنوك وشركائها والشركات اللبنانية المرتبطة بها لعقوبات جديدة، بسبب المساعدة المادية لنظام الأسد، خاصة إذا كانت تلك البنوك أو الشركات مرتبطة -بأي شكل من الأشكال- بالدعم اللوجستي لعمليات “حزب الله” العسكرية في سورية. ومع ذلك، فإن التأثير الأكثر أهمية لقانون قيصر قد يكون الردع، أي يجب على الشركات اللبنانية (التي كانت تأمل في الوصول إلى السوق السورية من خلال المشاريع التجارية أو إعادة الإعمار) أن تعيد النظر في تلك الخطط.

مهربو الوقود هم مجموعة مهمة أخرى قد تتأثر بهذا القانون. في الوقت الذي لا يستطيع لبنان تحمل خسارة المزيد من احتياطياته من العملات الأجنبية، ألمح رياض سلامة (حاكم البنك المركزي) في الشهر الماضي، إلى أن البلاد تخسر 4 مليارات دولار سنويًا، بسبب “حزب الله” والجهات الفاعلة الأخرى، من خلال عمليات تهريب الوقود المدعوم من الحكومة إلى سورية. تشعر الشركات المشاركة في عمليات النقل والشحن بالقلق والخوف بالفعل، ويعتقد كثيرٌ من السكان المحليين أن قانون قيصر قد شُرّع عن قصد لاستهداف التهريب في كلا الاتجاهين: الوقود المتجه إلى سورية، والأسلحة الواردة إلى لبنان. ولذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين استخدام التهديد بفرض عقوبات قيصر، للضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل تشديد الرقابة على الحدود، واتخاذ تدابير أخرى تساعد في الحد من تهريب الوقود عبر المعابر غير الرسمية.

يجب أن يشعر بعض حلفاء “حزب الله” السياسيين بالقلق من التشريع الأميركي الجديد أيضًا. وعلى الرغم من أن الرئيس ميشيل عون، وجبران باسيل (زعيم التيار الوطني الحر)، ونبيه بري (رئيس مجلس النواب) كانوا حذرين في تعاملهم مع النظام السوري، فقد كان الحلفاء الآخرين أقلّ خجلًا في إعلان دعمهم العسكري للأسد، ومن ضمن هؤلاء الحلفاء “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، ووئام وهاب (رئيس حزب التوحيد العربي). على سبيل المثال، ذكرت بعض التقارير أن وئام وهاب أرسل أفرادًا للقتال إلى جانب النظام، في الأعوام الماضية (قُتل عدد منهم خلال معارك عام 2014 في محافظة السويداء).

تعزيز الحدود وفصلها عن الأسد

باستخدام هذه الانتهاكات وغيرها من الانتهاكات المتعلقة بسورية، كوسيلة ضغط، يمكن لقانون قيصر مساعدة لبنان في تعزيز سيادته وتمكين مؤسساته ضد الجهات غير الحكومية. وخصوصًا، إذا كان التهديد بعقوبات قيصر يقنع المسؤولين اللبنانيين بترسيم رسمي لحدودهم والبدء في تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 بشكل صحيح، عندها سيكون “حزب الله” أقلّ حرية في استغلال المؤسسات الوطنية لدعم نظام الأسد المجاور. وعلى ذلك، سيصبح المهربون أقل حرية في مواصلة الأنشطة التي تضر بالاقتصاد اللبناني، وتجلب الأسلحة الخطرة إلى أراضيه. وعلى الصعيد الإقليمي، من شأن تعزيز سيادة لبنان أن يساعد المجتمع الدولي في ممارسة مزيد من الضغط على “الجسر البري” الإيراني إلى بيروت والحدود الإسرائيلية.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمكن الاستفادة من قانون قيصر بطريقتين: الأولى يمكن أن يساعد القانون في تثبيط الجهود لتطبيع العلاقات اللبنانية مع سورية، طالما أن النظام بظروفه الحالية يسيطر على السلطة في دمشق. عندما أثار ناشطون لبنانيون وشخصيات معارضة المخاوف، في الشهر الماضي، من أن تهريب الوقود يضر بالاقتصاد؛ صرّح حسن نصر الله (زعيم حزب الله) بأن الحل الوحيد هو تطبيع العلاقات من أجل التنسيق بشكل صحيح مع سورية لحل المشكلة. فالجماعة تفضّل هذا الحل، لأنها تحتاج إلى إبقاء ما يقدر بـ 120 معبرًا غير رسمي تحت سيطرتها، بدلًا من ترسيم الحدود ووضعها تحت إشراف ورقابة الجيش اللبناني؛ حيث لم يعد بمقدور المواطنين اللبنانيين (والبنوك) تحمّل الأضرار الناجمة عن الحدود الفضفاضة ومشاركة “حزب الله” في سورية.

