من قال إن الحرب السورية انتهت يأكل اليوم كلامه وورطة اللاعبين الميدانيين تتعمّق

بعد أيام عدة من التحاور بالسلاح – مباشرة وعبر وكلاء – على أرض إدلب وريف حلب، التقى الجانبان الروسي والتركي على طاولة الحوار السياسي في موسكو من أجل تحديد قواعد جديدة للاشتباك، وتثبيت حدود التماس المرحلية التي أفرزتها موازين القوى العسكرية والسياسية الجديدة بعد مجريات الميدان. وما جرى في سراقب ومن حولها من صدامات صعبة ومعارك كر وفر، كان من أجل تحديد خطوط التماس الجديدة هذه، والتي رسمها الروس لتثبت على الأرض، وتجد ظلها على طاولة المفاوضات.

   لم تكن نتائج هذه القمة التي عقدت في الخامس من آذار الجاري مفاجئة إلا لأولئك الذين يعتقدون أنه يمكن للحليف والدولة الصديقة أن تحل محل أصحاب الشأن وتحقق أهدافهم في ظروف غيابهم وانعدام وزنهم الخاص في ميزان القوى القائم والفاعل على الأرض. أو على الحليف ( أو يمكن له ) أن يتولى تحقيق مصالحنا بعيداً عن مصالحه وعلاقاته الإقليمية والدولية وجوهر استراتيجيته وتكتيكاته . لذلك يعلقون عليه آمالاً هي أقرب إلى الأوهام . ويطالبونه – بغير حق – أن يكون يدهم وعينهم وعقلهم في غيابهم الكلي. 

كذلك للذين شاركوا في مسار أستانة – سوتشي ، وعلقوا عليه الآمال، بل عدوه إنجازاً ونصراً رغم مسلسل التراجعات والانكسارات التي خلفها في العديد من المناطق السورية من درعا إلى الغوطة إلى ريف حمص وحماة وصولاً إلى إدلب . واطمأنوا إلى تلك الخديعة ونشروها بين السوريين كإنجاز سياسي متجاهلين نتائجه التدميرية على الأرض، ومصدقين البيانات الإعلامية للدول والتصريحات الرسمية لمسؤوليها  التي تنضح رغبات ونوايا وعواطف أكثر مما تتضمنه من أرض صلبة يمكن البناء عليها.

الساعات الستة التي استغرقتها القمة تشي بصعوبة المفاوضات وانعكاساتها على النتائج المعلنة وغير المعلنة، حيث أجمع الباحثون والمحللون على أنها تفاهمات جديدة في سياق مسلسل التفاهمات لمسار أستانا – سوتشي التي ولدت سهلة الاختراق وقابلة للتقييمات والتفسيرات المختلفة . لذلك لم تكن لتصمد أو تحقق مكسباً ، ولم تؤسس لما يمكن أن يبنى عليه . فما جرى ليس أكثر من تكرار لتلك التفاهمات الهشة  التي صيغت بلغة دبلوماسية تسمى ” الغموض البناء “، حيث يسهل تباين تفسيرها وتجاهلها واختراقها.

إنه اتفاق مؤقت، يتيح فترة من التقاط الأنفاس ومراجعة الحسابات للفاعلين وترتيب أوراقهم، بانتظار جولة جديدة من الصراع على الأرض، تحدد معالمها التطورات والانحيازات الدولية لعديد القوى والدول المتدخلة بالشأن السوري. لذلك بقيت التوافقات الصادرة غير محددة بمدة زمنية  وسارع الجانب الروسي لحملها إلى مجلس الأمن الدولي من أجل شرعنتها وإعطائها سمة الاتفاقات الدولية بعدّها مكسباً له كي تصبح مرجعية ومستنداً على طاولة المباحثات التي تتعلق بالشأن السوري لاحقاً. ولذلك أيضاً ووجهت مساعي الروس هذه بالمواقف الصلبة الأوروبية والأمريكية التي حالت دون ذلك. 

وتبقى الحقيقة الكبرى والمريرة التي أظهرتها نتائج القمة وتوافقاتها هي غياب السوريين عن التأثير، بل حتى المشاركة  في بحث القضايا التي تقرر مصير شعبهم ووطنهم مع ما يفرزه هذا الغياب من نتائج سلبية وكارثية على القضية السورية والتفاعلات الميدانية والسياسية إقليمياً ودولياً بشأنها.

  يمكن للدارسين والمحللين أن يتناولوا مواقف الطرفين ومواقعهما في ميزان الخسارة والربح وجوهر نتائج القمة وانعكاساتها لكن يبقى الخاسر الأكبر نحن السوريين. وهذا يفرض علينا أن نتولى بجدية البحث في مسألة غياب الصوت السوري المستقل والحضور الوطني الفاعل مع الأصدقاء وبمواجهة الأعداء