الطريقة الثانية يمكن لقانون قيصر أن يدفع لبنان إلى تعليق اتفاقاته العسكرية طويلة الأمد وهيئاته التنسيقية مع دمشق. وتشمل هذه العملية “المجلس الأعلى السوري اللبناني”، وهو هيئة أُنشئت بموجب معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، التي وُقعت عام 1991 إبّان الاحتلال السوري. ووفقًا لهذه الاتفاقية (التي لم تُلغَ عندما انسحبت القوات السورية من لبنان عام 2005) فإن البلدين “سيعملان على تحقيق أعلى مستويات التعاون والتنسيق، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها”. كما توفر المعاهدة آليةً لإضفاء الطابع المؤسسي على هذا التنسيق، عبر لجان ثنائية. وعلاوة على ذلك، فإن اتفاقية الدفاع والأمن، الموقعة في وقت لاحق من ذلك العام، تدعو إلى تنسيق وتعاون شاملين بين المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخبارية في البلدين.

إن قانون قيصر أداةٌ قويةٌ لتعزيز الحجة القائلة بأنه لم يعد من الممكن ربط لبنان بالنظام السوري الحالي، على المستويين الاقتصادي والأمني. ومن أجل منع حدوث انهيار اقتصادي شامل، تحتاج البلاد إلى إبعاد نفسها عن محور الأسد-إيران، ومواجهة أي تطبيع مع النظام الحالي في دمشق. إن التهديد بفرض عقوبات قيصر هو إحدى طرق حثّ المواطنين اللبنانيين على إدراك أن الابتعاد الواضح والثابت عن نظام الأسد هو شرط مسبق للمساعدة الدولية.

في الوقت نفسه، يجب على المسؤولين الأميركيين التأكيد أن القانون لا يهدف إلى الإضرار برجال الأعمال اللبنانيين الذين لم يشاركوا في دعم نظام الأسد؛ حيث إن سورية -بالنسبة إلى كثير من الصناعيين والتجار والمزارعين المحليين- هي الطريق البري الوحيد لإرسال بضائعهم إلى بقية المنطقة. تحتاج هذه الشركات إلى أن تطمئن بأن قانون قيصر لا يستهدفها أو لا يهدف إلى إلحاق مزيد من الضرر بالاقتصاد الهش. وتحقيقًا لهذا الهدف، ينبغي لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة أن يوضح بالتفصيل أنواع التجارة المشروعة العابرة للحدود والشحن التي لن تتأثر بالقانون.

اسم المقالة الأصلي The Caesar Act Comes into Force (Part 2): Pressuring Hezbollah in Lebanon
الكاتب حنين غدّار، Hanin Ghaddar
مكان النشر وتاريخه معهد واشنطن للسياسات في الشرق الأدنى، The Washington Institute for Near East Policy، 12 حزيران/ يونيو 2020
رابط المقالة https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-caesar-act-comes-into-force-part-2-pressuring-hezbollah-in-lebanon
عدد الكلمات 1190
ترجمة قسم الترجمة/ أحمد عيشة